ربما لم تمر قناة فضائية عراقية بعد عام 2003 ، بمثل هذا الازدهار الاعلامي والتفوق في الحضور الكبير، وهي تتألق في سماء الابداع العراقي ، بين شقيقاتها الفضائيات العراقية الاخرى، كما حصلت عليه قناة الرشيد الفضائية من ثناء وتقدير واعتزاز بمسيرة عطائها الاعلامي المتميز ، وبقيت لعقد من السنوات، من أفضل واروع قناة عراقية ، كان لها حضورا كبيرا ، لدى أوساط الرأي العام العراقي وعلى مستوى نخبه ، وحتى بين عامة الشعب ، حظي بإعجاب الملايين.
وقد حظيت قناة الرشيد الفضائية ، بفضل رائد أدبي واعلامي لامع تولى قيادتها لسنوات أن حصدت أرفع الجوائز الابداعية والتقديرية ، لتميزها في برامجها وتوجهاتها ولغة خطابها الراقي المتزن ، فكانت حاضرة في قلوب الملايين ، تحكي قصة فضائية أقامت لها قصورا للسلطة الرابعة ، في حضرة صاحبة الجلالة ، تتفاخر بين كثير من الفضائيات بأنها بقيت تتقلد أوسمة المجد وكؤوس الكبرياء،بلا منازع.
وكان وراء كل تلك المكانة اللائقة والحضور المتميز شخصية مبدعة ، ونجم لامع في سماء الثقافة والادب والإعلام وضع لها خارطة الطريق لانطلاقة هذه القناة ، واختار لها أمهر العاملين في حقول الإعلام والخبرة الميدانية في تقديم البرامج والمقابلات التلفزيونية والمذيعين ومعدي الاخبار والبرامج السياسية والفنية، ووفر لهم كل وسائل الدعم المادي والمعنوي، حتى اعتلت ناصية الاعلام المرئي بين الفضائيات ، عن جدارة.
وكان للدور الريادي المتميز للأستاذ أمجد توفيق مدير عام هذه القناة ، الأثر البالغ في ان تقلدت عروش المجد، بعد ان عرفت كيف يكون لحضورها معنى وكيف تكسب القلوب وترتاح لها الأفئدة، وترتقي بلغة الخطاب الى ما يشكل مفخرة لكل من يريد ان يرتوي من عذوبة الكلمة وصفاء المنبع ما يشكل مفخرة للصفوة من المثقفين والناس البسطاء على حد سواء، وهم من قالوا بحقها ما يضيف لكل هذا السفر الخالد من الابداع ما يشكل حافزا لخيرة كوادرها بأن تبذل المستحيل، كي تكون تبقى هي الشعلة الوهاجة والعروسة الجميلة والغانية التي ترتدي احلى الفساتين وأبهى الجواهر.
أجل.. لقد كانت قناة الرشيد الفضائية ، برغم كل ما أصابها ، من عاديات الدهر ومن ظلم بعض القائمين عليها والطارئين على الصحافة ، علما يرفرف في سماء الابداع ، ترتوي من عبق الثقافة واصالة المنبع والحضور المتميز ، ما يشبع غليل كل متعطش الى المتعة والجمال والكلمة الصادقة الأصيلة ، ما يرفع رأس كل متطلع ، أو حالم بمجد الى أعالي السماء .
ولا يدري المهتمون بالشأن الإعلامي لماذا اتخذ القائم على ادارة هذه المؤسسة العريقة ، قبل عقد من السنوات ، قرارات ابعدتها عن دورها وقلص العشرات من خيرة مبدعيها طوال سنوات مضت ، ولم يكن بمقدورها ان تقف على قدميها ، لولا هذا التاريخ العريق الذي كانت تزخر به في حضرة صاحبة الجلالة، لتكون أحد سلاطين السلطة الرابعة، الى ان أفل نجمها ، بعد ان تخلت عن خيرة مبدعيها، وقد غادرها من وضع لها طريق انطلاقتها وأوصلها الى مكانة متميزة ، ترقى ان تنافس كبريات القنوات الفضائية العربية والعراقية، لو بقيت تحافظ على رصيدها من خيرة الكفاءات المقتدرة التي لم تحسن الحفاظ عليهم وهم الذين كانوا شموعها المضيئة في سماء الاعلام والصحافة الراقية.
ويستذكر الكثير من الزملاء الأعزاء ومن روادها المحترفين ، بألم وحسرة ، تلك الصورة من المعاملة غير اللائقة مع مبدعي هذه القناة وكوادرها الذين بنوا لها كل هذا المجد، حتى غادرها الكثيرون ، بعد ان شعروا ان صاحب هذه القناة ، يتعكز على (إفلاس) قد تعرض له ، بالرغم مما امتلكه من مؤسسات مال ومصارف وشركات تجارة ، وبلا حسد ، كانت قناة الرشيد الفضائية وراء كل ذلك المجد الشامخ ، واذا به يسرح خيرة الكوادر المبدعة مرة تلو الأخرى، تحت دعاوى تعرض تجارته لخسائر باهضة، واذا به بعد ايام يعيد عناصر ممن لم يكن بعضها معروفا في عالم الصحافة والاعلام، وراحت تدير عجلة هذه القناة بقدرة قادر، ظنا منه ان الاجور المتدنية لهؤلاء قد تزيد ماله بضعة ملايين، وما يدري صاحبها انه بتخليه عمن اوصلوا قناته الى قمم المجد قد خسر سمعته بين صفوف الوسط الاعلامي والثقافي وحتى السياسي ، وخسر هو كل هذه النجوم اللامعة ، لكنهم لم يخسروا رصيدهم ولا سمعتهم ، لأنهم اعلام شامخة ليس بمقدور أي طاريء على الصحافة ان يحجب شمسهم بغربال.
تحية لقناة الرشيد الفضائية في ذكرى تأسيسها ، وقد كانت عروسة حقا ترتدي جواهر الزهو وحلاوة الابداع ، وكانت تميز بالمهنية والحيادية ، والمسؤولية الاخلاقية للاعلام الحر النزيه الملتزم ، وبقيت لها الريادة لسنوات طوال، ولها منا ومن كل روادها الاوائل في ذكرى انطلاقتها..كل محبة وتقدير.