23 ديسمبر، 2024 12:08 ص

كي تتعرف على هوية الدولة ومشروعها الاستراتيجي الذي يحقق طموحاتها عليك ان تتفحص دستورها بدقة وصولا لما تريد … صحيح ان دساتير دول العالم الثالث هي منسوخة او مستلة بالعادة من الاعلان العالمي لحقوق الانسان ومن بنود الحقوق والحريات لدساتير العالم الديمفراطي وبالتالي تكون تلك المواد حبرا على ورق حيث هناك حالتين وهي اما انها وضعت لتخرق وبحماس ، وأما جائت جميلة جدا ومستنسخة عموما ووضعت بين ثناياها عبوات ناسفة..فيمكن ان تضع كل الحقوق والحريات في دستورك وتنسفها برمتها بمادة واحدة تستهدف معارضيك كالاجتثاث التي تقيد كل الحقوق والحريات وأحيانا الارزاق.
فعندما يقرأ زائر من القمر دستور العراق مثلا يكتشف في الصفحة الاولى منه ان هناك اغلبية عربية مطلقة فيه اريد اختزالها من خلال عزلها عن محيطها العربي وثقافتة  ولغته لدمجها بعالم غريب لا ترتبط به الا بالعقيدة الدينية والتي هي متغيرة (كونها عقيدة) بينما عروبة الاغلبية المطلقة  واقع حي وليس انتماء او عقيدة ولا هي حتى فكر كما تخطأ الاحزاب العروبية وتسميه (الفكر القومي العربي) فالواقع الحي هو من الطبيعية والبساطة بدرجة انه لا يحتاج الى تنظير او فكر يفسره او يوضحه وهو من البساطة بأنه يوازي بساطة الانتماء للوطن العراقي ذلك الوطن الذي لا يعرف قدرته على تحقيق الاندماج النفسي بين قومياته واديانه ومذاهبه الا بتلمس حقائق كبيرة بقدر ما هي بسيطة كالمصاهرة وأن تجد الكل تهز رؤوسها بنشوة عندما تغنى اية اغنية عراقية ظهرت بين 1921 و2003 سواءا كانت لناظم الغزالي او طاهر توفيق الكردي او عبالواحد كوزجي التركماني ..ولن تهزهم اي اغنية بعد 2003 كون عربه صارو شيعة وسنة وكردهم صارو بارتيين واتحاديين ، والاتحاديين انفصلواعن بعضهم ، وتركمانه لحقو عربه وصارو شيعة وسنة ايضا.. هذا الاختزال كما نعلم جرى لصالح الاحزاب الاسلاموية الشيعية والسنية وكذلك لصالح الاحزاب الكردية. ولا تلوموا احدا 
بينما الدساتير الغربية مثلا لم ولن تقل ان الدولة س او ص مسيحية ، او هي جزء من العالم المسيحي بل تقول الامة الامريكية والامة الالمانية فالدولة، اية دولة هي شخصية معنوية وليست فردا وبالتالي فهي لا تصلي ولا تصوم كالافراد ولا يجوز ان تقول انها مسلمة او مسيحية او انها جزء من العالم المسيحي او الاسلامي ، وكذلك لا تذكر قوميتها كون القوميات غير العربية موحدة وداخل حدودها أو هي متعايشة في وطن ديمقراطي مدني تحت خيمة المواطنة التي نفتقدها ونحن اليها
سأدعوكم لجولة في دروب الدستور الايراني الذي اعده برأيي المتواضع من اكثر دساتير العالم غرابة يليه العراقي ، واقول يليه كون هناك بصمة واضحة للاحتلال الغربي فيه ، ولو ترك الامر على توجهات الاسلامويين لكانت المصيبة اعظم .. ورغم ذلك تجد دستورنا  يتناغم مع الايراني في مفاصل حساسة قاتلة للديمقراطية كمجلس صيانة الدستور الذي منح سلطة اجتثاث المعارضين في ايران وحرمانهم من الترشيح..وهيأة المسائلة والعدالة في العراق التي هي بالاتجاه نفسه .المادة الاولى في الدستور الايراني الذي صوت عليه حسب الادعاء 98% وجزء من الواحد من الشعب الايراني ، وهذه المشاركة الهائلة جائت ((انطلاقا من ايمان الشعب الاصيل بحكومة القرآن العادلة الحقة بعد ثورته الاسلامية المظفرة بقيادة آية الله العظمى الأمام الخميني (قدس)..)).

تكمل المادة الثانية قدسية الحكومة وألوهيتها بالقول ((تفرد الله بالحاكمية والتشريع ..لزوم التسليم لأمر الله …الايمان بالوحي الآلهي ودوره..الايمان بالامامة والقيادة ))
ويستمر النهج نفسه في المادة الخامسة ((في زمن غيبة الامام المهدي(عج) تكون ولاية الامة في ايران بيد الولي الفقيه .ولتعزيز دور الولي الفقيه دستوريا وتحريم هذا الموقع (الديني) على الآخرين لم يرد ذكر القوميات الايرانية بضمنها الفارسية في الدستور على الاطلاق (مسلمين ..مسيحيين..يهود) و(شيعة سنة)..وبما ان المادة 12 تقول((الدين الرسمي لايران هو الاسلام والمذهب الجعفري الاثني عشري ، وهذه المادة تبقى الى الابد غير قابلة للتغيير)) فأن ذلك يعني مسح القوميات ومسح الاسلام غير الشيعي ومسح التشيع غير الاثني عشري وألى الابد ويعود للقول في المادة 13 ((الزرادشت واليهود والمسيحيون هم وحدهم الاقليات المعترف بها )) وفي المادة 14 ((معاملة هؤلاء بالاخلاق الحسنة والعدل ، وتسري هذه المادة _وهنا بيت القصيد_ على الذين لا يتآمرون ولا يقومون بعمل ضد الاسلام وضد الجمهورية)) فهل ان المسلمين ان تآمروا يشملهم عفو عام؟؟انها مادة تحمل في طياتها التهميش كما ورد في دستورنا ان الشعائر الدينية للجميع مسموحة ((بضمنها الشعائر الحسينية))
وللحديث بقية
[email protected]