23 ديسمبر، 2024 9:37 ص

قصور بيضاء في منطقة خضراء

قصور بيضاء في منطقة خضراء

لا أحد يرتدي ملابس خضراء، ولا توجد فيها أشجار إنما قصور بيضاء، ومع ذلك تسمى المنطقة الخضراء! سكان يختلفون بالملبس والمأكل والأسواق والحالة المعيشية والجاه، عن بقية مناطق العراق.
تسأل هناك ولا أحد يجيبك، وكل متسمر على باب قصر، بشعور علوه فوق الناس والقانون، وحريص على سيده، لا يُريد الكشف عن أسرار ومقتنيات وقصور غنمها المسؤول حال تسنمه السلطة، أو لقربه من صاحب الجاه، أو تعرف على سبل الإبتزاز والحصول على العمولات، وحتى من لعق في أواني من تجاوزوا الطغاة، تجده هناك.
المنطقة محاطة بالحواجز والكلاب المدربة ونقاط التفتيش، ولا ترى من خلف الحواجز حتى رقاب الزرافات، ولا أحد يعرف ما يدور هناك، ولم تتكلم عنها تقارير إخبارية ولا إستكشافات كونية، تلك التي جالت العالم، وكشفت شعوب لهم تقاليد خاصة، لكن وسط عاصمة العراق منطقة يجهلها العراقيون تسمى الخضراء.
أُتيحت لي الفرصة في عام 2008م لدخول المنطقة الخضراء، وأول دخولي فاجئني أفريقي ضخم يقتاد كلباً أسوداً، أنزله من سيارة فارهة سوداء مظللة، بعطر فرنسي وهو يلهث من حرارة الصيف.. هذه المواجهة أخافتني وصورت لي أن الكلب سيصب جام غضبه على جسدي، ويفرغ حرارة تموز العراق بأوصالي.
في ذلك الوقت أعطيت باجاً لمدة شهر، لكنه لا يمنع تفتيش الكلب لي صباح كل يوم، ومع شعوري بالخوف، أتوقع أن الكلب سيقطعني في أي لحظة، لأني أعرف طباع الكلاب تهاجم الخائف، فأضع عطوراً كثيرة على جسدي، حتى لا يكتشف الكلب رائحة خوفي.
هكذا فهمت من الخضراء وطوال شهر، أنها منطقة تشعرك بالرعب لكثر الكلاب البوليسية، ونقاط التفتيش والحرس المدجج بالسلاح، وتشعر أنك متهم أمام هؤلاء، وكأني مسافر الى عالم آخر بعيد عن أجواء العراق، ومن ذلك الوقت لا أعرف بل أسمع من غيري أن الخضراء توسعت، ولكل حكومة حاشية ومقربين ومتملقين سكنوا هناك بقصورهم البيضاء، وكل دورة إنتخابية ستتوسع القصور، ولم يتخلى السابقون عن القصور، وكأنها بنيت لشخص لا لموقع حكومي مكلف بخدمة عامة.
لو قارنا قصور الخضراء بالبيت الأبيض، المخصص للرئيس وعائلته، وغيره من القصور الرئاسية في كل أنحاء المعمورة سوى الدكتاتوريات، لوجدت الرؤوساء والنواب والوزراء، يغادرون المنازل حال إنتهاء مهامهم، بينما تجمع الخضراء معظم الرؤوساء والنواب والوزراء، والتجار الكبار المرتبطين بالمسؤولين والنهاب، وأصحاب الباجات والجوازات الحمراء، سوى كانوا بمهمة حكومية أو إنتهت منذ دورات، وما يزال أول رئيس وزراء وثانيهم وثالثهم في نفس تلك القصور الحكومية، وما يزال من وهبوا بيوت هناك يسكنوها بلا إيجار حتى صدر قرار التمليك وبالاقساط والاثمان المريحة، وأمام كل منزل حمايات ومخصصات ونثريات وأجور مولدات، ومشتريات حقيقية ووهمية فوق الخيال.
لا يعلم أي مواطن ماذا يدور في الخضراء، ولماذا ينام سكانها في النهار ويسهرون الليل؟ ولماذا تقام الولائم وتتجمع السيارات تارة هنا وتارة هناك؟
بما أن رئيس الوزراء الحالي خرج من المنطقة الخضراء، وقرر أن يسمع يومياً أصوات العمال وسيارات “كراج العلاوي”، ويقول أن قراره هذا للتقرب من المواطنين، فالشعب يريد معرفة سكان القصور البيضاء داخل المنطقة الخضراء؟ وكيف تم الحصول عليها ووفق اي قانون؟ ولماذا تخرج من هذه المنطقة الجيوب المتورمة والبطون المنتفخة؟ وعلى أن لا يكون فتح الخضراء مجرد فتح شوارع وتبقى القصور البيضاء محاطة بالحرس والكونكريت، وملاذ لكل الصفقات المشبوهة.