17 نوفمبر، 2024 7:31 م
Search
Close this search box.

قطر، الجريمة والاعتذار

قطر، الجريمة والاعتذار

سواءٌ أكان الأمرُ نوعاً من الإعتراف بالخطأ، أو مجرد امتثال لضغوط خارجية، فإن القرار الذي اتخذته قطر بترحيل بعض قيادات الإخوان، يعني أن الدوحة لا تريد أن تتحمل المزيد من المسؤوليات التي تترتب على دعم جماعة ضالعة بأعمال الإرهاب.

ولكن ماذا بشأن المسؤوليات السابقة؟

ماذا بشأن عاقبة الدعم التي أسفرت عن كارثةٍ أسوأ من أسوأ زلزال؟

لقد وضعت قطر رهانها على حصان، ثبت أنه بغل إرهاب، كما ثبت أن ذلك الرهان وضع المنطقة كلها في أتون جحيم غير مسبوق من أعمال القتل والجريمة والتمزقات والانهيارات.

وفي الواقع، فان الكلفة لا تقتصر على ما تقوم به جماعة الإخوان بنفسها من أعمال إرهابية هنا أو هناك. كما انها لا تقتصر على الدعم الذي يتسرب من خلال هذه الجماعة، ومن خلال تمويلات قطر المباشرة، لمنظمات الإرهاب الأخرى.

المسألة إنما تتعلق بالإسلام السياسي برمته.

لقد وضعت قطر رهانها هناك من أجل تفتيت وتمزيق المنطقة. فوفّرت تمويلات غير مألوفة لكي تسمح لتنظيم الإخوان المسلمين أن يتقدم على كل القوى السياسية الوطنية، ويسرق شعلة التغيير الذي سعت إليه احتجاجات “الربيع العربي”.

لقد فتحت قطر الطريق للإخوان لكي يستولوا على السلطة في تونس ومصر وليبيا، ودعمتهم في سوريا، كما دعمتهم في كل مكان آخر من أجل أن يصبحوا المنظمة السياسية التي تتقدم الصفوف، وتبدأ بأعمال النحر السياسي للقوى الأخرى (بالتمكين)، وللمجتمع (بالتمييز المذهبي)، ولوجود الدولة (بالفشل).

لقد فعلت قطر ذلك وهي تعرف أن تحويل الإخوان الى تيار سياسي غالب، سوف تنشأ على جنباته، بصورة تلقائية، تنظيمات إرهابية، تذهب بالتكفير خطوة أبعد، وبالإستعداد للقتل خطوة أبعد، فأبعد.

ولئن تخرجت كل التنظيمات الإرهابية من تحت عباءة الإخوان، فذلك لم يكن دون سبب!

فالفكر الإخواني هو ذاته فكر كل تلك التنظيمات. إنه أساسها ومنهجها ومرجعيتها الأولى. إنه الرحم الذي أنجب، والأم التي أرضعت، والأب الذي ربّى وأنشأ، قبل أن يتطرفوا عليه.

ومع ضعف الدول (وفقا للفكر الإخواني-الجهادي المشترك)، فقد كان من الطبيعي أن تنشأ فراغات للفوضى تتيح لتنظيمات مثل “داعش” و”جبهة النصرة” و”أنصار الشريعة” أن تنعم بالفرصة لـ”إدارة

التوحش”، بالضبط، كما تجري وقائعها الآن في سوريا والعراق وليبيا وبعض أطراف تونس، وجنوب الجزائر والصومال وشمال نيجيريا.

لقد أرادت قطر، بدعمها للإخوان، أن تخلق الفوضى من أجل تفتيت دول المنطقة، وتغيير الهويات فيها، وإزالة الأوطان، إنطلاقا من التصور الإخواني نفسه الذي وضعته داعش موضع التطبيق: نبذ الوطنيات، وهدم الدول، وإقامة دولة الخلافة الإسلامية.

وهذا ما كان: فتحت قطر الطريق للإخوان، ففتحت ثقافة الإخوان أبواب جهنم على الجميع.

فعلت قطر كل ذلك من أجل أن تصل الى هدف صغير يخصها: تمزيق المملكة العربية السعودية.

بعبارة أخرى: أرادت قطر أن تهدم المنطقة بأسرها، على رؤوس شعوبها، من أجل أن تهدم كيانا تعتبره عدوا لا سبيل الى التغلب عليه من دون تمزيقه.

هذه الخطة ليست افتراضا تحليليا. إنها تصريحات معلنة. وكان نشر تسجيلاتها ووثائقها، هو السبب وراء تخلي أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني عن السلطة لإبنه، تحاشيا للفضيحة.

ولكن ما كان فضيحة، كان في الواقع جريمة متواصلة. ولقد دفع مئات الآلاف من البشر حياتهم ثمنا لها. كما دفع ملايين غيرهم ما يعادل حياتهم أيضا بالوقوع ضحية للتشريد والترويع والخوف والجوع.

سواءٌ كان ترحيل عدد من قيادات الإخوان نوعا من إعتراف بالخطأ، أو مجرد امتثال لضغوط خارجية، فإن ذلك يؤكد أن قطر مسؤولة عن أفعالها. ومثلما حاقت العاقبة بملايين الأبرياء، فان الدوحة يجب أن تتحمل، بشجاعة، وزر تلك الأفعال.

الجريمة وقعت، والترحيل الرمزي لبعض مرتكبيها، لا يعفي ولا يكفي.

أولى بقطر، بشجاعة الفارس المهزوم، أن تسحب يدها كليا من دعم هذا التنظيم الإجرامي. وأن تعتذر لكل الضحايا الذين سقطوا في مشروع “إدارة التوحش”، وأن تدفع تعويضات سخية، بسخاء

أحدث المقالات