23 ديسمبر، 2024 5:22 ص

قرقوش في بغداد

قرقوش في بغداد

قيل في سالف الزمان ان غلاما سيق الى قرقوش وبيده ديك، فقال له قرقوش : ياغلام هذا ديك فيه خطر عليك فلو نقر عينك لقلعها.. ثم طلب قرقوش من حراسه ان ياخذوا من الغلام دية عينه.. فاقسم الغلام ان لا يعيش ابدا في مدينة يحكمها قرقوش.. وهكذا هو حال الكثير من العراقيين الذين هربوا من البلاد مقسمين على انفسهم ان لايعودوا اليها ابدا مادام حكامها من سلالة قرقوش..
وليس غريبا ما نسمعه كل يوم من قصص عن القضاة القرقوشيين الذين يصدرون الاحكام كيفما اتفق دون مراعاة لقانون او دستور او بيان الحق من الباطل، حتى اصبح القضاء كله كمؤسسة واشخاص محط انتقاد وعدم ثقة بل وسخرية احيانا، والجميع يتذكر قصة الشاب البصري الذي حكم عليه بالسجن لعشرين عاما لسرقته حذاءا، وربما كان ذاك الحذاء يعود لقائد ميليشيا او رجل معمم مبارك، او لمسؤول حزبي بارز مناضل مجاهد، في حين تناسى القاضي البصري ان نفط البصرة يسرق ويهرب ليل نهار دون خوف من قانون او قاض او حتى وازع من ضمير، وتناسى ايضا ان ميزانية المحافظة كلها سرقت دون ان يكون لذاك القاضي او غيره من القرقوشيين صوتا يدعو الى الحق والى مراعاة شعب هدُّه الفقر والمرض..
اما الصحفيون والاعلاميون والمبدعون والناشطون المدنيون فقد وقفوا امام قرقوش القرن الواحد والعشرين حائرين لايعرفون في معظم الاحيان عن اي ذنب هم يحاكمون، ونالهم من العقاب المزاجي الممزوج بالتاثيرات السياسية والحزبية والطائفية احيانا الشيء الكثير مما يشكل مهزلة غير مسبوقة في تاريخ القضاء العراقي، وكان آخرها حكم قرقوش بغداد غيابيا على الزميل الاعلامي اياد الزاملي بتهمة لم يقترفها لا من قريب ولا من بعيد..
صادف ان التقيت يوما من ايام الغربة خارج الوطن قاضيا عراقيا عتيدا هاربا كحالي من البلاد خوفا من قرقوش، وساق لي قصة فيها من المبكي مافيها من المضحك، فقد قال لي ان متهما كان سيمثل امامه يوما ما من ايام عام 2007 بتهم القتل والاغتصاب، وطبيعة الاغتصاب كانت ذكورية وليست نسائية فهو كان يغتصب من يختطفهم قبل ان يقتلهم، وقد شهد شهود على ذلك واعترف المتهم ايضا بجريمته، وكان يفترض ان تتخذ المحكمة قرارها ذلك اليوم الذي تلقى فيه القاضي في الصباح الباكر وقبل ان يتوجه الى مقر عمله اتصالا هاتفيا من احد قادة الميليشيات الذي يعرفه شخصيا آمرا اياه بتبرئة المتهم واطلاق سراحه والا فان حياته وحياة عائلته في (الباي باي) هكذا وردت الكلمة من ذلك المسؤول، وقال القاضي انه لم يتسنى له حتى المناقشة او التوضيح مع هذا الميليشياوي وحين وصل الى مقر عمله، اتصل به مسؤول في ميليشيا اخرى يعرفه هو الاخر، آمرا اياه باصدار حكم الاعدام على المتهم اليوم والا فانه سيعدم بدلا عنه، قال القاضي وايضا لم اتمكن من الاخذ والرد معه فقد اغلق التلفون بعد نهاية جملته.. فما كان من القاضي الا ان يخبر عائلته بضرورة مغادرة البيت فورا والسفر الى كردستان وبعد ان اطمان الى مغادرتهم البيت غادر هو الاخر مبنى المحكمة متجها الى اربيل ومن هناك خرجوا جميعا هاربين من قرقوش مقسمين على انفسهم ايضا ان لاعودة الى بغداد مادام فيها ابناء قرقوش..
الاعلاميون والكتاب والصحفيون لن يهربوا ويختبئوا مثل ذاك القاضي العتيد، ولن يكونوا مثل الغلام الذي يدفع دية عينه، فاصحاب الكلمة الحرة الشريفة والفكر التنويري الطليعي لن ترهبهم احكام الفاسدين
والمرتشين والخائفين ، والكلمة الحرة لايمكن لقرار محكمة ان يخرسها ولا قضبان زنزانة ان تحجرها، الكلمة امضى من السيف والفكر اقوى وأمضى من الرصاص، وستبقى كتابات الزاملي شوكة تقض مضاجع الخائبين الفاشلين، مادامت حرة يحررها كتابها..
hoo.comrh_4you@ya