23 ديسمبر، 2024 11:03 ص

قصتي مع العلامة حسين محفوظ.. بمناسبة ذكرى وفاته : 19/ 1 /2009

قصتي مع العلامة حسين محفوظ.. بمناسبة ذكرى وفاته : 19/ 1 /2009

شهد العراق منذ وقت مبكر ظهور مجالس ثقافية خاصة.. ومنها ديوان “الشعرباف” الذي برز منذ..1920 وديوان “حسينية الربيعي” 1948.. وديوان “ألخاقاني”.. وغيرها كثير.
وكان لتطور الأدب والثقافة في بغداد.. وظهور شريحة من المثقفين المتميزين دفعا أصحاب هذه الدواوين إلى اعتماد بعضها مجالس ثقافية يديرها ويرعاها أديب متمرس ذو حضور اجتماعي.. حتى لا ينتقد ما يطرحه الجالسون.. ولا يثير موضوعه جدلاً عقيماً.. ولذا كان جمهور المجالس من النخبة المثقفة.
بلغ تطور هذه المجالس ذروتها في بداية الثمانينات من القرن الماضي.. حينما بدأت جملة من التكتلات تظهر في بعض المجالس الثقافية بهدف الحوار والطرح.. وتبادل المطبوعات الصادرة خارج العراق.. وبعض النتاجات التي لم تكن السلطة السابقة في العراق تحبذ نشرها.. بسبب طبيعة النص أو شخصية مؤلفها.
وأصبت لكل مجلس طقوسه الخاصة.. فكل مجلس يحرص على تقديم القهوة العربية.. ويمد مأدبة العشاء العربي لضيوفه.. مع حرصه في الوقت ذاته على حضور المجالس الأخرى.. وغالباً ما كانت الجلسات توثق صورة وصوتاً.. وبحسب توافر التقنيات ومســـتحدثاتها في العراق.
وخلال مرحلة التسعينيات من القرن الماضي.. التي شهدت فرض الحصار الاقتصادي الدولي الشامل على العراق.. أصبحت هذه المجالس.. محط أنظار السلطة ومتابعتها بشكل دقيق. بالمقابل كانت هذه المجالس توجه الدعوات الخاصة إلى كبار المسؤولين في الدولة.. سعياً منهما إلى إعلان هذه البرامج وإبعاد فكرة سريّتها قدر الإمكان.

أنا.. وحسين محفوظ.. والمجلس ألخاقاني:
في إحدى أمسيات شتاء 1995 دعاني الصحفي بجريدة الجمهورية سلام الشماع لحضور مجلس ألخاقاني الثقافي..الواقع في منطقة المحيط بمدينة الكاظمية.. ذهبنا سوية لأجد المجلس حافلاً بعمالقة الثقافة.. والأدب.. والاجتماع.. وأساتذة الجامعات.. وبعض الفنانين والصحفيين.. وكان الزحام على أشده.. فالواقفون أكثر من الجالسين.. وليس غريباً أن يسود تلك الجلسة جو من المناقشات والحوارات الغنية بالمعلومات.
وقبيل انتهاء الجلسة دعاني العلامة حسين المحفوظ.. الذي كان يدير الجلسة الى المشاركة بمحاضرة في الجلسة المقبلة.. لبيتُ الدعوة وأبلغتهٌ بموضوع محاضرتي حيث كان عنوانها: (الصراع على السلطة بين عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف).. وهي جزء من كتابي (عبد الكريم قاسم ..الحقيقة) الصادر العام 1990.. رحبً جميع الحضور بذلك.. وأشادوا بالموضوع وعلميتي.
بعد يومين التقيتُ الزميل أكرم علي حسين مدير تحرير جريدة العراق آنذاك.. وجرى الحديث عن المجالس الثقافية الخاصة.. وحدثتهُ عن محاضرتي أعلاه.. فقال كان المفروض أن ننوه عنها في الجريدة.. لكن هناك توجيهات مركزية مشددة من الحكومة بعدم نشر نشاطات المجالس الثقافية الخاصة.
المهم قبل يوم واحد من محاضرتي هذه.. حضرً أحد طلابي القدامى في كلية العلوم السياسية إلى بيتي اسمه (ضاري) لا أتذكر اسم أبيه.. وتحدثً معي عن احترامه وتقديره العالي لأساتذته الأفاضل وأضاف قائلاً: (خاصة أنت أستاذي العزيز).. وأردف قائلاً: أستاذي أرجوكً أن لا تذهب غداً لإلقاء محاضرتكً في مجلس ألخاقاني.. قلتُ له: لماذا ؟ قال: (أنت تحت المتابعة المستمرة.. وينتظرون أية سقطة بسيطة منكً.. لتدخل ولن تخرج !!).. فسألته: (وكيف تعرف بهذه المعلومات ؟!!) ردً عليً: (إنني أعمل في قسم المعلومات في مديرية الأمن العامة).. وسلمً عليً وغادر بسرعة.
لم يكن أمامي سوى الاتصال هاتفياً بسلام الشماع.. المواظب أسبوعياً على الحضور في هذا المجلس.. ليعتذر بدلاً عني بعدم إمكانيتي الحضور.. ومن يومها لم أحضر خلال العهد السابق أي مجلس ثقافي خاص.. فقد علمتُ من نفس الطالب في لقاء أخر إن الصحفي (ي ـ ح) يعمل وكيلاً لدائرة الأمن العامة.. ويحضر كل جلسات تلك المجلس.. وينقل كل شاردة وواردة تطرح فيها ويرسلها إلى دائرة الأمن العامة!!
وتمر السنين.. وفي العام 2010 وأنا أتجول في شارع المتنبي.. التقيتُ الصحفي (ي ـ ح)* صدفة.. فوجدتهُ طائفياً وحاقداً بشكل لا يصدق.. نظرتُ إليه باحتقار.. حاول محادثتي.. فقلتُ له: (لمن ستكتب تقريراً عن محادثتنا هذه).. نظرً إليً بإندهاش.. فقلتُ له:”شنو اشتغلت بالأمن من جديد”..احمرً وجههُ وتركني.
شاهدته ثانيةً صيف 2014 يراجع نقابة الصحفيين فتجاوزته.. وتوجهتُ الى القاعة لإجراء اختبارات الكفاءة المهنية للصحفيين.. حيث إنني رئيس لجنة اختبارات الكفاءة المهنية وما زلت حتى ألان.
لحقني وقال ليً: (دكتور: أنا أقرأ كل خميس مقالتك عن الشخصيات العراقية في جريدة المستقبل العراقي.. أرجو أن تكتب عن شخصية عراقية فذة (……………..).. نظرتُ إليه.. وقلتُ له: (سأكتب عنه لأنه كان من أوائل الطائفيين والسراق للمال العام).. حاول الرد عليً.. تركته.. وهو يدافع عن تلك الشخصية.
بعد شهور نشرتُ حلقة عن هذه الشخصية.. فضحتُ فيها طائفيته المقيتة بالوثائق.. فهو أول رئيس وزراء يتباهى بأنه منعً علنياً المواكب الحسينية بقوة السلاح والنار.. واعتقل ونفى علماء الشيعة في الكاظمية في الثلاثينيات من القرن الماضي.. فقامت الدنيا عليه.. وأخيراً أسقطً انقلاب بكر صدقي حكومته.. فمات كمداً على السلطة.. غير مأسوفٍ عليه.
____________
* لم أذكر اسم هذا الشخص صريحاً .. لأنه مازال حياً.