كان يا ما كان.. كان هناك بلد اسمه الولايات الثلاثة :: (بغداد.. والبصرة.. والموصل) .. تتبع السلطان العثماني في اسطنبول.. وكان السلطان عندما يضوج من احد مملوكيه .. ويصبح هذا المملوك غير مرغوب به في قصر السلطان.. ينفيه السلطان.. الى مكان لا يطاق.. فيرسله والياً لبغداد.. وتصوروا كيف كانت بغداد.. وزيادة على النفي يطالبه السلطان بدفع مبلغ سنوي بقسطين.. الأول يدفعه للسلطان بعد محصول الزراعة الصيفية الذي يجبيه من شيوخ وأغوات العراق.. (أي الإقطاع).. والقسط الثاني بعد محصول الزراعة الشتوية.. لكن مجموع ما يجمعه الوالي؟ لا يسد ما يطلبه السلطان.. فكان الوالي يتفنن بأخذ الضريبة من الناس المساكين..
أما الجندرمة (الشرطة) في هذه البلدات الثلاثة.. فكانت بلا رواتب.. خاصة بسنوات الجدب أو غرق المحصول الزراعي وتلفه.. وياما أكثر سنوات الجدب والغرق.. فكانت الجندرمة تنتظر شهر رمضان حتى يفطروا ويتسحروا مع الأهالي مجاناً.. أو صدقة.. وقبل عيد الفطر بأيام تهجم الجندرمة على الدكاكين التي يجلب أصحابها الملابس الجديدة وغيرها لبيعها بمناسبة عيد الفطر.. وتفرهدها الجندرمة.. وهذا هو راتبهم لستة أشهر..
ثم تنتظر الجندرمة مناسبة الحج.. وقبل أن يبدأ عيد الأضحى بأيام تقوم الجندرمة بصولة جديدة على المحلات وتفرهد كل شيْ فيها.. ومن هاتين الصولتين يجمع الجندرمة رواتبهم لسنة.. (حلوه مال الصولة.. هاي محدثة) .. صحيح إن أصحاب المحلات أخذوا يخفون ما يشتروه في بيوتهم أو في مخازن بعيدة عن الأنظار.. لكن ذلك لن يضيع على عيون وسمع الجندرمة.. فكانوا أيضاً يفرهدوهه بأي طريقة كانت.. تفتيش ضريبة.. الخ..
هكذا كان شعب العراق.. ناس بسطاء لا يزيدون عن مليوني نسمة.. تسودهم البدع والخرافات.. والأمية تضرب في الإطناب.. وكان الملالي هي مدارس العراق التي تقوم بتعليم القران وختمه.. فكان التخلف يدق بالأعناق.. والأمية 100 % .. ومن يدرس.. ويكمل دراسته في الأستانة.. هم أبناء الموظفين وأصحاب الجاه.. وبعض أبناء الشيوخ.. الملزمين بالذهاب للدراسة في الأستانة بأمر السلطان حتى يتخرجوا ويخدموا السلطان.. (يعني شراء وتعين الشيوخ ليس بدعة صداميه.. بل بدعة عصملية)..
هكذا كان العراق بلد متخلف جداً يعيش في عصور الظلام.. لا شوارع.. لا ماء صافي.. لا كهرباء.. لا مجاري.. فقر مدقع.. لا مدارس.. كما كانت تسود المجتمع الخرافات.. (الطنطل.. والسعلوه.. وغيرها).. فكان أجدادنا المساكين يتناوب عليهم ظلم الإقطاع.. ومطاليب الملالي.. وبعض من يسمون أنفسهم رجال الدين التي لا تنتهي مطاليبهم.. وشقاوة الجندرمة.. والحرامية.. والمسلبيجية.. والأمطار تغرق بغداد والموصل والبصرة.. وكانت الأمراض تفتك بالعراقيين.. فلا علاج.. ولا مستشفيات.. ولا أطباء .. ولا عديله حمود.. (شفتوا حال أجدادنا)..
ـ المهم: بعد 400 سنة من هذه الحياة الحلوه.. بدأت أولى خطوات الإصلاح في العراق بشكل بطيء جداً منذ عهد مدحت باشا والي بغداد العام 1869.. هذه بداية القصة.. وسنكملها (بس لحد يزعل.. ولحد يبيع وطنيات.. هذا هو العراق.. كما هو.. لا زيادة.. ولا نقصان)..
ملاحظة: انتظرونا في الحلقة الثانية من: قصة وطن.. (عراق ولاة العثمانيين)!!