23 نوفمبر، 2024 1:56 ص
Search
Close this search box.

قصة عشق لم تكتمل

قصة عشق لم تكتمل

قذف القدرُ بجسدي على طريقٍ يحاذي الشارع السريع في صباحِ يومٍ جميلْ. كل يوم إعتدتُ الخروج من البيت عند ساعات الضحى الأولى في رحلةٍ مكوكية على دراجتي الهوائية لممارسة رياضة متواضعة أملتها عليَّ ظروفي الشخصية. كانت تلك الساعات تمثل بالنسبة لي لحظات تأمل جميلة أختلي بها مع ذاتي ..أرسلُ نظراتي الى الأفق البعيد الممتد كأنني أروم إكتشاف لحظات قدسية تجري هناك في زوايا مختلفة من واقع الحياة اليومية. سقطت نظراتي على فتاتين في عمر الزهور يرتدين ملابس الدراسة المتوسطة أو الأعدادية تسيران متلاصقتان كأن كل واحدة منهما تستمدُ قوتها من الآخرى. طافت نظراتي مرة أخرى لتستقر على هيكلٍ بشري فتي لايتجاوز عمرهُ السادسة أو السابعة عشرة من عمره الجميل. كان المراهق الفتي يسير على بُعْدِ خطوات أو أمتار منهما , ترتسمُ عل وجههِ رغبة جامحة للأقتراب منهما والغوص معهما في حديثٍ أقل مايمكن وصفهُ – حديث غرامي حارق يبث من خلالهِ كل ما كان يجيشُ في صدرهِ من رغبةٍ جامحة نارية لممارسة طقسٍ من طقوس قصص العشق والهيام . عرفتُ في قرارة ذاتي أنني كنتُ في موقعٍ خاطيء لاينبغي علي أن أكون فيه في تلك اللحظة. بين فترة وأخرى- يتنحنح- المراهق الصغير بصوتٍ مكتوم كأنه يتوسل أو يتضرع إليَّ كي أتصرف بطريقة – جنتلمانية – لأفسح له مساحة واسعة للأقتراب منهما أو أسلك طريقاً آخر لأترك لهم جميعاً مجالاً رحباً لممارسة عشقاً مرتعشاً مرتجفاً يخشى من تقاليد وعادات مجتمع لايرحم.

حاولتُ أن أتطفل وأبدأ الحديث مع ذاتي بصوتٍ مرتفع يسمعه الجميع لأرى ردة فعل كل واحدٍ منهم.
قلت أخاطب الطريق السريع بصوت مسموع ودراجتي الهوائية تلتصق بيدي اليمنى تسير الى جانبي وقد إستسلمت هي الآخرى لقدرها المحتوم ” …آه..أيها الشارع السريع.. تنطلق من صدرك آهات وويلات تكاد تحرق كل عجلات المركبات المارة من هنا وهناك الى زوايا مختلفة من زوايا المدينة النائية. آه..هل تعاني صدأ في قلبٍ لايعرف الرحمة أم تنطلق من حنايا روحك شهقات لايسمعها إلا من داعب أصوات البلابل عند شروق الشمس ” . أوقفتُ دراجتي الهوائية وتظاهرتُ بتعديل جزء من أجزائها كي أسمح لهم بالمضي الى مسافة متقدمة أواصل بعدها طريقي نحو المجهول. شاهدت نوعا من الأرتياح على وجه ذلك المراهق الصبي وهو ينظر الى الخلف ليتأكد من أنني سأمنحه فرصة لممارسة طقوس عشقهِ المرتعش. أخرجتُ كامرتي والتقطت لهم صورة ضبابية من بعيد لكي لايتعرف عليهما شخص ما حينما أرسلها الى مكان من أماكن النشر التي أبثها من خلال مواقع معروفة للجميع. تقدم الزمن وعرفت فيما بعد ان ذلك الفتى يسكن في الجهة المقابلة لحينا وقد مات في طلقة طائشة في مظاهرات جامحة عصفت بساحة التحرير يوما ما …مات الفتى وترك خلفه قصة عشقٍ لم تكتمل ولن تكتمل في زمن مرعب يعصف بالعراق كل يوم…

 

 

أحدث المقالات

أحدث المقالات