23 ديسمبر، 2024 4:40 ص

قضية الموصل،محلية الخطاب الاعلامي وعالمية الحدث

قضية الموصل،محلية الخطاب الاعلامي وعالمية الحدث

ليس جديدا عندما نقر بأن الاعلام بات يقود العالم ويسير به بالاتجاه الذي يخطط له ساسة الدول الكبرى والشركات الاقتصادية العملاقة التي تتحكم من وراء الستار بالقوى والشخصيات التي تمسك بمفاتيح السياسة الدولية،وأن التنافس اصبح شرسا جدا مابين الاطرف الدولية المتصارعة في ميادين الاعلام المرئي قبل ان يكون في ميادين القتال التقليدية،وان المعركة باتت تبدأ على شاشة الفضائيات بوقت مبكر جدا بين هذه القوى قبل ان نشهدها على الارض.

فالأولوية الآن في حسابات القوى الكبرى المهيمنة،تكمن في تهيئة اذهان وعقول الرأي العام لتقبُّل الحقائق المرسلة الى المتلقي بصيغة اخبار وتقارير وصور حتى لوكانت ملفقة أو مزيفة،فالمهم بهذا الصدد الضغط المتواصل والالحاح في بث الرسالة بقصد السيطرة على العقول وقطع الطريق امامها حتى لاتفكر وتحلل وتستنتج،في مقابل تعبأتها بحفنة معلومات مسوَّقة بطريقة ذكية،وليس بالضرورة ان تكون صحيحة،بل الأهم أن يتم انتاجها وصياغتها بشكل مقبول وجذاب ومؤثر وفق احدث التقنيات والاساليب في وسائل الاتصال الاعلامية والفنية حتى وإن لم تتوفر فيها ادلة منطقية.وهذا ما ادركته ايضا التنظيمات المتطرفة مثل داعش عندما بدأت تولي اهمية قصوى لهذه العناصر الفنية في كل رسالة تبعثها الى العالم وامست تتوفر فيها كل عناصر البناء الفني من سيناريو مكتوب بحرفية عالية الى اخراج يحاكي الافلام الاميركية التي تتوفر فيها عناصرالشد والتشويق والايقاع المحسوب والمونتاج السريع الى استعمال احدث الاجهزة والمعدات التقنية من كاميرات واجهزة اضاءة وكرين وشاريو وستيدي كَم.

وسط هذه المعركة الاعلامية بكل شراستها وحداثتها نجد الخطاب الاعلامي لقناتي الموصل ونينوى الغد ــ وهما موضوع مقالنا ــ في خطوطه العامة وتفاصيله،يكاد أن يكون متشابها من حيث بدائيته ومحليته وانعزاليته عما اشرنا اليه من تحولات في ميدان صناعة الاعلام،وهو بذلك يفتقد الى ابسط المفردات الفنية التي تتجاوب من حيث الشكل والمحتوى مع ماهو حاصل من

تطور في الميدان الاعلامي محليا وعربيا وعالمياً،سواء في صياغة وتقديم الاخبار أو حتى بمذيعي ومقدمي البرامج الحوارية،ونجد أن معظم مايقدم فيهما من اخبار وبرامج مفتقدا الى ابسط شروط الاعداد الجيد،اضافة الى غياب العناصر الفنية الكفوءة خاصة في ادارة الحوارات.

بهذه الصورة تبدو القناتان على مسافة بعيدة جدا من قضية كبيرة ذات اهمية دولية -وليست محلية – مثل الموصل،تداعياتها الأمنية لا تنعكس على العراق والمنطقة العربية فقط بقدر ما يتجاوز تأثيرها الى العالم اجمع وهو يواجه تحدي جماعات الاسلام السياسي،خاصة بعد أن اصبحت المدينة عاصمة الخلافة الاسلامية لدولة العراق والشام حسب مازعم التنظيم وباتت تشكل مركز امبراطورية الجماعات الاسلاموية وبوصلتها التي تتجه اليها،وهذا يفرض بالتالي على ادارة القناتين تجاوز لغة واساليب الخطاب المحلي والارتقاء به الى مستوى اهمية الموصل ــ مدينة وقضية وحدثا ـ في هذه اللحظة من الصراع .

بهذا السياق نلاحظ وفي خضم الاستعدادات لتحرير المدينة ــ حيث تطوع اكثر من 000 / 0 2 الف متطوع من ابنائها ومضى على التحاقهم في معسكر التدريب عدة اشهرــ أنَّ قناة نينوى الغد تعرض لنا برنامج وثائقيا عن قرب نهاية العالم وتعيد بثه يوميا أكثر من مرة ويعتمد البرنامج على فرضيات ونصوص غيبية تخلو من اي منطق ونظرية علمية !!! بل ان المستندات النصية التي يعتمد عليها الفلم هي ذاتها التي انتجت التنظيمات المتطرفة الاسلاموية !

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا:ماهي الرسالة التي تريد ان توصلها القناة للمواطن الموصلي الذي ينتظر يوم التحرير بفارغ الصبر،سواء الذي يعيش مختطفا تحت سلطة داعش داخل المدينة أو ذاك الذي يعيش نازحا ومهجرا؟ اظن ان رسالتها تريد ان تقول له بأن:ينبغي عليك الاستسلام للقدر،وأن لاتنتظر يوم التحرير ولا الحياة بعد الآن،لأن يوم القيامة بات قريب جدا . . !

قناة الموصل هي الاخرى ليست بحال أحسن في خطابها وبُعدها عن الواقع من قرينتها نينوى الغد،فهي الاخرى مازالت عاجزة عن تحقيق تواصل حقيقي وفعال مع المواطن الموصلي بالشكل الذي يضعه في إطار صورة واقعية لما جرى ويجري وماسيجري حوله،وصولا الى بعث مشاعر الأمل والانتفاض على ماهو فيه من بؤس تحت سلطة الخلافة،أواعطائه جرعة أمل توصله الى قناعة بأن يوم التحرير بات على بعد خطوة منه .

إلاّأننا نجدها على العكس من ذلك تعرض لنا حوارات لاقيمة لها مع اشخاص لاوجود ولاقيمة لهم في الوسط الثقافي والفني العراقي،وتعيد بثها عشرات المرات !. فما جدوى بث هذه الحوارات ؟وماذا ينتظر منها المواطن الموصلي الآسير والمعتقل في بيته ومدينته ؟ ماذا ينتظر منها المُهجَّر من بيته ويعيش تحت قسوة البرد في الخيام ؟ بماذا تعنيه حوارات تتحدث فيها شخصيات مغمورة عن انجازات فنية لاوجود لها ؟ هل ستبعث فيه حياةً باتت تموت في عروقه يوما بعد آخر ؟ هل سترسم له طريقا مشرقا لمواجهة مايعيشه من قهر ؟ومَن هذه الشخصيات التي لاأحد يعرفها حتى يصغي لها مواطنا تعيسا يشعر بالغربة والوحدة في وطنه وهو ينتظر تحت الخيام ساعة الخلاص من هذا الجحيم الذي يصطلي به ؟ ولو كان حديث هؤلاء الضيوف المتحاورين يتعلق بواقع مدينتهم ومااصبح عليه بعد العاشر من حزيران 2014 بكل تعقيداته وخطورته لكانت تلك الحوارات مقبولة وذات جدوى .

ليس من المنطقي أن يكون خطاب قناتين فضائتين على هذه الصورة،خاصة وان تأسيسهما قد جاء تحت ذريعة الدفاع عن الموصل والمساهمة في تحريرها،فإذا كانت ادارة القناتين قد اعتمدت على فريق عمل عاجز عن تحقيق تواصل مع المتلقي الموصلي المقهور فكيف الحال مع عموم المتلقين في العالم ؟ كيف يستطيع مثل هذا الخطاب ان يكسب الرأي العام العربي والعالمي الى قضية تحرير المدينة والوقوف الى جانب اهلها وايقاف ما ينتج عن سقوط الموصل من تداعيات محلية وعربية ودولية ؟ وإلاّ قد يكون لديها اهدافا اخرى لانعلمها ؟