22 نوفمبر، 2024 11:02 م
Search
Close this search box.

قصة شخص كان من أتعس البشر على وجه الأرض !

قصة شخص كان من أتعس البشر على وجه الأرض !

لا أجد لنفسي أي عذر لتأخير الكتابة عن هذا الصديق ، وبغض النظر عن التنويعات اللغوية في توصيف الأمر : لامبالاة ، أم نسيان ، أم قلة وفاء .. فهو بالنسبة لي تقصير مني شخصيا تفسره قناعاتي من أن الإنسان كائن أناني شرير ، وبالتالي كل شيء متوقع صدوره عنه بحكم كونه كائن عشوائي وجد من دون خالق أوجده لغاية عاقلة !

كنا ثلاثة أصدقاء في عمر المراهقة ، جمعنا اللهو وحب النكات والضحك والتنفيس عن همومنا في الكلام ضد السلطة ، والتجوال في شوارع مدينة كربلاء ، كان أحدنا ثوريا لايخفي ميوله اليسارية ، ولم نكن نقدر خطورة الأمر ، فقد كانت الفترة في أواخر السبعينات في ذروة الإعتقالات ، وفجأة تم إختطاف الصديق اليساري ، صعد رجال الأمن الى باص مصلحة نقل الركاب وانزلوه منها وإختفى ، تفرقنا والذعر يتناهشنا وتوقعنا التعرض للإعتقال بسببه .. أخبرت عائلته بالأمر وكانت غلطة مني شكلت خطرا فيما بعد عليّ، فقد ذهبت أمه باكيا الى دائرة الأمن تتوسل بهم لإطلاق سراح إبنها و أخبرتهم بإسمي اني من أعلمها بأمر الإعتقال من قبل الأمن.

جاءني أحد رجال الأمن الى مكان عملي مع الوالد ، ونفي إعتقاله في الأمن ولكن الغريب كان يشتمه ، وسألني عن الصديق المعتقل ، وأخبرته اني لاأعرف شيئا عن ميوله السياسية ، وقد نصحته بالإنضمام الى صفوف حزب البعث بعد ان أخبرني ان الإتحاد الوطني للطلبة في الإعدادية التي يدرس فيها يضايقونه ويلحون عليه للإنتماء الى حزب البعث ، وكنت صادقا حيث اقترحت عليه ان يصبح بعثيا من باب المسايرة والخلاص من الإزعاج ، كان رجال الأمن يعرفوني جيدا ، فقد كنت محاطا بشكبة من الأقرباء الذين يعملون في دائرة الأمن مما وفر لي نوع من الحصانة الضرورية في زمن الإعتقالات لأبسط سبب ، الطريف أقربائي من رجال الأمن بعد التقاعد والتوبة والتوجه الى الإيمان بدافع الشعور بالذنب والخوف من عذاب نار جهنم منزعجين من قرار إلحادي في الأديان ونصحوني بالتقوى والإيمان ، وحدثوني عن معجزات القرآن !

الصديق التعيس بطل القصة ليس الشيوعي المعتقل ، بل ثالثنا الآخر هو حامل المأساة الحقيقية التي تفوق عذابات الإعتقال والتعذيب والإعدامات .. كان صديقي يعيش مع زوج أمه في البيت ، وتخيلوا حجم العذاب النفسي الفظيع الذي يعانيه وهو يرى رجل غريب يمارس الجنس مع أمه ، وحتما بما ان زوج أمه عراقي شرقي متخلف .. كان يشتم أمه ويضربها أمامه ، وربما يضربه له أيضا ويشعره بالتفضل عليه لانه قبل به ان يعيش معه ، ولو آمنا بمقولات عالم التحليل النفسي فرويد من ان الطفل يغار من أبيه ويحقد عليه لانه يأخذ أمه منه وينام ويمارس الجنس معها .. لنا ان نتخيل مقدار مشاعر الغضب والغيرة والحقد والشعور بالعار من زوج الأم .
نجح صديقنا التعيس بمعجزة من الثالث متوسط ودخل في معهد الفندقة والسياحة ، وكان حلا سحريا أنقذه من زوج أمه ، ووفر له سكن داخلي وطعام مجاني وراتب شهري ، لكن لم تنته المأساة .. إنقطعت أخباره عني ، ثم التقيته عن طريق الصدفة قبيل نهاية الحرب مع إيران تعانقنا وأخبرني انه دوما يحلم في المنام بصديقنا المعتقل الشيوعي ويشعر أنه لايزال حيا يرزق ، والمدهش نفس تلك الأحلام كانت تأتيني أيضا عن ذلك الصديق المعتقل إذ كانت أراه حيا وأحتضنه باكيا .. ثم أخبرني صديقي انه أثناء عمله في الفندقة والسياحة تطوع في جهاز المخابرات والآن تم الإستغناء عنه وتحويله الى الجيش !

بعد فترة من الزمن إكتملت مأساته سمعت انه قتل في جبهات الحرب وختمت حياته ببشاعة كانت ترافقه طوال عمره الشقي !

أحدث المقالات