1
حين يتحول العالم إلى قرية الكترونية صغيرة
نحن في العراق علينا أن نشكر السيد مارك زوكربيرغ مؤسس موقع الفيس بووك الذي فتح لنا كل ابواب العالم التي كانت موصودة بوجوهنا منذ زمن طويل فقبل غزو تكنلوجيا المعلومات بكل صنوفها ومنها برنامج الفيس بوك الذي أنشأه رجل الأعمال الأمريكي مارك زوكربيرغ كنا نحن القاطنين في المنطقة الأكثر خطورة وسخونة بالعالم منطقة الشرق الأوسط نعاني من مشكلة التواصل الإجتماعي مع المحيط الإقليمي والعالمي وكانت علاقتنا الإجتماعية محصورة في حدود معينة لا تتعدى أصدقاء المدرسة والجيران والأقارب وكان في محدودية هذا التواصل والعلاقات الإجتماعية أسبابه المعروفة ومنها إن المواطن العراقي وخلال أكثر من عقدين من الزمن وفي الفترة الممتدة من العام 1980 وحتى 2003 تاريخ سقوط النظام (البعثي – الصدامي ) عاش ظروفاً صعبة وتعرض إلى شتى أنواع التضيق التي حرمته من أبرز حقوقه المدنية ومنها السفر أو الإتصال بالإصدقاء خارج العراق حيث كانت توضع الكثير من العراقيل والممنوعات في وجه كل من يبتغي السفر خارج العراق باستثناء حالات إنسانية معينة كالمرض أو أداء مناسك الحج أما الإتصالات الخارجية فإنها جميعاً كانت تقع تحت مراقبة شديدة من قبل أجهزة الدولة الأمنية .
لذلك كان ظهور موقع facebook ) ) المجاني الذي رافقه إنتشار واسع لمستخدمي شبكات ( net work ) فرصة لا تعوض بالنسبة للعراقين ومن مختلف الأعمار والإتجاهات الفكرية والسياسية والثقافية وأصبح العراقي يدرك بعد دخوله هذا العالم الإفتراضي أن العالم بحق تحول إلى قرية ألكترونية صغيرة وليس بالتعقيد والخطورة التي كان يتصورها قبل استخدامه لهذه الشبكة العنكبوتية الهائلة بخزين لا ينضب من المعلومات وفي شتى المجالات العلمية والتاريخية والسياسية والموسوعية والدينية وتحولت الصداقات بيننا وبين أبناء سكان المعمورة إلى موارد متدفقة من المعلومات وكذلك لتبادل الآراء والمعارف وفي بعض الأزمات تحولت هذه الصداقات إلى التوحد في اتخاذ العديد من المواقف مما يحدث بالعالم كقضية فلسطين وأفغنستان وما حصل من أزمات حادة إثر التغيرات التي حصلت ورافقت ما يسمى ب ( الربيع العربي ) وما يحصل اليوم من تحديات إرهابية في العراق وبعض دول المنطقة .
لقد منحنا مارك زوكربيرغ الفرصة في الخروج من القمقم الذي حبسنا فيه النظام الدتاتوري لسنوات طويلة والتطلع إلى العالم الخارجي بحرية والمشاركة فيه بحيوية ونشاط من خلال الكثير من الصفحات التي تعنى بمجاميع الاصدقاء ( الگروبات ) وكذلك الصفحات التي تهتم
بالعطاء الفكري والثقافي ولأول مرة أصبحنا نشعر بطعم الحرية الفردية والتفكير خارج جدران سجون أنظمة الحكم .
2
الفيس بوك وصناعة العملاقة
في العراق هناك موضة جديدة أبطالها بعض مستخدمي موقع التواصل الإجتماعي الفيس بوك وهؤلاء يبدو أنهم لم يتعودوا العيش السوي مع من يحيط بهم أو يشاركهم حياتهم سواءاً في أرض الواقع أو من خلال هذا العالم الإفتراضي عالم الفيس بوك فتراهم يتفنون في إبراز شخصياتهم المتواضعة في كل مجالات العطاء ليحولوها إلى شخصيات تبدو لمن يقترب منها أو يتعايش معها أشبه ما تكون بالشخصيات الكارتونية أو الشخصيات العجائبية في الأفلام الهندية .
فالواحد منهم مثلاً حين يتحدث إليك يتعمد استخدام الكثير من المصطلحات المعقدة وصعبة الفهم وبدل أن يوصل لك أفكاره بطريقة سلسة ومفهومة فإنه يسلك أصعب الطرق وأعقدها كي يجعلك تفهم ما بجعبته من أفكار أما حين تتحاور معه في موضوع ما فإن طريقة تناوله لذاك الموضوع تجعلك حائراً فيضيع الموضوع مرة بين كارل ماركس ونيتشة ومرة بين هوبز ومارك لينك أما حين تحدثه عن العلامة علي الوردي أو حسين محفوظ أو الجواهري فإنه سيهز لك يده مستهزئاً من مواضيعك المحلية البائسة !!
البعض من هؤلاء حصل لي لا أقول الشرف في التعامل معهم وكان بعضهم يحلو له أن يبروز أسمه بمصطلح ادبي أو معرفي مثل الكاتب الفلاني أو الناقد الفلاني أو الإعلامي الفلاني أو الأستاذ الفلاني وكأن هذا التضمين ضروري ليكمل هذا الشخص ما يفتقده من وجاهة إجتماعية وأدبية وعلمية على أرض الواقع وكم أسفت مع نفسي حين وضعتها في موضع لا تحسد عليه حين سمحت لنفسي أن أكون في صفحة واحدة مع هؤلاء الذين لا يصح أن نقول عليهم غير أنهم نكرات بكل ماتعني الكلمة من معاني نعم فهم نكرات في شخوصهم وفي تعاملهم مع الناس وفي كل ما يقدمون من نتاج فكري وأدبي فهم يتوهمون العملقة في الصورة وفي الأسم واللقب وفي الغرور المفتعل وفي كثرة الأصدقاء لكنك حين تتصفح صفحاتهم وما يسطرون عليها ترثي لهم حالهم البائس وما هم فيه من بؤس وما تنتجه أدمغتهم الضيقة من أفكار ليس أسوئها التصدي للضعفاء والإبتعاد عن شر الأقوياء كما في عالم السياسة .
ربما علينا أن لانتمادى في تواضعنا مع أشخاص مثل هؤلاء وأن نشخصهم بأسمائهم ونوضح لهم حجمهم الطبيعي فهؤلاء مساكين لأنهم لم يجدوا من يقول لهم رأيه فيهم بكل صراحة ووضوح وذلك جزء من مشكلتهم التي بحاجة إلى علاج فيسبوكي ربما وليس علاج طبي فالعملقة ليست في منشورات على شاكلة ( شكو ماكو ) أو التباهي في مصطلحات العولمة
والحداثوية بل العملقة في أن تكون كما أنت وكما تفكر وفي تعاملك الإنساني والأدبي مع أصدقائك وأبناء جيلك هذه هي العملقة .
3
حرية فردية أم حياة افتراضية
أن تكون في عالم واقعي ساكن وهاديء ومرتب كل شيء مرسوم به بعناية تمارس حقك الطبيعي في هذا العالم الإفتراضي الفيس بوك في النشر والعلاقات المحترمة ومطالعة كل ما ينشر من معلومات وأخبار وفجاة يتزلزل هذا العالم الساكن تحت أقدامك ويقتلع من جذوره ويتحول يومك الهاديء إلى ساعات طويلة من القلق والإنتظار لا لشيء سوى لأن احداهن من من النساء السيدات أو الآنسات أعجبها أن تغير الشخص الذي ترتبط به كما هو الحال في موديل السيارات أو الموبايلات الرائج هذه الأيام فتقع عينها على صفحتك أو أسمك أو صورتك فتعجبها حينها ستجد الاف المبررات والأسباب لتخترق حياتك الهادئة وتحولها إلى جحيم من الشقاء والإنفعالات الدائمة التي لن تنتهي تبدا الحكاية بطلب الصداقة وبعد الموافقة تبدأ سلسلة المقدمات التي لن تنتهي إلا وأن تكون قد سقطت في فخها الذي رسمته بحنكة والذي ليس له تجارب مع هذه النوع من نساء الفيس بوك يسقط بسهولة ويكون فريسة سهلة وسريعة الإصطياد .
يكون التمهيد بمجموعة إعجابات ثم تعليقات لجس النبض واكتشاف مواضع الضعف والخلل في الشخص المقابل ثم يليها الدخول على الخاص وكلمات شكر قليلة لكنها ملغمة بالإثارة والدعوة المفتوحة للمحادثة وحين تتمادى بالحديث تبدأ الشكوى من الوضع المأساوي الذي تعيشه المسكينة بين زوج يتجاهلها طوال اليوم وهو مشغول بعمله أو علاقاته العاطفية دون أن يلتفت لها أو حتى يمنحها حقوق الزوجية المتعارف عليها وبين الأولاد ومسؤولية تربيتهم والإعتناء بهم ثم تلمح لك إلى ما ما تعيشه من فراغ عاطفي وجسدي كبير .
هي تعودت اقتناص رجال مثل هؤلاء لتشغل الفراغ العاطفي والنفسي الذي تعيشه والذي يكون سببه في الغالب الأزواج الذين تعودوا أن يلعبوا نفس اللعبة بل أن البعض ممن عرفتهم من على صفحات الفيس بوك كان يدفع بزوجته وعلى مرأى ومسمع منه في أن يكون لها صفحة سرية خصة بها من غير أن تعلن أسمها الحقيقي وهويتها الواقعية وبلا صور شخصية كي تمارس حياتها السرية وتشبع ما تفتقد في حياتها الزوجية الواقعية وذلك بالنسبه له لا يضره بشيء مادامت الزوجة لم تعلن عن شخصيتها الحقيقية ومادامت لا تنغص حياته وعلاقاته المشبوهة .
تستمر الملاحقات والإيحائات حتى تسرقك من كل عالمك الذي تعودت أن تعيشه وتصبح أسير انتظارها ومعلق على التعاطف مع مأساتها ومشاكلها حتى تكون تحكم قبضتها عليك حينها لن يكون هناك مفر من التخلص منها .
لكنها في كل مرة حين تتحول علاقاتها مع أحدهم إلى علاقة حب عاطفية حقيقية من طرف الرجل تحاول هي أن تجد لها عشيق جديد يلبي لها رغباتها بعيداً عن العاطفة والحب والشك
والغيرة وطللبات الحب التي لا تنتهي حينها تتحول فجأة إلى أخ وأستاذ وتبدأ المخاطبات تاخذ طابعاً رسمياً وتحاول أن تفهمك انها ببساطة كانت مخطأة وعادت إلى رشدها وزوجها وأطفالها وإنها تريد ان تكفر عن كل ما ارتكبته من خطيئة شرعية وأخلاقية معك وبحق زوجها واطفالها فتحاول أنت العودة إلى عالمك القديم عالم الهدوء والسكينة الذي افتقدته خلال رحلتك مع الصديقة التي تحولت إلى عشيقة ثم إلى أخت وعليك أن تنجح لأنك إن فشلت فأنك كمن يطلق رصاصة الرحمة على نفسه .
4
الفيس بوك دعوة للتصالح الإجتماعي
إذا كان عالم الفيس بوك عالم بلاحدود فإنه بالتاكيد عالم بلا طائفية أو ثنية دينية أو أي نزعة عنصرية ففي هذا العالم عليك أن تتصالح مع نفسك أولاً قبل أن تفكر بالتصالح مع العالم فالعالم اليوم وحتى عالمنا الإفتراضي هذا لا يحتمل القتلة والمجرمين والمروجين للعدائية والكراهية حتى وأن امتلئت صفحات الفيس بوك بهم فانهم منهزمون في آخر المطاف لأن العالم السلمي هو مصيرنا الذي لابد منه ومهما امتلكنا من وسائل القوة والإنتشار والدعم فإننا إن لم نوجهها بطريقة تصالحية صحيحة فانها ستكون خاسرة .
العالم اليوم أمام تحديات مصيرية كثيرة ليس الأسوء منها هذا الظهور السريع والقوي للجماعات المسلحة التي جعلت من الدين الإسلامي غطاءاً لها وجعلته شعارها وهي تقتل وتدمر وتقصي وجعلت من آيات وسور المغفرة والرحمة والتودد براهين للقتل والذبح ولقد وجدت هذه الجماعات وللأسف الشديد من على صفحات الفيس بوك من يروج لها ويدعمها بحجة انها تمثله وتمثل مشروعه الطائفي فلن تمر على صفحات الفيس بوك دون أن تصطدم بهذه الصفحات وما تنشره من صور مروعة للقتل والضحايا والتدمير الذي يطال كل أرض تطأها أقدامهم .
الفيس بوك صفحات للتواصل الإجتماعي وليس التقاطع الإجتماعي والفيس بوك صفحات لبناء علاقات صحية تقوم على الصدق والثقة والإحترام وليس على المصالح والإنتهازية وإشباع الرغبات والفيس بوك صفحات لتمتين العلاقات الأسرية وليس لتمزيقها وتهديم كيان الأسرة والفيس صفحات لإبداء الرأي والرأي الآخر وليس الإقصاء والفيس بوك واحة لنشر الإبداع والثقافة الحرة والمعلومة المعرفية وليس مستنقع لنشر الرذيلة .