23 ديسمبر، 2024 3:55 م

للقلق مفاهيم كثيرة، لكن الصورة الاقرب لتعريفه هو شعور الفرد بوجود خطر يهدده، ومثل هذا الخطر قد يكون موجودا فعلاً أو متخيلاً لا وجود له في الواقع
ولهذا الشعور أضرار على الأشخاص القليلين، كتشتيت التفكير وعدم القدرة على التركيز أو اتخاذ القرار في الموضوعات التي تواجه الإنسان، او الشعور بالعجز وفقدان الأمن وعدم السعادة والرضا، او الانعزال عن الاخرين.
وللقلق انواع كثيرة طبقاً للظروف والحدث، حيث قسم علماء النفس القلق، لثلاثة أنواع؛ الموضوعي، فمثلا إذا شاهد الشخص سيارة مسرعة تقترب منه فإنه يشعر بالخوف. والعصبي كتعرض الفرد للتهديد او رؤيته للدم. اما القلق الثالث فهو القلق الخلقي والاحساس بالذنب اذا لم تقدم المساعدة للاخرين إذا كنت تستطيع مساعدتهم.

لكن لم يذكر العلماء تعريفا واضحا لقلق الكاتب أي المؤلف لكتاب معين او الروائي لروايته او القاص لمجموعته القصصية، والشعور النفسي للكاتب لا يشبه قلق الطالب بوقت الامتحانات، كما يتصوره البعض، لان الاخير يمكن أن تكون له فرصة ثانية لاداء الامتحانات، اما اصدار الكتاب يخرج مرة واحدة ويكون في متناول يد القارئ والناقد والمختص والاكاديمي ومنهم من لا يرحم لأي خطأ.

يبدأ قلق الكاتب، بأولى مسودات الأفكار لتأليف كتابه، وتتصارع المسودات في رأسه مثل صراع الخيول وسط مضمار السباق، للوصول الى فكرة تلبي طموحه لمنجزه وتكون مقبولة لدى القارئ وتكون بصمة بعالم الكتب او الاختصاص الذي يكتب فيه، خاصة اذا كان هذا المنجز الاول له ليضع اسم.

وعند الاستقرار على فكرة، تبدأ الشخابيط الكتابية باحتلال موقع بعد الاخر من صفحات الكتاب، بكتابة مادة الكتاب المسودة الاولى والثانية، والاولى معتمدة بتاريخ معين، وهكذا، لحين الاستقرار على مادة أنجزت، وبقي أن تذهب للمصحح اللغوي لتدقيقها نحوياً، وبعدها لمحرر دار النشر لوضع اللمسات الاخيرة.

هنا تبقى النقاشات مع المحرر، ويزداد القلق كما كثرت النقاشات، لحذف جملة معينة وإضافة بديلة عنها او التركيز على هذه المعلومة اكثر من غيرها، او الاستمرار بالسرد مع الخوض الغموض الزائد فيها، وأولى المواد التي تشهد هذه النقاشات هي العنوان الرئيسي للكتاب، وتبقى محتارا بين التغيير او البقاء عليه، ليكون أكثر إثارة للكتاب ومتعلق بمضمونه، وانتهت هذه الجولة من التعديلات، على ان الكتاب سيكون ذات قيمة بسوق الكتب، ومثلت الاوراق للمطبعة.

انتهى قلق المتعلق بالكتابة، وانتهى تصميم الغلاف الذي يكون الأكثر إزعاجاً لدى الكثير من المؤلفين لاختيار غلاف يساهم في جذب القارئ لمنجزه، خاصة نحن في زمن حداثة تصميم الاغلفة، التي اصبحت تسطر المؤلف والمصمم للاقتناع بالغلاف.

اذهب للراحة او للاستجمام كتابك سيصل بعد كم اسبوع، بهذه الكلمات ينطق بها صاحب دار المنشر. وهنا قلق ينفرد بالمؤلف اكثر من السابق الذي كان متقاسم مع اصدقاؤء الكتاب الذين يقدمون المساعدة لهم في الكتابة سواء باراؤهم او تدخلهم بتصليح بعض المفردات او الربط بين الجمل والكلمات.

ويكاد القلق المتفرد بالكاتب لوحده، يحطم عقله لانتظاره اصدار المنجز وعرضه على رفوف المكاتب واجنحة المعارض التي تقام بالدول العربية، والتفكير بما سينتقده النقاد له وتعليق القراء بشانه، واحتلاله المراكز الاولى للبيع لهذا الاسبوع او بمعرض الكتب. وسينتهي هذا الشعور قريبا بداخلي، بوصول “بنادق للسلام” لشارع المتنبي ببغداد وتوزيعه.