18 ديسمبر، 2024 4:41 م

قمة جدة بداية التكاتف العربي

قمة جدة بداية التكاتف العربي

احتضنت مدينة جدة السعودية اليوم أعمال القمة العربية في دورتها الثانية والثلاثين والتي تأتي ضمن متغيرات جيوسياسية تحيط بالمنطقة العربية والعالم بأسره، اتفق الزعماء العرب في البيان الختامي للقمة على ضرورة التكاتف لحل قضايا الأمة، وقد اتخذت أجواء القمة الطابع الإيجابي والتفاؤل بوحدة غير مسبوقة لجميع الدول العربية، وعلى رأس القضايا هي القضية الفلسطينية والأزمات المستجدة في السودان وليبيا، فضلا عن قضايا اليمن وسوريا ولبنان، وتوحيد المواقف في علاقات الدول العربية بمحيطها الإقليمي والدولي.
تعتبر هذه القمة اجتماعاً هاماً للدول العربية لمناقشة ملفات عديدة تبقى الأولوية فيها للقضية الفلسطينية مروراً بالملف السوداني والليبي والصراع اليمني والازمة المالية في لبنان، لكن الأهم في هذه القمة هو إعادة ترتيب العلاقات الدولية بين الدول العربية من جانب وترتيب العلاقات الدولية العربية مع دولاً إقليمية مهمة لعل ابرزها هو التفاهم الكبير الذي حصل بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية بوساطة صينية كما وصفها الوفد الكويتي تناسى بذلك الدور الكبير الذي قام به العراق لأحداث هذا التقارب في العلاقات هذا ما أشار له رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني في كلمته واكد أن الاتفاق بين السعودية وإيران خطوة عملية دعمها العراق وعمل على تحقيقها، وتناول السوداني في كلمته العديد من القضايا فدعا الى وقف القتال في السوداني واستبشر خيراً في حل الازمة اليمنية وجدد دعم العراق للبنان لتجاوز ازماتها الاقتصادية ودعا ايضاً الجامعة العربية إلى تطوير مناهجها نحو بناء تكتل اقتصادي.
قمة مرتقبة ومنتظرة من قبل الجميع خاصة بعد المتغيرات الجديدة التي حصلت في المنطقة لعل أبرزها عودة الجمهورية العربية السورية الى حضن محيطها العربي واعلان الرئيس السوري بشار الأسد عزمه تمثيل سوريا في هذه القمة وتعد أول مشاركة لبشار الأسد في قمة عربية منذ قمة سرت بليبيا عام 2010، وأول زيارة له للمملكة العربية السعودية بعد اندلاع الثورة في سوريا، فتعتبر زيارة بشار الأسد للسعودية هو إعطاء الشرعية الإقليمية لرئاسة الأسد على سوريا وبدء صفحة جديدة في العلاقات السعودية السورية، بدء الأسد كلمته بالشكر والامتنان والترحيب لعودة سوريا الى محيطها العربي وهاجم الغرب وليبراليتهم الجديدة وفكر اردوغان العثماني التوسعي واتمنع عن سماع كلمة ضيف قمة جدة الرئيس الاوكراني فولوديمير زيلينسكي.
قمة تضميد الجراح كما صفها رئيس حكومة تصريف الاعمال اللبنانية نجيب ميقاتي الذي لم يكن يفكر سوى في استجداء الدعم الخليجي لعودة باريس العرب الى بريقها، لكن كيف يتم تضميد الجراح، هل عودة سوريا لعضوية جامعة الدول العربية هو المقصود بذلك؟
فمن يضمد جراح المستضعفين جراء حرباً عبثية بين شعباً مغرغر به من قبل الغرب والخليج وبين سلطة بطشت بشعبها اشد بطشاً بدعم شرقياً كبيراً، من يضمد جراح ملايين المهجرين من الشعب السوري ومن يضمد جراح طفلاً فقد اهله ومن… ومن… ومن… لكن نستبشر خيراً لأحداث نوعاً من التفاهم والتصالح بين المعارضة والسلطة في سوريا لعودة أبناء الشعب السوري لوطنهم.
لم تكتفي القمة في الملفات العربية فقط بل كان خيالها أوسع من ذلك فقد استضافت الرئيس الاوكراني فولوديمير زيلينسكي اذ دعا الاخير الدول العربية على دعم مبادرته للسلام لإنهاء الحرب الروسية في بلاده كما أشاد بجهود السعودية لإطلاق سراح أوكرانيين اعتقلتهم روسيا، معتبراً أن الأمر تجربة إيجابية، وأعرب عن أمله في تطوير هذه التجربة واكد على انه بلده لا تمتلك الصواريخ التي يملكها الروس ولا يمتلكون قدرات جوية توازي قدرات العدو، واكد على انهم سيبقون أقوياء لأنهم يعرفون أن الحق بجانبهم، وفي هذا الجانب فقد اكد ولي العهد محمد بن سلمان بأن المملكة مستعدة للاستمرار في بذل جهود الوساطة بين روسيا وأوكرانيا ودعم جميع الجهود الدولية الرامية إلى حل الأزمة سياسياً.
قمة مهمة خاصة بعد المتغيرات الدولية الجديدة الرامية في نهاية الامر الى ذهاب النظام العالمي نحو التعدد القطبي فحل الازمات العربية أصبح ضرورياً لأحداث التكاتف العربي لان ذلك سيعطي احتمالية كبيرة في ان يصبح الشرق الأوسط أحد اللاعبين الاساسين في القرار العالمي والانتقال من أطر التبعية إلى استقلال الدور بعد أن بقت الدول العربية لعقود طويلة محكومة وخاضعة لمفاهيم نظرية التبعية حيث إن تحدي مواجهة التبعية من أبرز التحديات التي أعاقت الفاعلية العربية مجتمعة في إطار وحدة مصالح الإقليم والتوافق العربي الإقليمي حول القضايا والمصالح العربية، تسعى اليوم الدول العربية للتحرر من التبعية السابقة، لذا فأن التوحد العربي مهماً اليوم وتوحيد الرؤى والاهداف وحسن إدارة الموارد العربية خاصة فيما يتعلق بالطاقة فقد اثبت الحرب الروسية الأوكرانية مدى أهمية المنطقة العربية استراتيجياً لضبط سعر النفط العالمي.