بعد انتظار طويل ، تم إصدار قانون التقاعد الموحد رقم 9 لسنة 2014 وعد نافذا من بداية العام الحالي ، وقد أثيرت مواضيع عديدة حول صدوره ، أزعجت المرجعيات الدينية لمخالفة بعض فقراته توجهاتها المتوازنة, وأدت إلى إقامة ثلاثة دعاوى قضائية للطعن في المادتين 37 و 38 بخصوص إيراد نصوص غريبة أبرزها الخدمة الجهادية وشمول فئات من غير الموظفين ومنهم أعضاء مجالس النواب والمحافظات لأنه عملهم على سبيل التكليف فحسب.
ومن الطعون التي لم تقدم للقضاء بخصوص هذا القانون ما يتعلق بأهدافه ، فهي غير واضحة وتخالف المطلوب ، حيث كان من المفيد بأن يخفض سن الإحالة على التقاعد إلى 60 سنة بدلا من 63 وان يتم تشجيع الموظفين للخروج المبكر من الوظيفة لمعالجة الترهل في الأجهزة الحكومية حيث يعمل أكثر من (4) أربعة ملايين موظف حكومي حاليا ونفقاتهم بحدود (54) مليار دولار سنويا وهذا الرقم يشكل أكثر من 50 % من النفقات الفعلية للموازنة سنويا ، دون أن ننسى بأن الخروج المبكر من الوظائف يتيح الفرص للخريجين لولوج الإعمال بدلا من بقائهم في طوابير العاطلين.
ولعل الأكثر فرحا بهذا القانون هم المتقاعدون من ذوي الرواتب المنخفضة إذ استفادوا من الحدود الدنيا لتكون (400) ألف دينار شهريا ، ولكن القانون أحدث فوارق في الرواتب التقاعدية حيث يمكن أن يتقاضى خريجو الإعدادية فما دون راتبا تقاعديا يبلغ (607و1) مليون دينارشهريآ بينما يتقاضى حملة الدبلوم (665و1) مليون دينار وحملة البكالوريوس (722و1) مليون دينار وحملة الماجستير (779و1) مليون دينار وحملة الدكتوراه (837و1) مليون دينار على فرض إكمالهم شرط الخدمة البالغة (40) سنة فأكثر.
والقانون الجديد يضيف أعباءا على الموازنة الاتحادية ، لأنها ستلتزم بدفع أكثر من (20) مليار دولار سنويا بسبب إصدار هذا القانون ، منها أكثر من (5) مليارات دولار عن حصة الدولة من التوقيفات التقاعدية للموظفين البالغة (15 %) من رواتبهم شهريا ، وبحدود (14 ) مليار دولار عن رواتب المحالين على التقاعد قبل النفاذ ممن سوف لايدفع لهم صندوق التقاعد ، فضلا عن نفقات غير معروفة وتتعلق بصرف (12) راتبا على أساس الاستحقاق الأخير لمن يحال على التقاعد إذا كانت أحالته بسبب السن القانونية أو لديه خدمة تزيد عن 30 سنة أو الإحالة لأسباب صحية.
وبموجب الالتزامات المالية التي أنشآها القانون الجديد ، فأن الخزينة العامة ستكون ملزمة بتخصيص أكثر من (70) مليار دولار سنويا للموظفين والمتقاعدين مما سيضيق المجال للتوسع في التخصيصات الاستثمارية في الموازنات القادمة ، وهو ما سيعرض الاقتصاد الوطني للخطر المستمر لان أكثر من 90 % من إيرادات الموازنة يتم تمويلها سنويا من مبيعات النفط وهو ماسيضطر الدولة لزيادة حجم الصادرات، وهذه المبيعات غير مأمونة 100 % لانها تتأثر بالأسواق والظروف السياسية والاقتصادية الساندة عالميا كما تتأثر بالأوضاع الأمنية السائدة داخل العراق .
وقد يكون قانون التقاعد الجديد منصفآ لبعض المتقاعدين (وليس جميعهم بالطبع) ولكنه لم ينصف اقتصادنا الوطني ، فإصدار قوانين مكلفة من هذا النوع ، يتوجب أن تقابلها إجراءات لتفعيل القطاعات الاقتصادية ومنها تنيوع مصادر الدخل القومي بما يكفل زيادة الناتج المحلي الإجمالي ، ولان هذه الإجراءات غير متصاعدة لأنها أما أن تراوح مكانها أو أنها تتراجع إلى الخلف ، فان أية قوانين تضيف مزايا والتزامات من دون حساب النتائج والمردودات ستدخل الاقتصاد في خانة الخطر المحتمل , مما يجعل قانون التقاعد الجديد في قفص الاتهام .