منذ أوائل العام 1984 أحلتُ على التقاعد.. وأنا في عنفوان نضجي الفكري.. والجسماني.. والصحي.. وإنتاجي العلمي والعملي
كان عمري آنذاك 43 سنة.. فتفرغتُ للكتابة والبحث.. التي تشكل سمة بارزة في حياتي (السابقة واللاحقة)
فكان من بين مؤلفاتي كتابي الموسوعي: (التعددية الحزبية في العراق 1908 ـ 1968).. وقبل دفعه للطبع.. بدأتُ بنشره كحلقات أسبوعية في جريدة القادسية وبالعنوان نفسه: التعددية الحزبية في العراق
يبدو إن عنوان حلقاتي هذه.. أزعجت رئيس النظام.. ففي 17 ايلول 1991 نشرت الجريدة الحلقة (16) تحت عنوان: صفحات من تاريخ العراق المعاصر
صباح اليوم التالي ذهبتُ إلى مقر الجريدة لأستفهم أسباب تغيير العنوان.. وأسلمهم الحلقات المتبقية.. وما أن وصلتُ إلى غرفة الزميلين (هاني عاشور وأحمد عبد المجيد).. حتى أشار إليً الأخير بالذهاب إلى رئيس التحرير الزميل أمير الحلو
استقبلني رئيس التحرير بالترحاب.. وقبل أن أسألهُ أخرج من مكتبه قصاصة ورق.. وقرأها جاء فيها
إن السيد الرئيس زار أول أمس وزارة الإعلام.. وتحدث في أمرين.. الأول: إن جريدة القادسية تنشر موضوعاً عن (التعددية الحزبية في العراق).. لا اعتراض على المضمون.. لكن اعتراضنا على عنوانه
وأضاف صدام قائلاً: (ليس في تاريخ العراق تعددية حزبية.. نحن سنقيم التعددية الحزبية) .. انتهى كلام صدام
عقبً أمير الحلو قائلاً ليً: تم تغيير العنوان بأمر الوزير ……… من جانبي لم اُسلم الحلقات المتبقية.. وانتهى الموضوع.. لأتوقف عن الكتابة السياسية في الصحافة العراقية
لم تمضي أيام حتى أصدر عدي صدام حسين (نقيب الصحفيين آنذاك) قراراً بشطب عضويتي من نقابة الصحفيين مع عدد من الصحفيين تحت مبرر فعلته: إننا متقاعدون.. ولم نكتب عن الثورة وميلاد القائد
يا للمهزلة.. أنا تنشر ليً حلقات أسبوعية في جريدة القادسية.. وتشطب عضويتي من نقابة الصحفيين العراقيين
الأنكى من ذلك ان قانون نقابة الصحفيين لا يحوي ما يشير الى شطب عضوية الصحفي المتقاعد بأي شكل كان
أوائل العام 2001 صدر الكتاب تحت عنوان: الأحزاب السياسية في العراق: السرية والعلنية / بيروت 2001 / دار رياض الريس).. لأني خشيتُ أن أبقيه على عنوانه السابق: التعددية الحزبية في العراق
المهم أن دار النشر قدمت تعريفاً للكتاب على غلافه الأخير اختتمته بالعبارة الآتية: آملاً أن يكون العراق على أهبة مرحلة جديدة من تعدد الأحزاب والصحوة السياسية التي تعيد ربط العراق بماضيه المجيد
أثارت هذه العبارة الأجهزة الأمنية.. فقد ذهب المقدم جمال عسكر/ المسؤول عن المطبوعات في مديرية الأمن العامة.. وسأل عني السيد أحمد العبادي صاحب مكتبة العبادي في شارع المتنبي.. الذي قال له: إن دكتور هادي أستاذاً جامعياً في ليبيا
أوائل تموز 2001 وصلتُ إلى بغداد لقضاء العطلة الصيفية بين أفراد عائلتي.. ككل سنة دراسة
صباح اليوم التالي لوصولي دق جرس بيتنا.. وأخذوني إلى الأمن العامة للتحقيق معي عن عبارة الناشر (هذه).. على الرغم من إنهم يعرفون جيداً إنها غير موجودة في متن الكتاب: وتعال فهم الجماعة
بعد 73 يوما من التحقيق المستمر والحرب النفسية.. أطلق سراحي.. لكن لا يحق ليً العودة إلى ليبيا للعمل فيها.. لان السنة الدراسية كانت قد بدأت .. وهكذا خسرتُ عملي في ليبيا وبقيتُ في بغداد
أوائل أيار العام 2002 إتصلت بيً الهيئة العلمية للمعهد العربي العالي للدراسات التربوية والنفسية في بغداد.. وعرضت عليً منصب عميد المعهد.. وافقتُ وباشرتُ العمل فيه
بعد شهرين.. ومع بداية العطلة الصيفية اتصلً بيً هاتفياً شخص قال انه: هاشم حسن المجيد (شقيق علي حسن المجيد.. علي كيمياوي).. وكان يشغل منصب مسؤول الجامعات في مكتب بغداد لحزب البعث.. وأنذرني بترك المعهد خلال 48 ساعة
من جانبي اتصلتُ بصدام حسين على هاتفه المخصص للمواطنين.. بناءٍ على نصيحة الهيئة العلمية للمعهد.. فردً عليً صدام شخصياً سوف نتصل بكً
في اليوم التالي كلمني أرشد ياسين المرافق الأقدم لصدام.. هاتفياً وبأسلوب هادئ: دكتور أنت كنتً بليبيا وأمورك المادية جيدة.. فلا داعي تنافس الآخرين على المناصب ؟
قلتُ له: أنا لم أنافس أحداً.. ولم أقدم طلباً للتعين.. وان اللجنة العلمية في المعهد عرضت عليً المنصب.. لأنه لا يوجد أكفأ مني متفرغاً.. فاحتدً وقال: (دكتور: لا تنسى نفسكً) وأغلق الهاتف
المهم: مع انتهاء ال 48 ساعة حضرَ إلى المعهد حماية هاشم حسن المجيد واخرجوني بالقوة من المعهد
ليعين (خلف الدليمي عضو جمعية التربويين النفسيين العراقيين).. وهو لا يحمل أية شهادة عليا
هكذا كانت تدار الأمور: معهد عالي يقتصر على منح شهادتي الماجستير والدكتوراه.. عميده الجديد غير حاصل لا على الماجستير ولا على الدكتوراه
هلهوله للبعث الصامد