كلمة الإنسان اشتقت من المؤانسة ، أي طبيعة بني البشر أن يأنسوا بإخوانهم الذين يعيشون معهم على هذه المعمورة ، وقد بعث الله سبحانه وتعالى الأنبياء والرسل محملين بالشرائع السماوية من أجل بناء مجتمعات متحابة سعيدة لتتجه الى عبادة الواحد القهار بكل جوارحها ومشاعرها وهذا هو الهدف الحقيقي الذي من أجله خلق الله سبحانه وتعالى الخلق وهو العبادة والتوحيد له وحده لاغير ، وقد أكد الإسلام على بناء المجتمع القوي السعيد وأنطلق من إحترام الوالدين وجعل الجنة تحت أقدام الإمهات وعقوقهم تدخل النيران ، وجعل صلت الرحم والتوادد ما بين الاخوة والأقارب من أهم الأوامر التعبدية حتى قرَنَ صلت الرحم بصلة الله سبحانه وتعالى حيث يقول الحديث الشريف من وصل رحمه فقد وصلني ومن قطع رحمه فقد قطعني ،وفي الحديث الشريف ( .. إلهي فما جزاء من وصل رحمه ؟ قال يا موسى أنسئ في عمره وأهون عليه سكرات الموت ويناديه خزنة الجنة هلم إلينا فأدخل من اي ابوابها شئت ..)..(1) ، وبعد صلت الرحم التأكيد على الإهتمام بالجار والسؤال عليه وتلبية حوائجه المهمة حيث يقول الحديث الشريف (ما أمن بالله واليوم الآخر من بات شبعان وجاره جائع فقلنا هلكنا يا رسول الله فقال من فضل طعامكم ومن فضل تمركم ورزقكم وخلقكم وخرقكم تطفؤون بها غضب الرب )… ( 2) ، والرابط الحقيقي لكل الأوامر الإلهية أعلاه هو قضاء الحوائج فهو السلسلة التي تربط مابين النواة الأساسية لبناء المجتمع وهي الاسرة ومايحيط بها من اقارب وجيران الى المجمتع الواسع ، بدون قضاء الحوائج لا يبنى المجتمع ولا تظهر حقيقة نتائج طاعة الوالدين أو صلة الرحم أوالإهتمام بالجار ، فقضاء الحوائج هو الرابط الحقيقي والصلة التي تربط بين كل هذه الأوامر الإلهية لتكوين المجتمع السعيد المتحابب بعضه مع البعض الأخر وهو الهدف الذي تريده السماء لكل المجتمعات البشرية حتى يعبدوا الله سبحانه وتعالى حقيقة العبودية والطاعة ، ومن خلال قضاء الحوائج يحس الفرد بإنتماءه الى المجتمع الذي وقف معه وسانده وساعده في الظروف القاسية التي طرأت عليه ولم يتركه وحيداً تتلقفه المصاعب والآهات ، لهذا فقد أكدت الشريعة المحمدية السمحاء على أهمية قضاء الحوائج ما بين ابناء المجتمع ، وقد بينت النتائج الدنيوية والآخروية لقضاء الحوائج بمئات الأحاديث النبوية الشريفة بالإضافة الى أحاديث الائمة المعصومين عليهمم السلام ، قال الإمام زين العابدين عليه السلام ( من قضى لأخيه حاجة فبحاجة الله بدأ ، قضى الله له بها مائة حاجة إحداهن الجنة ….(3)
قال الإمام زين العابدين عليه السلام (والله لقضاء حاجة أحب الى الله من صيام شهرين متتابعين في إعتكافهما) …. ( 4)
قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام (قال الله عز وجل : الخلق عيالي فأحبهم إلي ألطفهم بهم وأسعاهم في حوائجهم ) …. (5)
قال الإمام ابو عبد الله الصادق عليه السلام ( قضاء الحوائج الى الله عز وجل وأسبابها الى العباد ، فمن قضت له حاجة فليقبلها عن الله بالرضا والصبر )….( 6)
ورد عن المعصوم عليه السلام ( من قضى لأخيه حاجة قضى الله له سبعين حاجة أدناها المغفرة ) …( 7)
( ومن قضى لأخيه المؤمن حاجة قضى الله له يوم القيامة مائة ألف حاجة ، من ذلك أولها الجنة ومن ذلك أن يدخل قرابته ومعارفه وإخوانه الجنة بعد أن لا يكونوا نصابا) …. ( 8)
قال رسول الله (ص) ( من ضمن لأخيه حاجة لم ينظر الله عز وجل في حاجته حتى يقضيها )…. ( 9)
ومن خلال هذه الأحاديث نلاحظ أهمية قضاء الحوائج في بناء المجتمع بل هو القاعدة الرصينة التي تبنى عليها المجتمعات ، فجميع المجتمعات الناجحة يتفشى فيها قضاء الحوائج إن كانت الدولة التي تقوم به أو المؤسسات أو الأفراد وهناك المئات بل الآلآف من الأمثلة على هذا الأمر .
وما الدول المتقدمة والجاليات اليهودية في جميع البلدان وكيف سيطرة هذه الجاليات على العالم بالرغم من أعدادها القليلة وهذا كله بفضل قضاء الحوائج ما بينهم إلا أبسط مثال على ذلك ، فإذا أردنا أن نفوز بالدارين علينا بقضاء الحوائج وإذا أردنا أن نبني مجتمعاً متماسكاً ومتحاباً وناجحاً علينا بقضاء الحوائج وخلاف ذلك يكون الخسران في الداريين ويكون الفشل والحسد والبغض والتباعد والضعف يأكل بمجتمعاتنا ، وقد زرع الإمام الحجة بن الحسن (عج) الأمل أمام كل مؤمن يريد الإلتحاق بالسرب الذي خلقه الله سبحانه وتعالى من رحمته عن طريق قضاء الحوائج حيث يقول عجل الله تعالى فرجه الشريف (إن الله خلق خلقاً من رحمته لرحمته برحمته وهم الذين يقضون حوائج الناس فمن أستطاع منكم أن يكون منهم فليكن)….( 10) .
(1) فضائل الأشهر الثلاثة – الشيخ الصدوق ص88 ، الجواهر السنية – الحر العاملي ص55(2) رسائل الشهيد الثاني – الشهيد الثاني ص329(3) الرسالة السعدية – العلامة الحلي ص135(4) الرسالة السعدية – العلامة الحلي ص135(5) شرح اصول الكافي – مولى محمد صالح المازندراني ج9ص86(6) مشكاة الأنوار – علي الطبرسي ص74(7) الدر المنضود – أبن طي الفقعاني ص105(8) الوسائل ج16 ص357 الحديث 1(9) الأمالي – الشيخ الطوسي ص648(10) البحار ج 53 ص254 طبعة بيروت