19 ديسمبر، 2024 12:17 ص

قصة حب عراقية فريدة بمناسبة “عيد الحب”

قصة حب عراقية فريدة بمناسبة “عيد الحب”

حب بلا حدود..
((انجذب اليها من اول نظرة واغرم بها بكل مشاعره الفطرية البريئة ،حينما التقت عيناه بعينيها السوداويتين الواسعتين البارزتين فوق خدين يضخان لون الورد وسط ذلك الوجه التفتوني الأبيض الذي لا يفرقه الحياء وحين سمع صوتها الساحر وهي تناوله طاسة ماء ملأته من شربة فخارية معلقة بعمود الخيمة الصوفية في ذلك النهار الربيعي الجميل ، ناسيا ظمأه الشديد ، مبهورا بجمالها الطبيعي وهو يقف امام كائن مغطى بالكامل بملابس ريفية محتشمة لا يظهر منها سوى ذلك الوجه المنور كالبدر، فتعلق قلبه بها بشدة مستسلما الى حبها تماما ، مرتميا في احضان الهيام والسهر.. منتميا الى عالم اللوعة التي لا يتقن فنونها ولا يحسن قراءتها ولا يندل دروبها الوعرة ! وعلى الرغم من انها لم تبد اي اهتمام يذكر امام اشتعال جوانحه وتأجج مشاعره الا انه عمل المستحيل لكي يقترن بها في تلك المنطقة الريفية المحافظة في اربعينيات القرن الماضي ، الى أن تحقق الوصال بينه وبين من احب لتتوج معاناته و مكابداته في نهاية الامر بالزواج منها في زفة عرس فلكلورية زفت اليه على ظهر حصان ابيض)) .

* لحد الآن القصة عادية ..ليس فيها جديد !

* قال لي محدثي مسترسلا بثقة راسخة :

(( الجزء الثاني من قصة العشق هذه بطلتها والدتي التي بدأت عشقها الاسطوري بعد زواجها من والدي وهي القصة الأغرب التي لم أر لها مثيلا في كل قصص الحب التي قرأتها مثل مجنون ليلى ، عنتر وعبلة ، كليل ودمنة ، شيرين وفرهاد ، بول وفرجيني ، جميل وبثينة ، روميو و جوليت ، أصلي وكرم ، آرزي وقنبر وقلبت كل قصص الحب في كتاب الف ليلة وليلة فلم أجد فيها امرأة أحبت حبيبها مثل عشق امي لابي ولم اجد بنقاوتها ولا بصفائها ولا بوفائها الى ما يرقى الى اخلاص ووفاء امي لأبي ولحد آخر لحظة في حياتها ..ستفاجأ في نهاية القصة عما فعلته وما طلبته بعد رحيل والدي !! ولكم قصة عشقها لأبي !

لم ارى او الحظ امرأة في الدنيا تعشق زوجها حبا جما مثل امي .. فهي الزوجة والحبيبة والصديقة والشريكة المتضامنة في تحمل مشاق الحياة وامتصاص كل اضطرابات وارهاصات الحياة وضغوطها وبالأخص بعد انتقالنا من الريف الى العاصمة بغداد من أجل كسب لقمة العيش في الأعمال الحرة بعد سنين عجاف من القحط والجفاف اضطررنا خلالها لبيع حلالنا من الأغنام شيئا فشيئا.

الصابرة على عاديات الزمن على ضوء شحة المال وضيق اليد تتلمس طريقها في ظلامات الليل الطويل على ضوء حبها الكبير.. وهي تسمعنا بأن كل شيء سيكون على ما يرام ما دام ابوكم طيب ..

خزين استراتيجي تغذينا بالأمل والحب قبل الخبز احيانا كلما اتسعت العائلة وتعدد حجم افرادها وضاق المكان بنا وبضيوفنا ..

كنت الثمرة الثالثة من هذا العشق الانساني الرائع اي الابن الثالث من بين ثمانية اولاد وثلاث بنات نغوص في بيت صغير متآكل من القدم وأيل للسقوط في منطقة قنبرعلي وسط بغداد..

لم تجبه يوما باسمه ولا بكنيته طيلة حياتي ، فكلما نادى عليها والدي كانت ترد عليه بمفردات جميلة ذات وقع على قلب ابي وبصوت عاطفي متموسق بالحنين :

قلبي .. روحي ..عيوني ..عزيزي ..فديتك .. حياتي ..

امام ظروف صعبة ومتطلبات كثيرة لم الحظ عليها يوما شكوى او خصومة او جدل مع والدي بالعكس كانت ودودة معه للآخر .. كانت صبورة كالجبل لم المس ضعفا ينتابها او يأسا يجتاحها لأن حبها لوالدي كان يكفي لعزائها وعشقها له كان يهون عليها كل مصاعب الحياة وكأنه المصرف الممول لنبضات قلبها الخافق بحبها له .. كانت توصينا دائما وبتكرار ممل : ديروا بكم على ابوكم ..تره هو شمعة بيتنا.. هو تاج راسنا.. هو حياتنا ..

امي الحبيبة كانت الطبيب المداوي لأعصاب والدي المرهقة نتيجة تقلبات الحياة امام تحديات توفير المعيشة والملبس والتعليم لدرزن من الجهال ..

ربة بيت رائعة تستمد معنوياتها وآمالها من إيمانها العميق تلوذ بمراقد الائمة وبصلاة الفجر وتسبيحة الزهراء وعند اشتداد الامور كانت تستعين بسورة الفاتحة على ام البنين او تصعد الى السطح اثناء الغروب وترفع يديها مبتهلة الى الله ممتزجة بدموعها وهي تتمتم بلغة عربية مكسرة ودائما تبدأ وتنتهي بدعائها لأبي ..

كان حبها المتبادل مع ابي خزينها الاستراتيجي الذي تنهل منه واقتدارها على مواجهة الحياة ، فلم ارى او المس وجود امرأة في الدنيا تعشق زوجها بهذا الشكل

حنينة لم ارها يوما اختلفت او تخانقت مع ابي ابدا طيلة اكثر من اربعين سنة من عمري ))

* قلت لمحدثي ولكن ما سمعنا ايضا ليس بجديد و مطروق في اكثر قصص الحب !

* لم اكمل بعد اسمح لي ان اسرد لك الجزء الثالث من قصة الحب :

(( لاحظ الحب النقي الصادق ماذا يصنع ؟ فقد نجح العاشقان في توصيلنا الى بر الأمان بعد مرحلة العصامية والصبر والمكابدة واكملا رسالتيهما في تخرج معظمنا من الجامعة و امتهان الاخرين لمهن حرة محترمة وصارت عندنا بيوت وفلوس وعشنا عيشة سعيدة .. ولكن المفاجأة كانت مرة على امي اذ اصيبت بصدمة شديدة إثر سماع خبر وفاة والدي ادى الى تدهور صحتها بشكل تنازلي مخيف فحاولنا معالجتها بأي ثمن وعملنا المستحيل لإنقاذها الا ان عيونها كانت أبلغ جوابا وهي تذرف الدموع مدرارا على حبيب رحل فتدهورت حالتها اكثر واكثر وهي تردد دعوني ارحل الى حبيبي ..روحي .. قلبي .. فلا تحلو الحياة بدونه .. دعوني ان ارافقه الى جوار ربه ..

وفي احد الايام استدعت امي الابناء والبنات في اجتماع طاريء للعائلة فقالت لنا مخاطبة : اذا اردتم ارضائي بعد رحيلي فهل تنفذون وصيتي ؟

أجبنا بصوت واحد : نعم بالتأكيد ، نحن مستعدون لتنفيذ اي أمر من اوامرك ومهما كلف الثمن يا امي ..

قالت : وصيتي ان تدفنوني في وادي السلام بالنجف الأشرف ..

نعم .. وهو كذلك ..

بشرط دفني في نفس القبر الذي يرقد فيه المرحوم ..اسمعوني جيدا وان لم تنفذوا وصيتي فأنا بريئة منكم ولا راضية عنكم !

صمتنا مبهوتين ………… فهززنا برؤوسنا بالموافقة !!!

احدث طلبنا جدلا واسعا بين اوساط الدفانين والمشيعين في وادي السلام فلم يسبق لهم ان واجهوا مثل هذا الطلب الغريب في أكبر مقبرة في العالم !

امتنع الدفان من تنفيذ الوصية امام اصرارنا والحاحنا ، فاحتدم الجدل وتوسع النقاش وجنازة امي تنتظر على الأرض!

حسم الأمر باللجوء الى فتوى شرعية للخروج من هذا المأزق بحل يرضي الطرفين .. فجاءت الفتوى بالموافقة على دفنها في نفس قبر زوجها بشرط وضع جدار عازل بين الجثمانين .. فكان حلا مثاليا لتنفيذ وصية الوالدة العزيزة ..فصار اول قبر من نوعه يحوي جثمانين لعاشقين عاشا قصة حب وجدانية .. نقية ..صافية .. دامت لأكثر من خمسين عاما في الحياة وهما الآن يرقدان في قبر واحد آمنين في وادي السلام الى يوم الدين )) ..

انتهى محدثي من سرد قصة الحب التي ربطت بين قلبي والديه .. من جانبي ليس لي سوى وضع عنوان ” قصة حب بلا حدود ” لقصة الحب العراقية الفريدة بمناسبة “عيد الحب” .. وعذرا للإطالة ..

كان ذلك في موسم النماء الربيعي وانتشار الحشائش الخضراء على السهول وسفوح الهضاب والتلال المترامية الأطراف حين توجه راعي الغنم لطلب الماء من خيمة قريبة من مكان الرعي .. عشقها من اول نظرة حين التقت عيناه مع عينيها..تسمر مكانه ونسى انه جاء لطلب الماء ..

فلم ينم ليلته تلك فترك اغنامه مع قطيع زميله وعاد الى اهله في اطراف المدينة

ليقنع ابيه بالتقدم لخطبة ذات الوجه الابيض .. عانى كثيرا الى ان تمت الموافقة على زواجها منه ..

قصة الحب الحقيقية بدأت بعد الزواج من طرف الزوجة ..

تقلبات الحياة والتحديات كانت كثيرة في حياتهما مع مرور الايام خصوصا بعد انتقالنا من الريف الى العاصمة بغداد وبيع الأغنام شيئا فشيئا بعد سنوات من القحط والجفاف .

لم ارى او المس وجود امرأة في الدنيا تعشق زوجها مثلها ..

صبورة في جو كانت فيه العائلة كلما كبر حجم افرادها ضاق بنا المكان وقلت الموارد وضاقت بنا ومعها الدنيا بعيشنا ..

حنينة لم ارها يوما اختلفت مع ابي ابدا

حليمة لم ارها يوما تخانقت مع ابي ابدا

حكيمة لم تدعنا يوما نأكل قبل ابي ابدا

كلما نادى عليها ..

لم تسمه باسمه قط ولا بكنيته .. طيلة اكثر من اربعين سنة تربيت وعشت معهما سمعتها تردد مفردات بكل حنية وعذوبة وكأنها تخرج من اعماقها ..

روحي

كليبي

حياتي

رحتلك فدوة

فديتك بروحي

عيوني

حين تغير الحال الى افضل حال بقيت ..

حينما توفى والدي ..

وصية الاخيرة ..

كان ذلك في موسم النماء الربيعي وانتشار الحشائش الخضراء على السهول وسفوح الهضاب والتلال المترامية الأطراف حين توجه راعي الغنم لطلب الماء من خيمة قريبة من مكان الرعي .. عشقها من اول نظرة حين التقت عيناه مع عينيها..تسمر مكانه ونسى انه جاء لطلب الماء ..

فلم ينم ليلته تلك فترك اغنامه مع قطيع زميله وعاد الى اهله في اطراف المدينة

ليقنع ابيه بالتقدم لخطبة ذات الوجه الابيض .. عانى كثيرا الى ان تمت الموافقة على زواجها منه ..