الدولة / السلطة الفاشية
كان الشعار النازي القائل ( أنت لا شيْ ، الشعب كل شيْ ) ، يشكل انعكاسا لفكرة خضوع الفرد للمجموعة التي ينتمي اليها ، لتختفي في الدولة النازية الحريات الفردية تماماً وتنتفي امكانية اية ممارسة او ادنى حرية فردية موجهة ضد الدولة . المنطلقات الفكرية للفاشية تقدس القيَم القومية باعتبارها اساس نظام الدولة . وهذا بدوره يسعى لإيجاد النظام الاجتماعي الجديد الذي يذوب الفرد فيه ضمن المجموعة والتي بدورها تمثل السلطة وترحل على عموم الدولة .وهذه الموضوعة قائمة على شعار : النظام ، السلطة ، التراتيبية . اذن هناك ارضية مشتركة بين الفاشية والنازية من حيث احتقار كل منهما للفردانية . فكانت التجربة ( الالمانية- الايطالية ) مريرة وقادت شعوبها والعالم لكوارث .مثلت الحرب العالمية ثانية أحدى أكبر تلك الكوارث بكل ما جرته من مآسي وموت ودمار وجوع وانتهاكات صارخة لأبسط حقوق الكائن الإنساني . اسفرت تلك الحرب الى التنبيه لأهمية ترسيخ الأعتقاد بوجود نوع من الموازاة والتلازم بين احترام حقوق الإنسان في المجال الوطني وخيار حماية الأمن والسلام الدوليين . ان الصدمة التي ولدتها الحرب العالمية الثانية واتَباع هذا النمط من التحليل الفكري والنهج الإنساني اديا الى انتقال الاهتمام بموضوع حقوق الإنسان من المجال المحلي الى الدولي .
التأريخ العربي المعاصر ، شهد بروز نماذج وامثلة لانظمة حكم شمولية ، استوحت رؤى ومناهج النظام الفاشي او النازي او كليهما معاً رغم المعرفة المسبقة بما سبق من تجارب مدمرة لازال العالم يئن ويتوجع من اثارها الكارثية . ولنا في النظام البعثي المقبور في العراق مثالاً ونموذجاً سيئأً ( 1968-2003 ) ،فقد كان نظاما شموليا ، ديكتاتوريا ، فاشيا بأمتياز . وفترة حكمه شهدت حروباً داخلية وخارجية، كانت نتائجها مدمرة وعلى كل الصعد الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية. وشمل الوضع تصفيات سياسية ، حملات تهجير ،مما استدعت المجتمع الدولي للتدخل بشكل مباشر وغير مباشر، من خلال فرض عقوبات واجراءات رادعة وقائية مرة ( العقوبات الاقتصادية ) وعسكرية مرات أخرى . في عام 2003 جاءت الحرب والغزو والاحتلال الامريكي للعراق، وانهاء واسقاط السلطة الفاشية لنظام صدام حسين . ترتب جراء هذه الحرب تدمير البنية التحتية و تراكم أعداد الضحايا مدنين وعسكرين لا يعرف عددهم لحد اللحظة . وترتب جراءها احتلال العراق وفرض شروط تعسفية ظالمة، لازال العراق يعاني منها .أيضا أندلع أثرها صراع اهلي مسلح. وشكل نظام سياسي مقيت أعتمدت (( المحاصصة الطائفية -العرقية )).
دولة الاحتلال لم تف بالتزاماتها حسب اتفاقية جنيف (1949 ) التي تفرض على المحتل اعادة البنى التحتية المدمرة وضمان امن وسيادة العراق، واخلت الدولة المحتلة بكل بنود الاتفاقية الموقعة بين البلدين . الدولة العراقية وبعد احدى عشر سنة من سقوط الفاشية البعثية، أصبحت نموذجا جديدا لدولة فاشلة فاقدة للسيادة الوطنية. القوى الارهابية من تنظيم الدولة الاسلامية داعش والفلول البعثية والنقشبندية وقوى أخرى مدعومة مالياً ولوجستياً من دول عديدة ( تركيا- قطر- اسرائيل ) تسيطر على اكثر من 33% من الاراضي العراقية، وتمتد الرقعة المحتلة من قبل داعش وحلفاؤها، من الحدود التركية شمالاً حتى الحدود الادارية لمحافظة الانبار ، ومدينة الموصل وصلاح الدين ومدن وبلدات بعضها قريب من الحدود الجغرافية للعاصمة بغداد ، واني ليس بصدد الولوج الى شكل خارطة الصراع الحالي ولكن اريد الوصول الى خلاصة مفداها ان فاشية النظام السابق ( 1968-2003 ) واسلوب حكمه ونهجه الشمولي لم يتم تجاوزها ،لا بل لا يمكن تجاوز اثارها المدمرة والكارثية ولعقود قادمة . ولا اعتقد ان الدولة العراقية وبشكل السلطة السياسية الطائفية – العرقية القائمة حاليا سوف تتمكن من القضاء على القوى الارهابية واعادة السيادة والاستقلال الوطني وبالاخص ان دول الجوار العراقي ومعها الولايات المتحدة الامريكية تمضي حثيثا بمشروع التقسيم وعلى اسس دينية طائفية ( شعية – سنية ) و عرقية ( عربي – كردي ) والامر لا يعني العراق فقط ، فالصراع الاهلي المسلح في سوريا يتماثل في طبيعة متغيراته مع سياق الاحداث في الساحة العراقية بل ويرتبط به باصرة ليس من السهل الفكاك منها. فطبيعة الحكم في سوريا تنتهج ذات الأسلوب الذي سار عليه نظام حزب البعث العراقي أي بذات الطبيعة القومية الفاشية التي تجعل الجميع في خانة واحدة تمجد القائد وتقدم له الأضاحي .
يوم الثلاثاء المصادف 15-03-2011 ، انطلقت التظاهرة السورية الاولى حيث لبى المئات من الشباب السوري الدعوة للتظاهر في دمشق في سوق ( الحميدية ) و ( الحريقة ) والتي حملت ( الثورة السورية ضد بشار الأسد ) وتطالب بالحرية ! ، استشعر النظام السوري خطرها الكبير واستنفر كل الاجهزة القمعية ( الامنية والمخابراتية ) فأعتقل المئات منهم ، في 18-03-2011 ، عمت المظاهرات اغلب المدن السورية ، فكانت جمعة (الكرامة ) ولحقتها جُمعات ( ألعزة ، سقوط الشرعية ، بركان حلب ، لا للحوار ، اسقاط النظام ) استنتاجأً واستلهاماً لإنتفاضات ثورية في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن ، من اجل احتواء تداعيات الموقف واتساع الصراع بين المنتفظين والنظام السوري ، واصل النظام مواجهة الإنتفاضة بالسلاح الثقيل والدبابات والطائرات الحربية والاسلحة الكيمائية والإعتقالات وارتكاب جرائم مروعة بحق الشعب السوري ، تحولت الإنتفاضة الى حرب اهلية طاحنة تدعمها وتمولها دول خارجية بشكل مباشر ( تركيا – قطر – السعودية ) وبشكل غير مباشر ( اسرائيل – امريكا ) وحظى ويحظي النظام السوري بالدعم العسكري والمالي والسياسي ( الروسي – الايراني – الصيني ) وبعض الدول العربية ( العراق – الجزائر ) ومنظمات مسلحة كحزب الله اللبناني و وميلشيات عراقية مسلحة ، بعد ثلاث سنوات ونصف من الصراع الدموي الاهلي ( الطائفي ) والجرائم التي ترتكبها اطراف الصراع جميعها ترتب عليها :
1-اكثر من 150000 مائة وخمسون الف قتيل سوري ، 210000 مائتان وعشرة الف معتقل سوري ، وهناك اكثر من 42000 اثنان واربعون الف مواطن سوري ما بين مغيب ومفقود .
2- اكثر من سبعة ملايين مهجر ونازح ولاجئ سوري في الداخل والخارج .
3- تدمير البنى التحية المدنية والعسكرية ومؤسسات الدولة السورية ( حلب ،درعا ، حمص ، دير الزور ) والمدن والبلدات في دمشق وريف دمشق ( الغوطة الشرقية والغربية ، حرستا ، داريا ، القدم ، مخيم اليرموك ، الزبداني ، …….. ) .
4- فقد النظام السوري 40% من الاراضي السورية ، ويفقد يومياً الارض لصالح القوى الارهابية من تنظيم الدولة ( داعش ) وتنظيم القاعدة ( النصرة ) والجيس السوري الحر وتنظيمات مسلحة سورية كثيرة . كل المنافذ الحدودية خارج سيطرة الدول السورية وبالاخص المناطق المحاذية لتركيا والعراق .
في ظل حالة الصراع والحرب الاهلية السورية الدموية والجرائم المرتكبة التي يقترفها النظام السوري والقوى الارهابية والحدود المفتوحة بين سوريا والعراق ووصول اعداد كبيرة من المقاتلين الاجانب وزيادة مستوى العنف ، بات المشهد اكثر تعقيدا لابعاده الإقليمية والدولية لما يشكله استمرار النظام السوري والخطر الحقيقي للإرهابين في سورية والعراق وتأثيرها على الأمن والسلم الدوليين ، الصراع والحرب الاهلية استدعت الولايات المتحدة لتشكيل تحالف دولي كبير لمواجهة خطر تنظيم الدولة الأسلامية في سوريا والعراق وهي بصدد ارسال المزيد من قواتها ودول التحالف للمنطقة والعراق والاستمرار بالضربات الجوية لمواقع وقواعد تنظيم الدولة- داعش – الارهابي وتنظيم القاعدة . إنّ استخدام القوات العسكريّة الأمريكيّة ضدّ قوّات “داعش” لم يعد أمرا ً ممكن تجنّبه. فبدون الدّعم العسكري الأمريكي سيواجه العراق والمنطقة بأكملها فترة طويلة من العنف وعدم الإستقرار، الأمر الذي قد يجرّ دولا ً أخرى للصراع بعواقب خطيرة.
النظام السوري من مخلفات الحقب الفاشية والنازية ، أكل الدهر عليه الزمن وشرب ، زمن الفرد الواحد والحزب الواحد أصبح جزءاً من التأريخ ، المنطق والعقل يقول ان هذا النظام العفن لا بد ان يسقط ويرحل … الشعب السوري جائع لكل شئ الخبز والديمقراطية والحريات ، استمرار السلطة الفاشية السورية بالحكم وطبيعة المواجهات والصراع اليومي يتطلب من روسيا الاتحادية والحكومة الايرانية وجمهورية الصين موقفاً عقلانياً و ايقاف دعمها ومساندتها لنظام بشار الاسد ، احتفاظ بشار بالسلطة سيرسخ وجود متشددين وممثلين لمنظمات ارهابية وسيدفع المنطقة ( العراق – سوريا ) الى ساحة صراع دموي كارثي ، يذهب الكثيرون من المحللين والخبراء الى ما ابعد من الصراع الحالي ، قائلين انه يجري الآن محو نظام الدول القطرية الذي وضع في العام 1916 ( سايكس – بيكو ) في اعقاب الحرب العالمية الاولى لخارطة سياسية وجغرافية جديدة ، المنطقة تخضع لمتطلبات مشروع الإدارة الامريكية في العراق وسوريا ، وتنفيذ المخطط يستدعي المزيد من العنف والصراع المسلح مما يسمح بتقسيم العراق وسوريا طائفيا وعرقيا .
سوريا والشعب السوري يستاهل نظام وطني ديمقراطي على انقاض نظام استبدادي قمعي مجرم . المجتمع الدولي والامم المتحدة مسؤولة مباشرة بمساعدة الشعب السوري وتخليصه من نظام بشار الاسد .
(وتشكل الحرب الأهلية في سورية تهديدا عالمياً، بفعل التوترات الطائفية الخطيرة، والتنقلات الجماعية للاجئين، والفظائع اليومية، والقلاقل المستشرية. وجميع القيم التي نمثلها، وأسباب وجود الأمم المتحدة كافة، أصبحت على المحك في ساحة عصف بها الدمار، هي ساحة سورية اليوم. وقد آن الأوان منذ وقت طويل للمجتمع الدولي، وبخاصة مجلس الأمن، لأن يتحمل مسؤولياته.