العباس بن علي بن ابي طالب (عليه السلام).
– العباس.. معناها في اللغة العربية.. أسد الغابة الذي تفر منه الأسود.
– ويلقب بقمر بني هاشم.. لجماله.. ووسامته.
السيرة والتكوين:
– ذكر أنّ العباس ولد في 4 شعبان / العام 26 للهجرة بالمدينة.
– وهو أكبر أبناء أم البنين الأربعة الذين استشهدوا في واقعة (الطف) في كربلاء بين يدي الحسين (عليه السلام).
– وعند استشهاد أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام).. كان العباس في الرابعة عشرة من عمره
– وفي كربلاء كان له من العمر 34 سنة.
زواجه:
– تزوّج العبّاس من لبابة بنت عبيد الله بن العباس.. (ابن عمّ أبيه).
– ولد منها ولدان اسمهما: عبيد الله.. والفضل.
– وذكر البعض أن له ابنين آخرين.. اسماهما: محمد.. والقاسم.
نسبه
– هو العبّاس.. بن علي بن أبي طالب.. بن عبد المطلب.. بن هاشم.. بن عبد مناف.. بن قُصَي.. بن كلاب.. بن مرة.. بن كعب.. بن لؤي.. بن غالب.. بن فهر.. بن مالك.. بن النضر.. بن كنانة.. بن خزيمة.. بن مدركة.. بن إلياس.. بن مضر.. بن نزار.. بن معد.. بن عدنان.
– أمّه فاطمة (أمّ البنين).. بنت حزام (حرام).. بن خالد.. بن ربيعة.. بن الوحيد.. وهو: عامر بن.. كلاب.. بن ربيعة.. بن عامر.. بن صعصعة.
– تزوجها علي بن أبي طالب (عليه السلام).. بعد وفاة فاطمة الزهراء.
– فبعد رحيل فاطمة بنت محمد الزوجة الأولى لعلي بن أبي طالب.. توجه أباه لعمه عقيل بن أبي طالب.
– فسأله بالنص أن يختار له زوجة )قد ولدتها الفحولة من العرب(.
)أنظر إلى امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوجها فتلد لي غلاما فارساً(.
– فقال له: تزوج أم البنين الكلابية فإنه ليس في العرب أشجع من آبائها.
– فتزوجها.
– كان العباس طويل القامة جميل الصورة.
– سمي بقمر بني هاشم لحسنه وجماله.
الكنى والألقاب
ألقابه:
– لقب بمجموعة من الألقاب تحكي عظم شخصيته.. منها:
– أبو الفضل.. وأبو فاضل.. ومن أشهر ألقابه:
– ساقي العطاشى.
– حامل لواء الحسين.
– حامل الراية.
– أبو القربة.
– العبد الصالح.
– باب الحوائج.
– سبع القنطرة
– أبو راس الحار
– في اللهجة العراقية.. يقال فلان راسه حاره.. أي إنه غَضوب وصفتة تعني أنه شديد الغضب.. يُعجّل العقوبة بمن حلف به كذباً.
– يعتقد بعض الشيعة أن باقي الأئمة يسامحون من حلف بهم كذباً ما عدا العبّاس.. لذلك إذا اختلف اثنان من الشيعة أو أرادوا التعاهُد.. فربما توجّهوا إلى قبر العبّاس ليحلفوا به.. بل حتى بعض السنه.. فعلى سبيل المثال: عندما شك حردان التكريتي.. بالبكر ونائبه
– لا نظير له في الشجاعة.
– فكان صاحب اللواء يوم العاشر من محرم.. وهو الذي اقتحم صفوف العدو.. وكسر الحصار يومي السابع والعاشر من محرم.
– وتمكّن من جلب الماء لمعسكر الحسين في المحاولة الأولى فلقّب بالسقّاء.
– وساقي خيام الأطفال والعيال.
– كان يتولّى في مخيم أخيه إضافة إلى جلب الماء.
– حراسة الخيم والاهتمام بأمن عيال الحسين (عليه السلام).
– ظل الاستقرار يسود الخيام ما دام هو على قيد الحياة.
– وهو كما قال الشاعر: اليوم نامت أعين بك لم تنمو تسهدّت أُخرى فعزّ منامها في يوم عاشوراء.
– استشهد أخوة العباس الثلاثة قبله.. ولما جاء هو أخيه الحسين طالباً الأذن للبروز إلى الميدان.
– أمره أخوه بجلب الماء للأطفال العطاشى في الخيام.
– فسار أبو الفضل نحو الفرات وملأ القربة.
– عند العودة للخيام اشتبك مع جيش العدو الذي يحاصر الماء.. وقطعت يداه.
– واستشهد في طريق عودته من المحاولة الثانية بعد أن قطعت يداه وأصيبت عينه بسهم وضرب بعمود على رأسه وأريق ماء القربة.
– وقبل هذا كان قد برز للقتال عدّة مرات إلى جانب سيد الشهداء وقاتل جيش يزيد.
– كان العباس (عليه السلام).. مظهراً.. ورمزاً: للإيثار.. والوفاء.. والتفاني.
– لما دخل الفرات كان في غاية العطش لكنه لم يشرب الماء بسبب عطش أخيه الحسين.
– بل وخاطب نفسه بالقول: يا نفس من بعد الحسـين هوني وبـعـده لا كنـت أن تكـون ـ يهـذا الحسـين وارد المنــون وتشـربيـن بـاردُ المـعـيـن تـالله مـا هـذا فِـعَـالُ ديـني..
– وأقسم أن لا يذوق الماء……….. (بحار الأنوار 41:45)
– ولما قطعت يمينه أنشد يقول: والله لـو قطعـتموا يمـينــي إني أحـامـي أبـداً عن ديـني.. وعـن إمـام صـادق اليقيــن.. نجـل النـبي الطـاهر الأميـن.. يا نفس لا تخـشي من الكـفـار.. وابشـري برحـمـة الجـبّـار مـع النبي السـيد المختــار.. قـد قطـعوا ببغيهـم يسـاري فاصـلهم يـا ربِّ حـرّ النـار.
– ترك استشهاد العباس مرارة وألماً في قلب الحسين (عليه السلام).
– ولما سار مصرعه ووقف عند رأسه.. قال قولته الطافحة بالألم والأسى: (الآن انكسر ظهري وقلّت حيلتي وشمت بي عدوّي)……… (معالي السبطين 446:1.. مقتل الخوارزمي 30:2).
– وبقى جسده إلى جانب نهر العلقمي.. فيما رجع الحسين إلى الخيام.. وأخبر أهل البيت بمصرعه.
– ودُفنَ- حين دُفنت أجساد أهل البيت- في نفس ذلك الموضع.
– لهذا السبب نلاحظ اليوم وجود هذه المسافة الفاصلة بين مرقد العباس ومرقد الحسين عليهما السلام.
– فقال الحسين لإخوته، أجيبوه وإن كان فاسقا فإنه بعض أخوالكم.
– فقالوا له: ما تريد؟ قال: اخرجوا إلي فإنكم آمنون ولا تقتلوا أنفسكم مع أخيكم.
– فسبوه وقالوا له: قبحت وقبح ما جئت به.. أنترك سيدنا وأخانا ونخرج إلى أمانك؟.
– وقتل هو وإخوته الثلاثة في ذلك اليوم.
– يقول عبد الرزاق المقرّم : هذه الفضائل كلها.. وان كان القلم يقف عند انتهاء السلسلة إلى أمير المؤمنين.
– لا يدري اليراع ما يخط من صفات الجلال والجمال.. وأنه كيف عرقها في ولده المحبوب ؟ قمر الهاشميين.
– كما يقول أيضاً: وقد ظهرت في أبي الفضل (العباس) الشجاعتان الهاشمية التي هي الأربى.. والأرقى.. فمن ناحية أبيه سيّد الوصيين.. والعامرية فمن ناحية أمه أم البنين.
– عاصر العباس الحروب التي خاضها أبوه ومقتل عثمان بن عفان، ثم بيعة أبيه، ثم معركة الجمل.. ومعركة صفين.. ومعركة النهروان.
– ليس العباس بطلا فحسب.. انما كان عالماً فاهماً لشرع الله وسيرة رسول الله.
– يركب الفرس المطهّم.. ورجلاه تخطّان في الأرض.
ولد العباس عليه السلام في الرابع من شعبان سنة 26 هـ في المدينة المنورة، فعاش في كنف أبيه أمير المؤمنين عليه السلام وأخويه الحسن والحسين عليهما السلام ينهل من نمير علمهم ويرتوي من زلال رافدهم، ولم تكن كُلِّ البصائر في أبي الفضل عليه السلام اكتسابية، بل كان مجتبلاً من طينة القداسة التي مزيجها النور الإلهي، حتّى تكوّنت في صُلّب من هو مثال الحقّ، ذلك الذي لو كشف عنه الغطاء ما ازداد يقيناً، فلم يصل أبو الفضل عليه السلام إلى عالم الوجود إلاّ وهو معدن الذكاء والفطنة، وأُذن واعية للمعارف الإلهية، ومادة قابلة لصور الفضائل كُلّها، فاحتضنه حجر العلم والعمل، حجر اليقين والإيمان، وعادت أرومته الطيّبة هيكلاً للتوحيد، يغذّيه أبوه بالمعرفة، فتشرق عليه أنوار الملكوت، وأسرار اللاهوت، وتهبّ عليه نسمات الغيب، فيستنشق منها الحقائق.[12]
وقد أشار أمير المؤمنين عليه السلام إلى سمّو مرتبة العباس عليه السلام العلمية بقوله: «إنّ ولدي العبّاس زق العلم زقاً».[13]
وقد رأت أُمّ البنين عليه السلام في بعض الأيام أنّ أميرَ المؤمنين عليه السلام أجلس أبا الفضل عليه السلام على فخذه، وشمّر عن ساعديه، وقبلهما وبكى، فأدهشها الحال؛ لأنّها لم تكن تعهد صبيّاً بتلك الشمائل العلوية ينظر إليه أبوه ويبكي، من دون سبب، ولمّا أخبرها أمير المؤمنين عليه السلام على ما سيحدث لهذين اليدين من القطع في نصرة الحسين عليه السلام: «بكت وأعولت وشاركها مَن في الدار في الزفرة والحسرة، غير أنّ سيّد الأوصياء بشّرها بمكانة ولدها العزيز عند اللّه جلّ شأنه، وما حباه عن يديه بجناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنّة، كما جعل ذلك لجعفر بن أبي طالب».[14]
مرحلة الفتوة والشباب
بذل أمير المؤمنين عليه السلام قصارى جهده في إعداد ولده وتربيته على المثل العليا والأخلاق النبيلة التي دعت إليها الشريعة المحمدية.[15] وقد لازم العباس بن علي (ع) أباه أمير المؤمنين عليه السلام طيلة أربع عشرة سنة يستضيئ بنور علمه،[16] وسار في ركابه إبّان خلافته،[17] ولم يتخلّف عن معركة صفين سنة 37 هـ مع حداثة سنّه، وقد أبلى فيها بلاءً حسناً.[18]
في كربلاء
أسرته
تزوج العباس عليه السلام من لبّابة بنت عبيد اللّه بن العبّاس بن عبد المطلب، وأُمّها أُم حكيم جويرية بنت خالد بن قرظ الكنانية.[21] وهي التي أنجبت له الفضل وعبيد الله.[22] واتفقّ أرباب النسب على انحصار نسل العبّاس ابن أمير المؤمنين عليهما السلام في ولده عبيد اللّه.[23] ولعبيد الله ولدان هما عبد الله والحسن. وانحصر نسل عبيد اللّه في ولده الحسن الذي كان لأُم ولد، وعاش سبعاً وستّين سنة، وله خمسةأبناء، هم: الفضل، وحمزة، وإبراهيم، والعبّاس، وعبيد اللّه.
وأمّا الفضل فكان لسناً متكلّماً فصيحاً، شديد الدّين، عظيم الشجاعة، محتشماً عند الخلفاء، ويقال له: (ابن الهاشمية)؛ وأمّا حمزة وإبراهيم ويُعرف بـ (جردقة) فكانا من الفقهاء الأُدباء والزهّاد؛ وأمّا عبيد اللّه بن الحسن بن عبيد اللّه بن العبّاس السقاء عليه السلام، ففيه يقول محمّد بن يوسف الجعفري: «ما رأيت أحداً أهيب، ولا أهيأ، ولا أمرأ من عبيد اللّه بن الحسن، تولّى إمارة الحرمين مكة والمدينة والقضاء بهما أيّام المأمون سنة 204 للهجرة؛ وأما العباس فقد عرف بالفصاحة والبلاغة والخطابة».[24]
وكُلّهم أعقبوا أبناء أجلّاّء فضلاء أُدباء، منهم محمد بن علي بن حمزة بن الحسن بن عبيد الله من كبار شخصيات القرن الثالث الهجري.
لمّا جاء شمر بن ذي الجوشن بكتاب الأمان عصر التاسع من المحرم ونادى: «أين بنو أُختنا؟ أين العبّاس عليه السلام وإخوته؟ فأعرضوا عنه، فقال الحسين (عليه السلام): (أجيبوه ولو كان فاسقاً).
قالوا: (ما شأنك؟ وما تريد؟).
– قال: (يا بني أُختي.. أنتم آمنون.. لا تقتلوا أنفسكم مع الحسين عليه السلام.. وألزموا طاعة أمير المؤمنين يزيد).
– فقال له العبّاس (عليه السلام): (تبت يداك ولعن ما جئت به من أمانك يا عدو الله! أتامرنا أن نترك أخانا وسيدنا الحسين بن فاطمة عليه السلام.. وندخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء؟! أتؤمننا وابن رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم لا أمان له؟!).
– في اليوم السابع من المحرّم حوصر سيّد الشهداء ومن معه.. وسُدّ عنهم باب الورود.. ونفذ ما عندهم من الماء.. فعاد كُلّ منهم يعالج لهب الأوام.
بطبع الحال كانوا بين أنّة وحنّة، وتضوّر، ونشيج، ومتطلّب للماء إلى متحرّ ما يبلّ غلته، وكُلّ ذلك بعين «أبي علي» والغيارى من آله، والأكارم من صحبه، وما عسى أن يجدوا لهم وبينهم وبين الماء رماح مشرعة وبوارق مرهفة، في جمع كثيف يرأسهم عمرو بن الحجاج.
– هناك وكَّلَ الحسين (عليه السلام).. لهذه المهمة أخاه العبّاس (عليه السلام).. فأمره أن يستقي للحرائر والصبية.. وضمّ إليه ثلاثين فارساً وعشرين راجلاً.. وبعث معهم عشرين قربة.
– وتقدّم أمامهم نافع بن هلال الجملي.. فمضوا غير مبالين.. ثُمّ صاح نافع بأصحابه: إملأوا قربكم.. وشدّ عليهم أصحاب ابن الحجّاج.
– فكان بعض القوم يملأ القرب.. وبعض يقاتل.. فجاؤوا بالماء.. وليس في القوم المناوئين من تحدّثه نفسه بالدنوّ منهم.. فرقاً من ذلك البطل المغوار.
– وقد تكرر ذلك منه عليه السلام يوم العاشر من المحرم حيث كسر الحصار المضروب على نهر العلقمي.. واقتحم النهر إلاّ أنّه عليه السلام وفي طريق عودته واجه مقاومة من العدو.. وأصيبت القربة وأريق ماؤها.
ممثل الحسين عليه السلام
القربة خلف حرم العباس (عليه السلام).
– روى أرباب المقاتل أن عمر بن سعد نهض لحرب الحسين (عليه السلام عشية).. يوم الخميس لتسع مضين من المحرم.. ونادى: (يا خيل الله اركبي وبالجنة أبشري).
– فركب العسكر.. وزحف نحو الحسين (عليه السلام).. فقال العبّاس (عليه السلام): (يا أخي.. أتاك القوم). فنهض عليه السلام.. وأمر العبّاس (عليه السلام) بالرّكوب إليهم.
– وقال:0قل لهم مالكم وما بدا لكم؟).. فأتاهم العبّاس (عليه السلام)…. في نحو من عشرين فارساً.. فقال لهم: (ما بدا لكم.. وما تُريدون ؟!).
– قالوا: (قد جاء أمر الأمير أن نَعرض عليكم أن تنزلوا على حُكمه أو نناجزكم).
قال: (فلا تعجلوا حتّى أرجع إلى أبي عبدالله فأعرضَ عليه ما ذَكَرْتُم).
– فأقبل العبّاس (عليه السلام) إلى الحسين (عليه السلام).. فأخبره بما قال القوم.. قال: (إرْجِعْ إليهم.. فإن استطعتَ أَنْ تؤخّرهم وتدفعهم عنّا هذه العشيّة لعلّنا نُصلّي لربّنا اللّيلة وندعوه ونستغفره).
– فمضى العبّاس (عليه السلام).. إلى القوم.. وسألهم ذلك.. فأمر ابن سعد مُناديه فنادى: (قد أجّلنا حسيناً وأصحابه يومهم وليلتهم).
الحفاظ على المخيم:
– مع أن العباس (عليه السلام).. كان قد أخذ من القوم عهداً بتأجيل المعركة إلى الغد إلاّ أنّه بقي تلك الليلة يحرس الخيام.. ويدور في وسطها.
– وقام زهير بن القين إلى العبّاس (عليه السلام).. فحدّثه بحديث.. قال فيه: (إنّ أباك أمير المؤمنين عليه السلام طلب من أخيه عقيل – وكان عارفاً بأنساب العرب وأخبارها – أن يختار له امرأة ولدتها الفحولة من العرب.. وذوو الشجاعة منهم.. ليتزوّجها.. فتلد غلاماً فارساً شجاعاً.. ينصر الحسين (عليه السلام) بطفّ كربلاء.. وقد ادّخرك أبوك لمثل هذا اليوم.. فلا تقصّر عن نصرة أخيك وحماية إخوتك).
فغضب العبّاس عليه السلام، وقال: (يا زهير.. تشجّعني هذا اليوم.. فو اللّه لأرينّك شيئاً ما رأيته).
صاحب اللواء
– لمّا أصبح الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء، وفرغ من عبادته عبأ أصحابه، وكان معه اثنان وثلاثون فارساً وأربعون راجلاً، فجعل على ميمنته زهير بن القين، وعلى ميسرته حبيب بن مظاهر، ودفع اللواء إلى أخيه العباس بن علي عليه السلام، وثبت عليه السلام مع أهل بيته في القلب.
كسر حلقة الحصار
قال الطبري في معرض حديثه عن وقائع يوم عاشوراء: «فأمّا عمرو بن خالد الصيداوي، وجابر بن الحارث السلماني، وسعد مولى عمرو بن خالد، ومجمّع بن عبد اللّه العائذي، فإنّهم قاتلوا في أوّل القتال، فشدّوا مقدمين بأسيافهم على الناس، فلمّا وغلوا عطف عليهم الناس فأخذوا يحوزونهم، وقطعوهم من أصحابهم غير بعيد، فحمل عليهم العبّاس بن عليّ عليه السلام فاستنقذهم».
حفر الآبار
– روی القندوزي لما اشتدّ العطش قال الإمام الحسين عليه السلام لأخيه العباس عليه السلام: (اجمع أهل بيتك.. واحفروا بئراً).
– ففعلوا ذلك، فوجدوا فيها صخرة.. ثم حفروا أخرى.. فوجدوها كذلك.. ثم قال له: (امض إلى الفرات.. وآتينا الماء). فقال: (سمعاً وطاعة).
– فضّم إليه الرجال.. فمنعهم جيش عمر بن سعد.. فحمل عليهم العباس عليه السلام.. فقتل رجالاً من الأعداء حتى كشفهم عن المشرعة.. ودفعهم عنها.
تقديم أخوته للقتال
– لقد كان من نفوذ بصيرة العبّاس (عليه السلام).. أنّه لم تقنعه هاتيك التضحية المشهودة منه.. والجهاد البالغ حدّه.
– حتّى راقه أن يفوز بتجهيز المجاهدين في ذلك المأزق الحرج.
– فدعا أُخوته من أُمه وأبيه.. وهم: عبد اللّه.. وجعفر.. وعثمان وقال لهم: (تقدّموا حتّى أراكم قد نصحتم للّه ولرسوله.
– فكانوا كما شاء ظنّه الحسن بهم.. حيث لم يألوا جهداً في الذبّ عن قدس الدين.. حتّى قضوا كراماً متلفّعين بدم الشهادة).
مبارزة الشجعان
– واجه العباس (عليه السلام).. ثلاثة من فرسان القوم وشجعانهم.. هم:
– مارد بن صُدَيف.. الذي حمل على العباس عليه السلام برمحه.. فأمسك به.. وألقاه من ظهر فرسه.. ثم قتله برمحه.
– والثاني: صفوان بن الأبطح.. المعروف بمهارته برمي النبال.. إلاّ أنّ العباس عليه السلام تمكّن منه.. لكنه تركه جريحاً.. ولم يجهز عليه.
– الثالث عبد الله بن عقبة الغنوي.. الذي فرّ مذعوراً عن مبارزته بعد أن كان مصراً عليها.
استشهاده:
– لما كان يوم الطف.. قال شمر بن ذي الجوشن الكلابي للعباس واخوته: أين بنو أختي؟ فلم يجيبوه.
– واختلفت كلمة الباحثين والمؤرخين في كيفية شهادته عليه السلام.
– فذهب الخوارزمي إلى القول: فبرز العباس إلى الميدان.. فحمل على الأعداء مرتجزاً.. وبعد أن قتل وأصاب عدداً منهم سقط شهيداً.
– فجاءه الحسين عليه السلام، ووقف عليه.. وهو يقول: (الآن انكسر ظهري.. وقلّت حيلتي).
– فيما قرر كل من ابن نما وابن طاووس شهادته بالصورة التالية: (لما اشتد العطش بالحسين (عليه السلام) ركب المسناة يريد الفرات.. والعباس عليه السلام أخوه بين يديه فاعترضه خيل ابن سعد….. ثم اقتطعوا العباس عنه.. وأحاطوا به من كل جانب حتى قتلوه قدس الله روحه.. فبكى الحسين عليه السلام لقتله بكاء شديداً).
– فيما قررها ابن شهر آشوب بقوله: (وكان العباس عليه السلام.. السقاء قمر بني هاشم صاحب لواء الحسين عليه السلام.. وهو أكبر الاخوان.. مضى يطلب الماء.. فحملوا عليه وحمل عليهم حتى ضعف بدنه.. فكمن له حكيم بن طفيل الطائي السنبسي.. فضربه على يمينه..فأخذ السيف بشماله).
حمل وهو يرتجز:
يا نفس لا تخشي من الكفار وأبشري برحمة الجبار
مع النبي السيد المختار قد قطعوا ببغيهم يساري
فأصلهم يا ربّ حر النار
فضربه لعين بعمود من حديد فقتله.
– وكان العباس (عليه السلام) آخر من استشهد مع الحسين عليه السلام.. ولم يستشهد بعده إلاّ صبية من آل أبي طالب لم يبلغوا الحلم.. ولم يقدروا على حمل السلاح.
– استشهد العباس عليه السلام.. وله من العمر 34 سنة.