23 ديسمبر، 2024 10:31 ص

قناه العراقيه ليست عراقيه

قناه العراقيه ليست عراقيه

سخّر النظام السابق الأدوات الإعلامية جميعاً في خدمته ، فأصبحت الماكنه الإعلامية صوت ناطق له ، ولا يمكن لأي احد ومهما كانت درجته في الحزب او الدوله العراقيه ان يتدخل في رسم السياسيه الإعلامية للنظام ، وظلت القنوات والصحف والإذاعات تنادي ليل نهار ” باسم البطل القومي ” دون اي مهنيه او ضوابط إعلامية تحكم هذه المؤسسة والتي. يفترض بها ان تكون مستقله ، وبعيده عن اي تأثير حزبي او حكومي يذكر .
وبعد سقوط النظام البائد ، بدأت مسيره بناء الدوله الديمقراطيه “دوله المؤسسات ” فوضع الاعلام في خانه الحريات الخاصة ، وتم انشاء مؤسسه اعلاميه سميت “شبكه الاعلام  العراقي ” ،ومن يقرا الاسم يتبادر الى ذهنه انها مؤسسه عراقيه ممنوحه للجميع دون استثناء ، وغير موجهه لأحد او ضد احد ،بل هي للعراق والعراقيين جميعا .
كثرت الشبهات ضد هذه القناه ، واتهمت في اكثر من مره بتوجيهها من قبل حزب الدعوه الحاكم ، مره بتشويه الحقائق ، ومره بتوجيهها داخليا من قبل رجال حزب الدعوه “ياسين مَجِيدٌ ” وغيرهم ، او توجيه الرأي العام نحو السيد المالكي ، دون تغطيه نشاطات الكتل والأحزاب الاخرى ، ومره اخرى يكون أداء قناة العراقية محل اعتراض من قبل الجهات السياسية وهذه المرة جاء على ‏صورة قرار أصدره رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي يمنعها من دخول البرلمان والسبب هو ‏‏”التغطية المتحيزة” لحزب السلطة، لعدم تغطيتها الجلسة التشاورية التي عقدت اليوم، فضلا عن بثها ‏‏”أخبارً عاجلة انحازت فيها إلى حزب الدعوة” وموقفه الرافض لجلسة النجيفي التي دعا إليها لمناقشة ‏مطالب المتظاهرين.‏
وقد لا يكون هذا الاتهام الأول من نوعه، فالعراقية ومؤسسات شبكة الإعلام العراقي تعرضت إلى ‏اتهامات مماثلة طوال الفترة التي اعقبت تأسيسها، والتي كانت تغطيات العراقية فيها تبدو “منحازة” ‏للحكومة، او الحكومات المتعاقبة التي حرصت على تعيين مقربين منها في المراكز القيادية داخل ‏الشبكة او مجلس الامناء الذي يديرها.‏
وبالنسبة لمراقبين ومختصين في الحرييات الصحافية، فإن ما جرى هو “نتيجة طبيعية” للسيطرة ‏الحكومية على شبكة الاعلام، مما جعل تغطياتها تتأثر بالرغبات الحكومية، وجعلها ايضا “خصما ‏لخصوم الحكومة”.‏
الإعلام ما هو إلا عين تراقب الحدث أينما كان وأينما حل لتقرأه وتعكسه على القارى أو المشاهد ، لتكون هي العين التي ترى الأحداث ، فبفضل  وسائل الاتصال المتنوعة، أصبح الناس أفرادا وجماعات يعرفون بعضهم بعضا على نحو أوسع وأدق، وهذا ما قاد الى تقليل الفوارق والفجوات الواسعة في التفكير والسلوك بين الفرقاء، في الدين او المعتقد او الآراء السياسية وسواها، لذا فإن الاعلام كما يذهب بعض المعنيين، هو وسيلة عرض الحقائق ،، وهو وسيلة ترويج للفكر او الرأي، ويتدخل الاعلام في مختلف انواع الصراعات، لاسيما بين الدول، لكنْ ثمة صراع دائم وقائم، بين الفرد الموجود، وبين السلطة التي تضع الدستور خلف ظهرها، فلهذا يمارس الاعلام دوراً في ادارة هذا الصراع، ويمارس وسيلة ضغط على الحكومات المستبده ، والنظام البعثي القمعي وانظمته القمعية، سخر الإعلامَ لخدمة هواه وبما يتلائم وفكره وتوجهاته، فقد كان الإعلام وموسساته على مدار عهد النظام البائد إعلامًا يهدف إلى شخصنة العراق في صدام، والأصل في المؤسسة الإعلامية أنها ملك للأمة، فلا يجوز أن تستخدم أموال الشعب في صناعة جهاز يكذب عليهم.
لقد أظهر اداء الاعلام المحلي خلال الانتخابات الماضية بانه ليس أكثر من أداة في يد الأحزاب السياسية العراقية للحصول على المناصب التي يريدونها، اذ كان معظم وسائل الاعلام المحلية تذيع اوتنشر شائعات نيابة عن مناصريها السياسيين، في محاوله منها في زياده رصيدها من جهه وتسقيط الخصوم من جهه أخرى ، كما ولد لدينا بعد أحداث ٢٠٠٣ أعلام جديد هو الإعلام المضاد والذي يسعى بكل إمكانياته في إسقاط العملية الديمقراطية في العراق وهذا الإعلام بحد ذاته ما هو إلا حقيبه من الأجندات الداخليه والخارجية والتي تسعى الى تقويض العمل السياسي وبالتالي أعاده المعادلة السابقة .
إن دور وسائل الاتصال متعدد المهام، فمن مهامه مثلا، وضع الحقائق تحت الضوء، بمعنى أن الدولة أو الحكومة على وجه أدق، لا تستطيع أن تعمل في الخفاء، ولا ينبغي لها ذلك، وسلطة الاعلام هنا تدفع به لفضح الاخطاء التي ترتكبها السلطة التنفيذية بحق الشعب، وكما هو متعارف، فإن الحكومات التي تضع الدستور، ولا تعمل به إلا من حيث كونه حاجة كمالية تزيّن بها شكلها أمام العالم، هذه الحكومات تصنع إعلامها الذي تريده بنفسها، واعلام من هذا النوع هو اعلام حكومي، تموله الحكومة كليا، لكي تضمن استمالته الكلية الى جانبها، لكن المشكلة أن المال المموِّل للاعلام الحكومي، هو مال عام وليس ملك الحاكم، او خزائن حكومته، إنه مال الشعب، ولهذا ينبغي أن يكون اعلاما شعبيا يقف الى جانب الشعب قبل الحاكم، في حين أن ما يحدث في الحكومات المستبدة عكس ذلك تماما، حيث يصبح الاعلام الحكومي وسيلة تمثل الجهات الرسمية حصرا، فتصبح أداة تلميع دائم لصورتها، أما من يتصرف خلاف هذا التوجه، فهو عنصر غير مرغوب به، وتكون حصته واضحة تتراوح بين التهميش والاقصاء والقتل احيانا اذا تطلب الامر ذلك.
فضائيه العراقيه  وتشكيلاتها مثال حي على ما نقول ، فهي تمارس شكلا من أشكال البوق الحكومي للحاكم ، مع العلم أن هناك هيئه أمناء مشكله من الجميع ، ومن أهل  الخبره والاختصاص ، ورغم ذلك فهي موجهه كلياً نحو تلميع صور الحاكم في العراق ، مع تهميش كامل لكل خبر أو تقرير لسياسي أو كتله ربما تختلف أو تعارض سياسة الحاكم .
ان أي تقاطع بين الديمقراطية والإعلام ، فإن تجربتنا ستقع في فخ الاعلام الحكومي الموجّه، وتبدأ بوادر تسييس وسائل الاتصال ودمجها بصوت الحكومة، بخطوات قد لا تجلب الانتباه من الجمهور ، وقد لا تثير لغطا، او ردود افعال قوية، كونها ليست ذات تأثير قوي، او واضح في الساحة السياسية وغيرها، (ودائما تبدأ الحرائق الكبيرة بشرارة صغيرة كما يُقال)، فالخطوة الصغيرة في هذا الاتجاه، ستنمو وتتكاثر، لتصبح منهجا يُعمل به، بغض النظر عن مساوئه.
لذا ينبغي أن لا تخطئ الحكومه والقائمون عليها، فيجعلون من الاعلام تابعا ومهمشا وضعيفا، لأن ضعف الاعلام وتهميشه، وسحبه الى ساحه الصوت الحكومي، هو مؤشر على سيطرة الحكومة التنفيذية على السلطات الاخرى، وهذا ما يشكل فشلا ذريعا لتجربة العراق الديمقراطية الحديثه، بل يشكل رجوعا  الى المربع الاول، حيث الدكتاتورية، والشمولية، والنهج الاحادي الذي يسيطر على الحياة برمتها، ولهذا أيضا لاينبغي للحكومة أن تتخذ أسلوب المراقبة والمتابعة لتقف على سلبياتها واخطائها وتحاول معالجه هذه الأخطاء ، وان تكون حياديه في التعامل مع الاعلام، ولا يصح استخدام المنهج الانغلاقي  والمصادرة وما شابه، إلا في حدود القانون وبما نص عليه الدستور العراقي، الذي كفل الحريات جميعها ومنها حريه الصحافة ، وان تكون للأعلام حريه التعبير عن الواقع السياسي بصديقه عاليه بعيداً عن التأثيرات الحزبية أو التأثير الحكومي ، والذي اصبح واضحا وملموساً ، لأننا  نسيء  الى تجربتنا الفتية ، وهذا ما لا يجب أن يسمح به الشعب العراقي ، وذلك بتعاون الجميع من أجل بناء الدولة الدستورية التي نحلم بها ونسعى الى تحقيقها، والتي ماضون في هذا الاتجاه على الرغم من مصاعبه وعقباته الكبيرة.