22 ديسمبر، 2024 2:09 م

إنها فقرة من فقرات تقدير الموقف العسكري في المستويات كافة ، ولمن لا يعرف تقدير الموقف (معضلة طلاب كليتي الحرب والاركان ) اقول انه دراسة تشبه بحوث العمليات في المؤسسات المدنية ، وقوات الطرفين لها اهمية خاصة في تقدير الموقف .

الكثير من الدول خسرت الحروب ودمرت ، لكونها لم تقم بتقدير الموقف وحساب قوات الطرفين بشكل دقيق (قدراتها وقدرات العدو). وينتهي تقدير الموقف بفقرته الاخيرة وهي (الخطة) وما صلح الحديبية الا نتاج لتقدير موقف توضح فيه ان العدو اقوى بكثير فكانت الخطة المبنية على هذا الاستنتاج هو تجنب الصراع واللجوء الى عقد الصلح مع الكفار ، ذلك الصلح الذي كان مقدمة لفتح مكة ونشر الاسلام، ومثلها حصل مع سيدنا الحسن (ع) في بيعته .انه حساب قوات الطرفين . والأهم من ذلك ان حتى رب العزة لم يسمح للمسلمين بالقتال حتى امتلكوا عناصر القوة فنزلت الآية الكريمة (( أذن للذين يقاتلون بإنهم ظلمو…))

قوات الطرفين لا تحسب بالطبع كعدد كما كانت تحسب ايام السيوف والسهام ، ويذكرني هذا بصديق مقرب برتبة رائد احيل الى التقاعد عام 1984 وقبل سنين جاءه احد الفصائل المسلحة يطلب منه الانضمام اليهم فاعتذر بسبب صحته فأجابوه بأنه سيعمل مستشارا فقط والأمر لا يحتاج الى جهد بدني فأجابهم انه لا يصلح مستشارا كونه غادر الجيش ( من زمن كوز النشاب) .

عليه القدرة اليوم هي سلاح معقد وذكي وأزرار ودرونات وإشعاع وغير ذلك وبالتالي صار عامل المعنويات والإيمان بالمبدأ له دور لا يكاد يذكر في حساب القدرة القتالية فما فائدة معنويات الجيش الياباني الشهيرة امام قنبلتي هيروشيما وناكا زاكي ؟؟ بينما كانت النظرية السوفييتية لحساب القدرة تعطي لكل سلاح وجندي علامة ويتم جمعها لتعطيك القدرة القتالية فيكون الرقم 1000 مثلا لتضرب بالمعنويات فإذا كانت المعنويات صفرا تصبح القدرة صفرا وإذا كانت 1000 تصبح القدرة مليون وهكذا ، وهذا ما ولى زمانه . فليس من باب المعنويات او الشجاعة ان تضغط زرا على بعد آلاف الكيلومترات من العدو .

كان معلمونا يخبرونا ان الحياة كلها تقدير موقف فحتى ان طلب منك ابنك شراء لعبة له ستبدأ بتقدير موقف لحالتك المادية وكيف ستختار له شيئا رخيصا وألى اي محل ستذهب ، ويذكرني ذلك بطالب اركان نشر في مجلة الركن تقدير موقف لبناء بيت وكان الضابط حينها لا يعبر رتبة النقيب الا وقد حصل على قطعة ارض من جمعية بناء المساكن للضباط بسعر رمزي تلك الجمعية التي لم توزع شبرا واحدا منذ العام 2003 رغم انها موجودة بكامل كادرها .. نعود الى صاحبنا الذي استنتج من تقدير الموقف ان الاستدانة هي الخيار الوحيد ووضع خطة الاستدانة التي وصفها بإن الدائنين سوف يعرفهم (بس بالوجه) لكثرتهم .

هذا ما يقودنا للتفكير الى ان فقرة قوات الطرفين ينبغي ان توضع نصب العين في الصراعات بين الخصوم السياسيين وهي كثيرة والحمد لله في (العراق الاتحادي التعددي الديمقراطي) .

الغاية توضع في تقدير الموقف كفقرة اولى وتصاغ بدقة متناهية ، فعندما تكون غاية السياسي (حصر السلاح بيد الدولة ) عليه ان يحسب بدقة قوة الدولة وحلفائها وإمكاناتها ، وقوة السلاح الآخر وحلفائه ، بعدها قد يجد امامه خيار (التغليس) كالذين سبقوه وأما ان يتحلى بالصبر والحكمة ويستند الى الشعب والدستور والقوانين ، وعلاقات متوازنة مع الجميع لتحييد من يمكن تحييده ، وجدولة الأمور وقبول الخسارات المحسوبة والمجازفات المحسوية وصولا الى الهدف المنشود .مع العرض ان كل الاهداف الأخرى بلا استثناء يستحيل تحقيقها الا بتحقيق هذا الهدف .