18 ديسمبر، 2024 11:48 م

قطر تغازل إيران فيصلها وباء الإرهاب – هل ثمة رابط ؟

قطر تغازل إيران فيصلها وباء الإرهاب – هل ثمة رابط ؟

اشتدت أزمة قطر مع الدول العربية، فسارعت الإمارة الى الجارين الاقليميين تركيا وإيران، وهي التي طالما اعتبرت إيران صفوية عبر “الجزيرة”. الغريب أنّ الغزل المبتذل مع إيران رافقته هجمات إرهابية طالت برلمان (مجلس) ايران ومرقد الخميني. كلّ هذا يثير أسئلة.
فجأة باتت إيران هدفا معلنا لهجمات مسلحة، وهي الدولة- النظام التي تتكتم على كل الهجمات التي تنفذها فصائل كردية وعربية وبلوشية في أطراف الدولة شبه القارية منذ عقود.
فجأة يدلف مسلحون التقطوا أسلحتهم من مقبرة الزهراء(قرب مرقد الخميني على بعد 20 كيلومترا جنوب طهران) الى مرقد الخميني والى مقر البرلمان الإيراني، ويفتحون النار على من كانوا فيه، ويحتجزون رهائن. الهجوم يثير أسئلة حساسة خطيرة:
*المسلحون هم حتما إيرانيون، فهل هم فصيل معارض، أم عناصر تنظيم داعش بفرعه الايراني بعد أن قررت إيران التعاون مع قطر؟
*الدخول بحقيبة الى البرلمان أو الى مرقد الخميني ممنوع بتاتا، فكيف دخلوا بأسلحتهم المخفية في حقائب كبيرة كما كشفت افلام الفيديو التي بثت من مقر البرلمان ومن مرقد الخميني؟
*المعارضون الإيرانيون العرب على وجه الخصوص، يرددون أنّ الهجوم مدبر من خطوط في السافاما ( الأمن والمخابرات الإيرانية) لأسباب تتعلق بفشل أحمدي نجاد وصديقه المرشح المشبوه حميد بقائي في الفوز بالانتخابات.
*نفس الأصوات المعارضة تعتبر الهجومين مقدمة لانشقاقات مسلحة في أوساط النخبة السياسية الإيرانية، وهو أمر يعيد الى الأذهان التفجيرات والهجمات المسلحة التي رافقت قيام “الجمهورية الإسلامية” وأشهرها الهجوم بقنبلة وضعت في مايكروفون كان الخامنئي ( رئيس الجمهورية عام 1981) يخطب من خلاله، ففقد بسبب العبوة الصغيرة، عينه اليمنى وشلّت ذراعه اليمنى واصيبت بسقوط دائم.
* تنظيم داعش” الدولة الاسلامية” تبنى الهجومين حسب ما ذكرت وكالة “أعماق” التابعة للتنظيم عبر تطبيق تلغرام” و”انستغرام” واسعي الانتشار في داخل إيران حيث يمنع واتس آب وفيسبوك ويوتيوب منعا باتا. هذا الإعتراف يثير أسئلة عن حقيقة ما جرى لاسيما أن القاعدة وداعش والتنظيمات الارهابية الشبيهة بها رغم عدائها المعلن الصريح للشيعة ( التي تصر على وصفهم بالروافض الصفويين) لم تنفذ قط هجمات داخل ايران.
*تزامن هذا الهجوم مع التحالف القطري الإيراني الحذر يثير أسئلة أخرى، فهل زحفت العناصر الإرهابية متسللة من جعبة قطر، أم أن الدولة العميقة في إيران تحترب مع بعضها بسبب التحالف مع قطر؟
*المهاجمون ينتمون إلى أقاليم في أطراف إيران؛ حسبما أعلنت السلطات الرسمية الإيرانية. فهل يعني هذا أنّ الأقلية السنية في إيران والتي تتراوح نسبتها بين 8 إلى 10 في المائة من مجموع السكان وغالبيتها تسكن في المناطق الحدودية مع العراق وكردستان العراق وتركمانستان وأفغانستان وباكستان قد بدأوا يتحركون ضد دولة الولي الفقيه، واختاروا لذلك ان يتحالفوا مع التنظيمات الارهابية ليكرروا نفس الخطأ الذي جرى في سوريا وليبيا والعراق؟
*لماذا في هذه المرحلة التفت داعش الى إيران، عن هذا السؤال أجابت الصحفية فريدريكه بوغه من صحيفة فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ الألمانية، مشيرة الى أنّ “تنظيم الدولة الإسلامية يأمل أن ينشر الكراهية ضد الحكومة المركزية بين السنة في إيران. فخلال الأشهر الماضية قام التنظيم الإرهابي بتعزيز دعايته بشكل واضح باللغة الفارسية. وفي شهر مارس/ آذار الماضي نشر التنظيم فيلما دعائيا دعا فيه السنة في الإيران إلى المقاومة ضد النظام الشيعي. وتلقى دعاية التنظيم صدى بين السنة، ففي أوغسطس/ آب العام الماضي أعلن وزير المخابرات الإيرانية أن 1500 شاب إيراني حاولوا الالتحاق بتنظيم “الدولة الإسلامية”، لكن جرى منعهم. وكشفت السلطات الرسمية عن 58 خلية مرتبطة بتنظيم “الدولة الإسلامية” خلال السنوات الماضية حسب اعلان رسمي ما يعني وجود محاولات لتنفيذ هجمات في إيران، وقد نجح الارهابيون في تنفيذ أول هجوم لهم في إيران يوم الأربعاء (07 يونيو/ حزيران 2017) حيث الحضور الكثيف والمراقبة الشديدة للأجهزة الأمنية.”
إيران وقطر، حليفان ولكن…
ما أن قاطعت الدول العربية قطر التي ترعى الحركات الارهابية وتغازل الحرس الثوري الإيراني وممارسته، حتى انكفأت الاخيرة الى تركيا، وسمعنا أدروغان يدافع عنها بحماس، وما لبثت إيران أن أعلنت عزمها على مساعدة قطر، ثم تدفقت السلع الغذائية الإيرانية محمولة بخمس طائرات حطت في مطار الدوحة لتسعف السوق القطرية.
لكن هل تأمن إيران فعلا قطر التي ترعى الجزيرة وهي عدو أيران اللدود؟
حدود بحرية طولها مائتان وخمسون كيلومترا يتقاسمها البلدان، وفيهما حقل غاز عملاق تسميه إيران حقل” بارس جنوبي” وطالما كان سببا استراتيجيا للخلاف بينهما، وحين اجبرت إيران دولياً على خفيف انتاجها من الغاز، جنت قطر الفوائد والعائدات وحدها بالضخ الرسمي وغير الرسمي الذي موّل تنظيمات ارهابية في ليبيا ومنها تنظيمات اخوانية معروفة.
وحول الطاقة أيضا هناك مزيد من الخلاف بينهما، فقطر طالما حاولت مد خط أنابيب من حقول الإنتاج مرورا بأراضي المملكة العربية السعودية والأردن وسوريا إلى تركيا، وصولا إلى أوروبا. فيما تسعى إيران منذ التغيير الحاسم في العراق عام 2003 الى مد خط أنابيب على طول إيران وصولا الى جنوب العراق (منطقة الشلامجة في البصرة) ثم عبر سوريا وصولا إلى البحر الأبيض المتوسط. وقد توصل النظام الايراني إلى اتفاق مع النظام السوري قبل سنوات بشان التنفيذ، لكنه توقف، والحرب في سوريا تنفي امكانية تنفيذه في أي موعد منظور.
الدوحة لا ترحب بشكل كبير بدعم طهران، ولا بتدخلها المكشوف الواضح حتى لدعم قطر حسب تعبير الباحث في العلوم السياسية من جامعة طهران صادق زيبا كلام، في حديث الى موقع DW الألماني “في الأزمة الحالية، قطر لا تعتمد على إيران، خصوصا أنّ قطر لا تريد استفزاز المملكة العربية السعودية أكثر، وتحاول تجاوز هذه الأزمة بمساعدة تركيا وباكستان.” بمعنى أنّ قطر تريد أن تحتفظ بهامش المناورة البراغماتية متظاهرة أنها ما زالت في صف القوة السنية بالمنطقة، ولا تريد أن تكشف عمق تعاونها مع القوى الشيعية السياسية.
كل هذا السيناريو يضع أمام أي مراقب مهتم بتفاصيل المشهد احتمالات “تعاطف” إرهابي متبادل عبر الحدود القطرية الايرانية، والذي نبتت أولى ثماره في هجوم على صميم المؤسسة السياسية الإيرانية، وقد نشهد هجوما مثله قريبا يستهدف المؤسسة السياسية والإعلامية والمالية القطرية، وربما كانت دول الخليج والدول العربية الكبرى هي الوحيدة القادرة على فضح هذا “التعاطف” وكشف مشاريعه التي ترتدي غالبا ثياب مشاريع الإسلام السياسي الإنتهازية المخربة.

  • نقلا عن صحيفة العرب اللندنية