23 ديسمبر، 2024 5:54 ص

قرعة الحج العراقية التي أذهلت موسوعة غينيس للأرقام القياسية !!

قرعة الحج العراقية التي أذهلت موسوعة غينيس للأرقام القياسية !!

قال تعالى ” وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ”.
مولع أنا بمناسك الحج والعمرة الى حد كبير ﻷنها فريضة من أعظم الفرائض وأجزلها عطاء وأكبرها أجرا إن أديت بمال حلال وبأركانها وشروطها من غير زيادة ولا نقصان كما أمر بها الشارع الحكيم ، وربما ﻷنني أحمل لقب الحاج أيضا المرتبط بذكريات صحفية خلال تغطية إعلامية ﻷحدى مواسم الحج الماضية والتي حدث فيها من المفارقات واللطائف ماحدث ، وإن كان هذا اللقب مجرد إسم شهرة ﻻ أكثر نحو – الشاعر ، العاشق ، السفير ..الخ – كنت ومذ ذلك الحين بل وقبلها أيضا بدرجة أقل أقف قباله جامع الشيخ عبد القادر الكيلاني وأرقب عن كثب وفود الحجيج القادمة من أصقاع المعمورة قبل ذهابهم برا الى – مكة – وأودعهم ، وكذلك أفعل مع وفود العمرة العراقية سنويا ذهابا وإيابا ، ﻷرى كم العواطف الجياشة و الدموع المنهمرة من عيون الأحبة وهو يودعون بعضهم بعضا لعلهم لايلقونهم بعد رحلتهم هذه فيدفنوا هناك في أحب البقاع الى الله تعالى في مكة أو المدينة المنورة الى جوار النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم في مقبرة البقيع ، وتخطى حب الحج عندي الى جمع اﻷمثال البغدادية التي تتناول هذه الرحلة المباركة ، الصور ، قصص الحجيج قديما وحديثا ، أدب الرحالة والرحلات الى هناك ، حكايا التائبين الذي بدأوا بالحج وإنتهو اليه ، كتب المستشرقين الذين ألفوا عن الحج وأشهرهم الرسام الفرنسي الشهير اتيان دينيه ، الذي أسلم وغير اسمه الى ناصر الدين دينيه وألف كتاب ( الحج إلى بيت الله الحرام) بعد رحلة الحج عام 1928م والذي ضمنه لوحات غاية في الروعة بريشته عن نفرة الحجيج الى عرفة ، الصلاة عند الكعبة، جبل النور ، وكذلك فعل المفكر والاعلامي النمساوي الشهير ” ليوبولد فايس ” الذي أسلم بدوره وغير اسمه الى محمد أسد ، وألف كتابا هو اﻷشهر في مجاله ( الطريق الى مكة ) والذي تحول الى فيما بعد الى فيلم وثائقي ، وكذلك صنع الرحالة الياباني ، تاكيشي سوزوكي ، الذي حج البيت الحرام ثلاث مرات بعد إسلامه وغير إسمه الى “الحاج محمد صالح ، عام 1935 ليؤلف كتابه ذائع الصيت ( ياباني في مكة)، وغيرهم الكثير ممن ﻻيتسع المقال لذكرهم .
وجريا على عادة الشغف بالحج ومناسكه كنت منشغلا يوم أمس بتحرير خبر قرعة الحج العراقية للمواسم ( 2019 – 2020 -2021 -2022 – 2023 ) ولجميع المحافظات والتي قسمت الى قرعة الحج الالكترونية نسبة الـ 60% ” وقرعة الحج نسبة الـ 40 % ، اﻷولى منها خصصت لكبار السن مع مرافقيهم ، والثانية بأعمار نهاية الخمسينات فما فوق ، بعد ملئهم استمارات التقديم بـ 25 الف دينار في وقت سابق وتوزيع اﻷسماء وفقا لحصة العراق من مقاعد الحج التي تبلغ 33,690 حسب التعداد السكاني لعام 2013 الذي تعتمده المملكة العربية السعودية، على حد وصف هيأة الحج والعمرة ، وماهي إلا سويعات وبعد عودتي الى المنزل طرق الباب جاري العزيز ، فرحبت به وجلس أمامي قبل أن يخلع – ذراعه الاصطناعية- ثم ينزع طقم اسنانه ويستل عينه الزجاجية قائلا ” ها آنذا أتبعثر .. تماما كما وصفنا الكاتب والاديب العراقي الفذ، عبد القادر التحافي، في احدى مقالاته الرائعة وهو يصف الذين تبعثروا في ميادين القتال دفاعا عن العراق ليتوحد الوطن ” فتبعثر وطننا وشعبنا كليا …وتوحدنا – من مرض التوحد لا من الإتحاد – لدفع اللبس !!
أطرق رأسه قليلا ، ذرف دمعة بعين واحدة مازالت على قيد النور ترقب فسادا هائلا هاهنا وفي كل المجالات ببلاد الرافدين التي تعاني بخلاف اسمها ، شحا غير مسبوق في مناسيب المياه بسبب الدول المتشاطئة معه وقلة اﻷمطار وغياب الخطط الزراعية والإروائية كليا ، فساد لم يشهد له التأريخ مثيلا قط بعد ان أطفئت عينه اﻷخرى في سبيل الوطن ..جاري ، أردف والحزن يعلو محياه ” هل تعلم جاري العزيز ، أنني من مواليد 1957 وقد خدمت في كل جبهات القتال ، وفقدت في كل معركة خضتها جزءا مني – فدوه للعراق – أيرضيك أن إسمي لم يظهر في القرعة لخمس سنين مقبلة كما لم يظهر في خمس مضين ، فلا أنا محسوب على كبار السن ، وﻻ على صغارهم ، وليس هناك قائمة مخصصة لذوي الاحتاجات الخاصة ، مع أنني أسجل اسمي منذ سنين طويلة وادفع الـ – 25 – الف دينار ثمن استمارة التقديم سنويا ولكن من دون جدوى !
تتن تووو تتن تن تن ..رن النوكيا الطابوقة البديل الذي أضعه الى جانبي مؤقتا بعد سرقة اﻵي فون – تره 2 ، مو عبالكم 10- واذا بإمرأة قريبة لم يظهر إسمها هي اﻷخرى فصاحت فور رؤيتي وكأنني المسؤول عن القرعة ” ترضاها ، للمرة الخامسة اقدم وﻻ وجود ﻷسمي ..وينكم يا أهل الرحم !!” .
ترررررن ، رن جرس الباب الخارجي هذه المرة وإذا بأحد اﻷصدقاء يزبد ويرعد وما ان فتحت له الباب حتى بادرني بالقول ” يعني معقولة …لك اني هيج قرعة بحياتي ماشايف، قرعة الحج للاعوام المقبلة مليئة بأسماء حجاج من مواليد 1900 يعني بعمر 118 سنة ..وهناك مواليد 1905 ، 1907 ، 1910 ، 1911 ، 1912 يعني من زمن حصرم باشا وما قبل الحربين العالميتين اﻷولى والثانية ، ناهيك عن العشرات ممن تترواح اعمارهم بين 1927 – 1928 ” .
تأملت فيما يقولون وأنا حزين لحالهم وشغفهم بالحج الذي حرموا منه ﻷسباب شتى ، وحزين لعلمي ان أكبر معمر في العالم توفي في 30 / كانون الثاني الماضي / 2018 وعمره 113عاما واسمه هو ” فرانثيسكو نونيز أوليبيرا، من اهالي مدينة باداخوث، جنوب غرب إسبانيا وقد حررت خبر وفاته قبل شهر و25 يوما ، ولعلمي ان جل أعضاء البرلمان والسياسيين يذهبون سنويا الى الحج – بلوشي – ، ولعلمي ان حصص اﻷحزاب من بطاقات الحج ﻻتحصى فمنهم من يبيعونها بثمن ، ومنهم من يهدونها للمعارف والاصدقاء ، ومنهم من يهدونها مجانا لمن لايعرفون – وهؤلاء أشرفهم – !
حقا أن قرعة الحج العراقية التي قسمت بحسب سنة التولد وليس على الحروف اﻷبجدية وﻻ على نظام أكسل ، ماعقد عملية المتابعة وأثار سخط الباحثين عن اسمائهم او ذويهم ، كشفت لنا أننا اﻷطول أعمارا حول العالم ” وأنا ﻻ أعلم ” فتساءلت ” كيف يمكن لعراقي أن يعمر وسط كل هذه المصائب و الحروب والطواعين التي تعصف بالعراق من كل حدب وصوب وأين يعيش ؟ ..دلوني عليه وحفلة عيد ميلاده المقبل على حسابي من الكيكة الى علبة الضغط والسكري وبقية العقاقير التي يتناولها مهما غلا ثمنها !
وصدقا أن الموضوع برمته يستحق البحث في تفاصيله صحيا ونفسيا واجتماعيا وطاعونيا وكوليريا وجدريا وانفلونزيا – خنزيريا وطائريا – لمعرفة كنهه والغوص في أسراره وسبر أغواره ومعرفة الترياق الذي يتناوله هؤلاء أمد الله في أعمارهم إن كانوا حقا من المسنين ولم يكونوا من مواليد 2004 في واقع اﻷمر ، العجيب أن بعض هؤلاء وعلى إفتراض وجودهم على قيد الحياة لن يذهبوا الى الحج هذا العام وانما بعد 2 – 5 أعوام ، ليعلن حينها أنهم فارقوا الحياة فتتحول حصتهم الى شباب بعمر 21 عاما ، واﻷغرب في الموضوع أن من يظهر إسمه في القرعة عليه أن يدفع مليونين ونصف المليون دينار تظل مودعة في حساب هيأة الحج لحين موعد سفره على وفق القرعة فيكمل الباقي وقتئذ ، مع مرافقه الذي عليه ان يودع نفس المبلغ لحين موعد الحج !
نسخة الى موسوعة غينيس للارقام القياسية مع التقدير فنحن شعب العمالقة والمسنين – ربما لاننا من أكلة طائر الفلامينغو المهاجر – الذي نصطاده ونشويه على الفحم بعناد اليونسكو وبخلاف الشعوب التي تكن لهذا الطائر الجميل والوديع أقصى درجات الاحترام والانسانية ، وشحده اللي يلاوينا ، آآآآآآآتشووووو !!
ولله در القائل في الشوق الى حج بيت الله الحرام والصلاة في مسجد نبيه سيد اﻷنام وهو يودع من ظهرت اسماؤهم في القرعة العراقية ، بورك لهم وتقبل منهم وشكر سعيهم وغفر ذنبهم :

يا راحلين إلـى منـى بقيـادي … هيجتموا يوم الرحيـل فـؤادي

اودعناكم اغاتي