توسّلتُ .. و كمْ كنتُ أتوسل بها منذ صباي بعد ما عشقتها؛ بأنّ تجعل القلب هو الحاكم أبداً من دون العقل وآلحواس والأحساس وتوابعها, وكتبت ألف رسالة لتُبقى (قصّة العشق) أصل قضيّتنا وعنوان حُبّنا الأزليّ الذي وحده سيوصلنا يوماً للمعبود الحقيقيّ, وكم حدّثتُها عن تلك (القصة) التي قد تذكرها للآن لأنها تُعَبّر عن ذات العشق الكونيّ وتُمثّل اليوم وبعد نصف قرن من وقوعها ألسّر في محنة الأنسان المعاصر لفقدانه, لأنّها حقيقة تتعدى (الزمكاني) ولم أعد أراها أو أسمعها تتكرّر وكأنها باتت عيباً ونشازاً ومنكراً في هذا الزمن المالح بسبب مسخ القلوب وموت الوجدان, وأصل تلك القصة هي:
(شاباً عاشقاً يلتقي عشيقتهُ بشوقٍ قلّ مثيلهُ كلّ ليلةٍ قاطعاً مسافة طويلة بشق الأنفس لعبور النهر ألفاصل بينهما رغم الأخطار و الأمواج!
ذات ليلة بعد ما إستقرّ في مملكة العشق كان سارحا في آلآفاق يتأمّل كُنه الوجود من خلال عينيها ليرتوي, فجأة سألها عن سبب بروز نتوءٍ على جفنها؟
قالتْ : إنهُ نتوء لحميّ صغير رافقني منذ ولادتي, بأمر الله.
وعند آلرّجوع؛ قالت لهُ مهلاً: إحذر أمواج البحر هذه آلليلة؟
إستغربَ من كلامها متسائلاً؛ كيف ولماذا تُحذّريني ولأوّل مرّة وأنا أعبرها كآلعادة كلّ ليلة كما تشهدين بلا خوف أو وجل!
قالت: صحيح, لكن هذه الليلة تختلف لأنّ نظرتك تغيّرت للحياة فقد كنت تعبرها سابقاً بقوة القلب وآلآن ستعبرها بقوة العين والبدن فقط, و الفرق كبير .. ولذا أخاف أن تغرق!
قال لها بأسفٍ شديد: وكيف عرفتِ ذلك يا ملاكي ؟
قالت: منذ معرفتي بك قبل سنوات و لحدّ الليلة كُنتَ تراني بعين ألقلب ولم تشهد غير الجّمال ناهيك عن نتئ صغير – لكنكَ الليلة بدأتّ تراني بعيّنيكَ من دون البصر القلبي(البصيرة), وتلك النتوءة رافقتني منذ ولادتي, لكنّ سلطان آلعشق آلذي كان يحكم نظرتك لي حال بينكَ وبينَ رؤيته, أمّا الآن فإنّ آلحواس قد حلّت وحَكَمَتْ بدل القلب في وجودك فأحذر البحر لئلا تغرق لأنكَ لم تَعُد مُحصّناً, وحين تخبوا الحواس يحكم القلب فقط ليأخذ العشق دوره و معناه الحقيقيّ للتألق في هذا الوجود.