23 ديسمبر، 2024 3:21 ص

قوانين الأحزاب السياسية … دمار شامل ودائم للعراق ؟!

قوانين الأحزاب السياسية … دمار شامل ودائم للعراق ؟!

القسم الثاني والعشرون
إن من واجبات السلطة التشريعية إعداد النظام الإنتخابي الذي تعتمده الدولة ذات العلاقة والشأن ، لإنتاج عدد محدد من أعضاء التشكيل السياسي والتشريعي الممثل للشعب بالإنتخاب ( مجلس النواب أو مجلس الشعب أو المجلس الوطني ) ، أو غيرها من التشكيلات القائمة على ذات النهج وليس بالتعيين ، قياسا بعدد السكان الكلي للدولة أو المحافظة أو المنطقة أو الدائرة الإنتخابية ، المستخرج من نتائج التعداد السكاني الرسمي ، وليس التخميني أو المتوقع تحديده أو المستند إلى إجراءات حالة أخرى ، مثل إعتماد البطاقة التموينية لتحديد عدد السكان ، إلا إن عدم وجود نظام إنتخابي معياري موحد ، جعل من الدول بما فيها تلك التي تنتظم في إتحاد فيما بينها كالإتحاد الأوروبي ، أن تتخذ أنظمة إنتخابية مختلفة تماما عما هو معمول به لدى بعضها عن البعض الآخر ، لأن أهم ما يميز أي نظام إنتخابي تعتمده الدولة ، هو قدرته على تمثيل الشرائح والطبقات والإتجاهات السياسية الموجودة والعاملة في مجتمع الدولة المعنية ، وكلما كان النظام الإنتخابي قادرا على تمثيل أكبر لهذه الفئات ، كان أكثر قوة وقدرة على إنتاج العناصر الفاعلة للتشكيل التشريعي والرقابي لمؤسسات الدولة .

إن نظام التمثيل النسبي الذي أعتمد في العراق بموجب قانون الإنتخابات رقم (96) لسنة 2004 ، الذي سنته سلطة الإئتلاف المؤقتة ، يعتمد بشكل أساس على ما يلبي حاجة وطموح الكيانات الحزبية والسياسية من المقاعد البرلمانية ، على وفق النسب المتحققة لكل منها في الإنتخابات المبرمجة آلياتها لتحقيق ذلك الغرض ، لأن التمثيل النسبي يختلف بإختلاف النظام الإنتخابي المطبق في كل دولة ، فهو إما أن يكون تمثيل نسبي للأحزاب السياسية فقط ، وهو ما تم تطبيقه في العراق المحتل كما أسلفنا ، أو أن يكون تمثيل نسبي للأحزاب والمناطق ، أو تمثيل نسبي للأحزاب والمناطق بما فيها مؤسسات المجتمع المدني ، لغرض تحقيق نسبة تمثيل في مقاعد البرلمان موازية للنسبة التي يحصل عليها كل حزب أو كيان سياسي في الإنتخابات ، ولأن أغلب أنظمة التمثيل النسبي تعتمد نظام الدائرة الواحدة وإنتخاب القائمة المغلقة ، فإن المفاضلة بين البرامج الإنتخابية والخطط السياسة ستكون الأساس في ممارسة الدعاية الإنتخابية ، وليس ضغط وتأثير العلاقات الشخصية كما هو في العراق ، حيث أخذت التوجهات العرقية والطائفية والإثنية والمذهبية دورها السلبي في إنتاج ممثلي الشعب ، مما جعل مساوئ النظام الإنتخابي النسبي هي الغالبة على الوصف ، على الرغم من بعض ما يتميز به النظام المذكور من نسبة تحقيق التمثيل للإتجاهات الفكرية والسياسية المختلفة بشكل مقبول .

ففي معظم الأنظمة الإنتخابية التي تعتمد التمثيل النسبي ، نجد حدا أدنى من الأصوات التي يجب أن تحصل عليها القائمة لتحصل على مقعد نيابي ، وهذه النسبة تختلف من دولة إلى أخرى قياسا بعدد السكان وعدد المشاركين منهم في الإنتخابات ، ولكن رفع سقف النسبة أو الحد الأدنى لإستحقاق المقعد النيابي ، قد يحرم الكيانات الصغيرة من التمثيل في المجلس المنتخب ، أما خفضها فيؤدي إلى تكوين مجلس مكون من عدد كبير من الأحزاب أو التحالفات ، الأمر الذي يجعل تحقيق الإستقرار السياسي أمرا صعبا إلى حد ما ، ولهذا تقوم بعض الدول برفع نسبة الحد الأدنى للتحالفات بين الأحزاب ، لمنع الكيانات الصغيرة أو غير المتحالفة من الحصول على تمثيل مناسب في مجلس النواب ، بغية هيمنة الأحزاب الكبيرة على الحياة السياسية ، وإن لم تكن ممثلة لغالبية مكونات الشعب ، مما حدا بالعديد من الدول التي كانت تعتمد نظام التمثيل النسبي في الانتخابات ، إلى التحول نحو نظام الإنتخاب المختلط ، الذي يتبنى نظام القائمتين المغلقة والمفتوحة في آن واحد ، حيث تحتوي القائمة المغلقة للحزب أو الكيان السياسي ، على أسماء المرشحين لخوض الإنتخابات على وفق التسلسل العددي للقائمة ، وللناخب حق إختيار القائمة أو التيار الذي يمثله المرشح ، وعند الفوز بثلاثة مقاعد مثلا ، يتم إشغالها من قبل الأشخاص الثلاثة الأوائل في تسلسل القائمة الإنتخابية ، أما القائمة المفتوحة فيقوم الناخب بإختيار من سيقوم بإشغال المقعد من المرشحين في قائمة الحزب أو التحالف ، وعند الفوز بمقعدين مثلا ، فيتم إشغالهما من قبل من تم إختيارهما من القائمة ذاتها ، لحصولهما على أعلى نسبة من أصوات الناخبين ، وبغض النظر عن موقعهما في تسلسل القائمة الإنتخابية للحزب أو الكيان السياسي .

ولعل من أسوء نتائج تطبيق نظام التمثيل النسبي في الإنتخابات ، إفراز حكومات إئتلافية تعمل على شرذمة الأحزاب السياسية ، وتفضي بدورها إلى إختناقات في سير الأعمال التشريعية ، وما ينتج عنها من عدم القدرة على تنفيذ السياسات المتماسكة ، وتزداد خطورة الوقوع في ذلك بشكل خاص ، في حالات ما بعد الصراع والمراحل الإنتقالية ، حيث تكون تطلعات الشعب للإنجازات الحكومية في أوجها ، إذ يمكن للحكومات الإئتلافية وحكومات الوحدة الوطنية المشكلة من أحزاب مختلفة ، أن تحول دون القدرة على إتخاذ القرارات بشكل سريع ومتماسك ، بسبب الإنقسامات في صفوف الأحزاب والتحالفات المؤدية إلى عدم إستقرار النظام السياسي ، حيث يمكن أن يؤدي فسح المجال أمام تعدد الأحزاب السياسية الصغيرة ، إلى نشوء حالة إستنزاف قوى تأثير الأحزاب الكبيرة ، بدفعها إلى تقديم تنازلات كبيرة بهدف تشكيل الحكومة الإئتلافية ، وهذا ما يعتبره البعض من ميزات التعددية السياسية وإن كان من إرتداداتها السلبية ، ففي إسرائيل حيث نظام التمثيل النسبي هو المعتمد ، تلعب الأحزاب الدينية المتطرفة الصغيرة دورا مفصليا في تشكيل الحكومات ، بينما عانت إيطاليا لسنوات طويلة من تقلبات مستمرة لإنعدام إستقرار الحكومات الإئتلافية المتعاقبة ، وكثيرا ما تتخوف البلدان المتحولة إلى النظام الديمقراطي ، من أن تؤدي أنظمة التمثيل النسبي إلى ظهور أحزاب سياسية مستندة إلى قيادات تقليدية أو جماعات عرقية أو طائفية مذهبية دينية ، وذلك بسبب عدم تطور نظامها الحزبي السياسي بشكل عام ، إذ كثيرا ما يفسح المجال أمام الأحزاب المتطرفة ، اليسارية أو اليمينية على حد سواء ، للحصول على تمثيل في الهيئة التشريعية ، وعليه رأى الكثيرون في أن أحد الأسباب الكامنة خلف إنهيار بعض الجمهوريات ، يعود إلى إعطاء الفرصة للأحزاب المتطرفة اليمينية أو اليسارية ، للحصول على موطئ قدم لها في السلطة ، ولأن الحكومات الإئتلافية لا تتمتع بالقدر الكافي من الخلفية المشتركة فيما يتعلق بسياساتها أو بقواعدها الشعبية ، فإن حصول أحزاب سياسية صغيرة على حصص من السلطة لا تتناسب مع حجمها وقوتها الحقيقية ، يكون نتيجة إضطرار الأحزاب الكبيرة للائتلاف معها لتشكيل الحكومة ، ومن ثم إعطائها القدرة على تعطيل أية اقتراحات ومبادرات قد تأتي بها الأحزاب الكبيرة ، إضافة إلى عدم قدرة الأحزاب والكتل على تنفيذ مبدأ المساءلة من خلال حجب الثقة ، وإقصاء الحزب السياسي الحاكم عن السلطة ، لأن تشكيل الحكومات الإئتلافية مع وجود بعض الأحزاب بشكل دائم في الحكومة بشكل أو بآخر ، على الرغم من تراجع أدائها الانتخابي ، سيساعدها على ممارسة عرقلة أي مسار أو توجه مخالف لها .