فوضى البيت الأبيض تسببت في ضياع فرص قيمة لأميركا، وفي فشل ترمب في تحقيق أي تقدم في أهم ما في جعبتها من خطط لانه رجل اقتصاد اكثر مما هو رجل سياسية والتي لا يمكن الفصل بينهما في ادارة الدول في العصر الحالي وقد أصبح الاقتصاد لصيقًا بالسياسة وتوأمها بشكل جليّ وارتباط الاقتصاد بالسياسة والعكس بالعكس، قضية لايختلف عليها اثنان في جميع العصور وعلى مدى التاريخ الماضي، ولكن يبقى اهتمام الناس بالسياسة لتأثيرها على حياتهم الاقتصادية ومعيشتهم اليومية، قضية تترواح مابين اهتمام شديد وعدم مبالاة ، وعلاقة الاقتصاد بالسياسة أبدية مثلما تنظر المبادئ الكاثوليكية للزواج، حتى يعتقد البعض ان كفت الاقتصاد المحرك الرئيسي للسياسة دون النظر لأي اعتبارات أخرى. وهو ما دفع الكثير من الدول إلى استخدامه كفاتورة سياسية يدفعها الطرف الآخر عند الخلافات السياسية أو العسكرية وكأداة ضغط للدول وإرسالها لمن يدور في فلكها متناسياً في الامكان للسياسة أن تُشكِّل دافعا قويّا للنمو الاقتصادي، كما يمكن لها أن تكون مثبطاً له من خلال قيامها بتأخير عملية التغيّر الاجتماعي والثقافي، حيث يؤثر التفاعل بين السياسة والاقتصاد على قضايا السلام، الفقر، المساواة، الحرية، الديناميكية الاقتصادية والاستقرار السياسي.
لقد شهدنا في العقدين الأخيرين العديد من الأمثلة على استخدام الاقتصاد كأداة ضغط للسياسيين، والتي كان أبرزها العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة الامريكية على إيران لدورها الواضح في دعم المقاومة والاصطفاف الحربي ضدها لمجابهتها الاحتلال الصهيوني والارهاب الذي يحاول زعزعة الاستقرار الإقليمي وايقاف تمدده وكذلك العراق إبان الحرب على الكويت واحتلالها وما تلاه. كما استخدمته إيطاليا في التسعينيات ضد تركيا واستخدمته المملكة ضد كندا والولايات المتحدة ضد الصين مؤخرًا في إجراءات اقتصادية محدودة.
وقد استغل الرئيس الامريكي عامل الاقتصاد على الاكثر في بعض الدول العربية لانه مجتمعاتهم استهلاكية يهيمن عليه استبداد النخب الحاكمة التي لا تتردَّد في إيداع مدخراتها ومدخولاتها لرجال الأعمال المقربين منها في حسابات مصرفية أجنبية بدلاً من استثمارها وطنياً ومحلياً وهنا يتجلَّى ويتَّضِح سلوكهم المدفوع بالمصلحة الشخصية وإهمالهم التام للمصلحة العامة التي تتمثل في المستقبل الحاضر والقادم .
ولا يزال ترامب وفريقه يتباهون بكل مبادئ الاقتصاد التقليدي تقريبا والتي لا تتناسب مع العلاقات الحالية للدول . وتُعَد السياسة التجارية مثالا واضحا وأساسيا هنا؛ فبإظهار عدم التقدير للارتباط الذي أثبته الزمن بين العجز التجاري واختلال توازن الادخار والاستثمار في الاقتصاد الكلي، يواصل الرئيس ترامب التركيز على حلول ثنائية لمشكلة متعددة الجوانب، فيلوم الصين -في حقيقة الأمر- على عجز أميركا التجاري السلعي مع 102 دولة . ويعتقد البعض أن الصين ستخسر الحرب التجارية مع أمريكا، وتستسلم في نهاية الأمر، بدعوى أن الميزان التجاري بين الجانبين يميل لصالحها، لكن ربما يكون هذا الاعتقاد خاطئاً، لسبب بسيط، هو أن الجانبين سيتضرران كثيرا من هذه التعريفات.
فعندما يتم تطبيق تعريفة على سلعة معينة، فهناك سيناريوهات، في مقدمتها انخفاض الأرباح، لان في بعض الصناعات، تكون الشركات غير راغبة أو غير قادرة على تحميل التكلفة على عملائها، وهذا يعني بكل بساطة أن أرباح الشركة ستنخفض، وبالنسبة للشركات العامة، فهذا بالطبع سيقلل أرباح وبالتالي يمكن أن يؤثر على أسعار أسهمها.
ومن هنا يبدو أن إدارة ترامب تتصور أن أميركا وصلت إلى لحظة مواتية في الدورة الاقتصادية تسمح لها بممارسة اي لعبة قوية . غير أن إستراتيجيتها لن تنجح لان الصين لن تستسلم بشأن المبادئ الأساسية لإستراتيجية النمو، التي تؤطر طموحات القوة العظمى التي تراود الرئيس الصيني وهي لا ترغب في خوض حرب تجارية، لكنها لا تشعر بالخوف من خوض حرب تجارية و إذا كانت الولايات المتحدة ترغب فقط في تصعيد النزاعات التجارية، سترد بالتأكيد وتحارب حتى النهاية .و في الحقيقة ان الصين لديها ترسانة كبيرة من الأسلحة، خلف التعريفات الجمركية، يمكنها استخدامها ضد الولايات المتحدة، منها، إنشاء علاقات تجارية وثيقة مع دول أخرى لعزل واستبعاد الولايات المتحدة، فعلى سبيل المثال، خفضت الصين التعريفات على السيارات لصالح حلفاء واشنطن لمقاومتها، بالإضافة إلى تنفيذ حملة تنظيمية على الشركات الأمريكية، مثل التحقيقات البيئية أو مكافحة الاحتكار. والحقيقة ان التهديد والعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الامريكية على الصين لم تأتي اكلها ومن هنا جاء الاتفاق الجديد بعد الاجتماع على هامش مجموعة العشرين في مدينة أوساكا اليابانية الذي جمع الرئيس الصيني شي جينبينغ الذي اكد ان الحوار” مع الولايات المتحدة سيكون أفضل من “المواجهة “ونظيره الأمريكي دونالد ترامب الذي وصف القاء “بالممتاز” وعلى استئناف المفاوضات التجارية بين بلديهما وانه مستعد للتوصل لاتفاق تجاري “تاريخي” مع الصين، وسيكون الأمر تاريخيا إذا استطعنا التوصل إلى صفقة تجارة عادلة”. كما أعلنت بكين أن واشنطن وافقت على عدم فرض رسوم جمركية جديدة على صادراتها، وفق ما نقلتها وكالات الانباء ومنها الصينية وواشنطن تخلت عن قرارها رفع الرسوم الجمركية من 10 بالمئة إلى 25 بالمئة على بضائع صينية بقيمة مئتي مليار دولار — نصف الكمية الإجمالية — اعتبارا من الأول من كانون الثاني/يناير .وتوصلا الى هدنة في الحرب التجارية بينهما التي تهدد الاقتصاد العالمي