كُلنا يعلم أن الماء الجاري، هو الذي يمتلك مقومات الحياة، أما الماء الرأكد يمكن أن نطلق عليه، اي اسم الأ الماء كونه فقد خاصية الحياة وأصبح ميت سريرياً، لأنه أصبح مستنقع ومستوطن للطفيليات والفطريات، عكس ذلك الجدول الذي يتدفق بسلاسة، وأنسيابية عالية، فلا يصمد أمام تياره القوي أي شائبة.
مثله مثل القضية الخالدة، المتجددة، التي تولد كل مرة واكثر من مرة، فهي قضية حية، متفاعلة مع الناس وقضاياهم، دائمة الاتقاد، لها جذوة مستعرة هي سر خلودها، أما ما عداها من القضايا، فلا تعدو ان تكون قضية موسمية، او صرعة كما يعبر عنها بالمفهوم الحديث، فلا تؤثر كزوبعة في فنجان سرعان ما تظهر، وتعود لتختفي، وعند عقد مقارنة عابرة بين القضايا الخالدة وماعداها من القضايا “القضايا المؤقتة” نجد؛
اولاً/ ان القضايا الخالدة غير قابلة للمشاركة، سجل البشرية بخل بتلك النوعية الخاصة من الافكار والقضايا، فلم تصمد أمام السيل العرم للأيام والسنون، الأ قضية واحدة تملك من العمر ألف واربعمائة عام، ويقدر لها ان تعمر مثلها او يزيد الى أن يشاء الله هي قضية الأمام الحسين عليه السلام، اذ بقيت بنفس القوة والحماسة منذ يوم عاشوراء الى يومنا هذا!
هي قضية خُلقت للطامحين اصحاب الهمم العالية.
من منا لم يقرأ او يسمع عن ملحمة كلكامش؟ وبحثه الدائم عن الخلود، بغض النظر عن كونها أسطورة أبتدعها الأنسان القديم، الأ انها حملت الكثير من المعاني السامية، منها الخلود، ولما كان للأنسان عمراً محدداً، وعند بلوغ خلاياه الحد الادنى من العطاء، تبدء بالهدم والهرم وهكذا حتى يموت، لذلك ففكرة الخلود المادي للانسان من المستحيلات السبع.
الأ ان الخلود المثالي، او ما يعبر عنه الخلود المعنوي، لا يتم للانسان الأ بخلود المبدء والقضية التي يعتنقها ويعتقد بها حد الذوبان، على هذا الاساس وبهذه الحالة يخلد الانسان الفاني ولكن أي انسان؟
علي هذا الوتر المشدود والحساس ضرب الأمام الحسين، لأنه فهم معادلة الخلود بمعطياتها ونتائجها، وأتم تلك المعادلة حتى اخر رمق و قطرة دم، ولأن الرسالة المحمدية هي رسالة خالدة الى نهاية الزمان والمكان، فهي بحاجة الى عملية تحفيز مستمرة، يقول زيج زيجلر”يعتقد الناس عادة ان التحفيز لايدوم للأبد حسناً، ولا يستمر الأستحمام كذلك للأبد لهذا السبب ننصح به يومياً”.
لذلك كانت القضية الحسينية أشبه بعملية تقويم وتصحيح للدين والمعتقد، فهي بتجددها في كل عام تنقي الأسلام من الخرافات والخزعبلات، وتقوم الأعوجاج وصار الأمر واضح في أنحسار الكثير من المماسات الشعائرية الخاطئة والتي تحسب بالضد من المذهب او الدين والاسلام، فالقضية الحسينية بجريانها المستمر وتدفقها، تعمل بمبدأ كل ما هو متحرك فهو حي وكل حي قابل للتعديل والتغير والتطوير والتقويم.
ثانياً/ان القضية الخالدة وجدت لتبقى وتخلد، أما القضية الأنية وجدت لتموت وتشغل حيز من الفراغ لبعض الوقت.
ثالثاً/القضية الخالدة في نشاط دائم، وعطاء مستمر، وتجدد لا ينقطع، أما ما عداها من القضايا فهي في نشاط في اولها ثم تسير نحو الخمول والجمود حتى التلاشي والاختفاء.
رابعاً/القضية الخالدة لاتنسى، خالدة في العقول والاذهان والنفوس، اما النوع الاخر من القضايا فهي قضايا سرعان ما تنسى وتحل محلها قضية اخرى.
ان القضية الحسينية تمثل اكسير الحياة للامة فهي من تمد المجتمع بالنشاط والديناميكية المستمرة، فهي الفاعل والناس هم المفعول بهم، في حين تبقى القضايا الاخرى اسيرة الفاعل ومنتظرة له ومتوقفة عليه، لذلك تبقى القضايا الخالدة خالدة بذاتها، أشبه بوتد ثابت في الارض اما القضايا الاخرى فمتغيرة، والصيرورة هي سمتها الثابتة، ننتهي الى نتيجة ان القضايا الخالدة هي القضايا الأمنة التي يمكن للانسان ان يلجئ اليها فهي الخلاص الوحيد، في زوبعة الافكار المتغيرة والسطحية .