ما ترويه الكتب (المقدسة) عن بدء الخليقة وتاريخها يتعارض غالبا مع الحقائق العلمية والتاريخية التي ثبتت صحتها بما لا يمكن أن يعتريها الشك، تجعل هذه الكتب موضع تساؤل وشك عن مدى إمكان أن يكون الله عز وجل هو الموحي بها، فالله يتعالى عن الخطأ في الإنباء حتى عما نفترض – وفرض المحال ليس بمحال – أنه ليس من فعله، فكيف وهو الخالق للكون؟ ومن غير دفاع عن دين محدد، لأننا أردنا أن نعرض العقائد في هذا الكتاب بحياد ديني، ومع هذا نقول أن القرآن لعله لم يلزم نفسه بمقولة حول خلق الكون، بما فيه تعارض بيّن مع الحقائق العلمية، فلم يرد فيه مثلا أن الشمس هي التي تدور حول الأرض، أو أن للأرض شكلا يتعارض مع حقيقة كرويتها، بل قد يكون العكس هو الصحيح في عبارة «يُكوِّرُ اللَّيلَ على النَّهارِ، وَيُكوِّرُ النَّهارَ على اللَّيلِ». أما ذكر أن الله خلق «سبع سماوات»، وأنه تعالى قد خلقها والأرض «في ستة أيام»، فلا ندري ما المقصود بالسماوات وعددهن، أهي مجموعات شمسية، أم طبقات بحسب البعد من الشمس، وكذلك لا ندري ما المقصود بالأيام الستة هذه، وماذا يعني اليوم بالنسبة للكون، وهذه لا تبتعد كثيرا عما في العهد القديم، ثم هناك في القرآن ما يكفي مما يخالف الحقائق العلمية. المهم وكما بينت، نحن لسنا في صدد تبرئة كتاب ما أو إدانة كتاب ما من الكتب (المقدسة)، فكلها بالنسبة لي بشرية، ولكن المبدأ الذي نقره، أنه لو ثبت ورود أي مقولة في كتاب مقدس عن بدء الكون وعن طبيعته وشكله ومدة تكونه، مما يتعارض مع الحقائق العلمية الثابتة، وبما لا يمكن تأويله إلى معنى آخر، فهذا مبرر للتشكيك في إلهية مصدر ذلك الكتاب. ولكن إذا تضافرت افتراضا أدلة على إلهية المصدر، أو ترجيح ذلك بشكل يقترب من الاطمئنان، إلَّم نقل اليقين، ولم يكن التعارض مع الحقائق العلمية واضحا، بل إن النصوص المعنية مما يمكن تأويلها إلى معنى مجازي مثلا، فلا بد من تأويلها تأويلا يجعلها غير متعارضة مع الحقائق العلمية، ولكن ليس بالطريقة التي اعتمدها بعض من ذهب إلى التأليف في الإعجاز العلمي والإعجاز العددي في القرآن، فتكلف التأويل ولوى النصوص القرآنية ليّا متعسفا وبطريقة أساءت إلى القرآن أكثر مما خدمته. نعم ربما لو اقتصر هؤلاء على النصوص الواضح انسجامها مع الحقائق العلمية المكتشفة بزمن ما بعد زمن القرآن، لكان ذلك أنفع في تعضيد صدقية القرآن. وحتى مع ثبوت عدم التعارض العلمي، فهذا لا يجيب على العديد من الأسئلة الأخرى، لاسيما تلك المتعارضة بشكل لا يقبل الشك مع العدل الإلهي فيما هو الجزاء الأخروي، ومع كل من عدله وحكمته فيما هي الكثير من الأحكام الدنيوية. أما الأحاديث، سواء الواردة في صحاح السنة، أو في كتب حديث الشيعة، ففيها ما لا يحصى مما يأباه العلم والعقل على حد سواء، دون أن يعني هذا أن كل الأحاديث بهذا الشأن هي أحاديث صحيحة.