20 ديسمبر، 2024 11:04 ص

لا يرتدي الألمان الألوان الفاتحة ومنها الأصفر إلا عندما يكون الجو مشمسا لأن الألوان الفاتحة تنسجم تماماً مع مزاج اليوم المشمس في بلاد شتاءها طويل نسبيا .
وهكذا حين تفتح مساءات نهارات الصيف الطويلة نوافذ ملائكية تحت أجفان أناث نهر الراين تأتي الثياب الخفيفة طائرة مثل أجنحة نوارس تحب مجامعة الريح وسوية يُرينا الغرام بين الريح والنساء جمالية الالوان الفاتحة وأجد نفسي في دهشة من قدرة البشر على صناعة الفرح حتى مع اللون الأصفر الذي لم نكن نميل اليه هناك ونعتبره لون حقد وغيرة.
يشع الأصفر في متاهة نهار مشبع بشمس حرارتها مثل دفءٍ شتاتي للأمكنة التي صنعت حلم سراويلنا ( المشرورة ) على حبال الخجل عندما تمرُ البنات وهن يقُدْنَ قطعان الجواميس ويرمقنَ اناقتنا التي نُودُعها لدى الريح لتجفَ ومن كان يجفف قميصا أصفرا فثمة جفاء للعيون عنه ربما لأنهن يعتقدن أن من يتصابح بهذا اللون قد يفقد من يعزه ويتمناه ويريده لاسيما أن اغلب صبيات القرية ينتظرنَ ابناء اعمامهن.
لكن شغاتي أجاب مرة على سؤالي : أن كان للأصفر والالوان الاخرى تأثير في حياتهم ؟
قال : الألوان في حياتنا ليس لها اهمية عدا اللون الأحمر انتبهنا له مع ابناءنا الذين يأتون بجراح الحروب وعدا هذا كان المعدان يموتون بهدوء على وسائدهم إن كان على فراش البعض وسائد.
قلت : والزرقة .؟
قال : نراها في السماء ونعرف انها زرقاء وأن الله والجنة هناك.
قلت : والأصفر ؟
قال :يذكرنا بموسم قطف الخريط.
تذكرت الخريط الذي كنا نسميه فاكهة الاهوار وطريقة تحضيره من البردي ( القصب ) ولماذا اطلقوا عليه هذه التسمية فعرفت حينها  الخرّيط (بتشديد الراء) بهذا الاسم نسبة الى طريقة صناعته وتحضيره التي تعتمد على استخراج المادة الصفراء والتي تشبه الطحين من قصب السكر وهو ما يعرف محليا بـ(الخرط) وهذه العملية تتطلب جهدا كبيرا لذا جاءت التسمية نسبة للخرط ويسمى من يقوم بعملية الخرط بـ (الخراط).
هم يستخدموه للأكل وللتطبيب من امراض عديدة ، لهذا كان هو من بعض الهديا التي نأتي بها الى اهلنا في الصيف ونحن نعود لقضاء عطلة الصيف هو اننا نجلب لهم الخريط الذي يشع صفارا ليبدوا مغريا وصلبا وحلوا .
الأن لا يذكرك بتلك الفاكهة الحجرية اللذيذة سوى جمال القمصان الصفراء الملتصق على صدور بنات يسوع وهن يدفعن خطواتهن الموسيقية على ضفاف الراين ، فيما انت تدفع الحسرات وانت تدوزن دقات قلبك مع موسيقى خطواتهم فتلوح لك بلاد الخريط في الافق الذي انخرطت منه النبوءات والاساطير والاغاني وهمسات الغرام الاولى.
بين لون الخريط ولون القمصان تأتي الذكريات بحافلة الشوق كل ركابها من معدان القرية التي تقع فيها مدرستنا. ولأن المعدان لا يحبون حديث السفر ، يلتزمون الصمت في انتظار ما يجول في خاطرهم ، الصباح الذي سينهضون فيه ويأخذون اوانيهم ويذهبون الى القصب يفتحوه ويفرغوا منه الدقيق الاصفر ويعودون به الى بيوتهم لطبخه وتحويله الى خريط صلب يذهبون به الى الاسواق كي يباع جنبا الى جنب مع صحون وقيمر.
خريط وقيمر وإناث بقمصان صفر، هذا هو المساء الرومانسي هنا .
وهناك خريط وقيمر ونساء تولول لأنهم جاءوا ب (خضر بن سوادي ) شهيدا من جبهة حمرين في الحرب ضد داعش……………

أحدث المقالات

أحدث المقالات