22 نوفمبر، 2024 10:26 م
Search
Close this search box.

قرار عراقي خاطئ

اثناء حرب اثينا (اليونان) ضد طروادة في عام 431 قبل الميلاد و التي استمرت 27 سنة ,حاصر الاثينيون جزيرة صغيرة محايدة تدعى ميلوس و التي تقع في الجنوب الغربي من بحر ايجه و ارادوا  اجبارهم على الاستسلام و دفع الفدية و الاّ فالجزيرة سوف تُدَّمر بالكامل .جادل حكماء و قادة هذه الجزيرة الصغيرة ,قادة و حكماء اليونان على ان هذا ليس عدلا .اجاب قادة اثينا بأن العدالة و المساواة بين الدول تتم عندما تكون هذه الدول بنفس القوة و بنفس القدرة , و ان لا عدالة بين دولة قوية و دولة ضعيفة .الدولة القوية هي التي تحدد شكل العلاقة بين الدولتين , فالقوي سيحكم و الضعيف سيطيع .
ادخل في كتابة هذا المقال بعد الغوص في تاريخ عميق و لأشير بأن هذا المنطق على العموم هو السائد بين الدول و هي الطريقة التي تتعامل بها الدول القوية مع الدول الضعيفة ,الدول الغنية مع الدول الفقيرة. اي ان ما جرى قبل اكثر من 2000 عام هو القاعدة التي ترتكز عليها الكثير من العلاقات الدولية في الوقت الحاضر .
الحرب في اليمن بين ما يسمى قوات التحالف بقيادة السعودية و بمؤازرة امريكية و بين مجموعة قتالية يمنية  صغيرة ضعيفة هي حرب غير متكافئة و حرب غير عادلة. هذه الحرب يمكن لاي عاقل غير متحزب و غير منحاز بأن يعرّفها بأنها عدوان دولة على دولة اخرى .ذكرت هاتين العبارتين للتوكيد بأن موقف اي منصف سيكون ضد هذه الحرب الظالمة و ان موقفي الشخصي هو ضدها بالكامل .
نأتي الان الى موقف العراق من هذه الحرب في اجتماع الجامعة العربية في شرم الشيخ و الذي جاء وحيدا ضد هذه الحرب , و اقول بأنه موقف خاطئ لا يُدخِل مصلحة العراق كبلد و شعب في حساباته . و ان هذا الموقف جاء كموقف عاطفي ايديلوجي و لم يأتي كموقف سياسي متزن و محسوب . و ستكون لهذا الموقف ردود افعال سيئة ستضرّ بالعراق و شعبه و هذا ما كان للحكومة العراقية وضعه في حساباتها عند الدخول في هكذا معتركات دولية او اقليمية .قرار العراق بأنه الوحيد المعارض للحرب لن يطعم جائع يمني و لن يسد ظمئه و لن يحميه من القنابل .اي ان هذا القرار لن تكون له اي فائدة تذكر على ارض الواقع و هذا ما لم يفكر به ساسة الخارجية العراقية .العراق بلد ضعيف الان(اسف لذكر الحقيقة المرة)و هو نفسه يحتاج العون من اين ما جاء . المكابرة بأن العراق بلد كبير و له حضارة عريقة و كذا و كذا مواصفات لن تجعله قوي و ذو تأثير في السياسة الخارجية و هذه حقيقة لا يمكن تجاهلها في هذه المرحلة . العراق في رأيي هو اضعف دول المنطقة على الاطلاق و ان جسده منخور بامراض سرطانية خبيثة ستريد الكثير من الجهد و الحكمة لاجتثاثها او على الاقل تقليص سلبياتها و ان هذه الامراض الخبيثة توجب على العراق طلب المساعدة من كل من هب و دب. كان الاجدر بالعراق بأن يكون قلبه مع اليمن و لسانه مع السعودية خدمة لشعب العراق .شعب العراق و مصلحته كان يجب ان يكون المرتكز التي ترتكز عليه السياسة الخارجية العراقية و ليس الشعب اليمني او السعودي او الصومالي او الايراني . هذا لا يمنع الحكومة العراقية و الشعب العراقي من التعاطف مع الشعوب و الدول المستضعفة و لكن ان تطلبت فائدة الشعب العراقي و العراق كبلد من الوقوف ضد هذا التعاطف فيجب ان يكون القرار موازيا و متوافقا مع هذه الفائدة . لا عواطف و لا ثوابت, خاصة في العلاقات الدولية .عسى ان يتعظ راسمي السياسة الخارجية العراقية و يغيروا الثوابت الاخلاقية كما يقولون في تصريحاتهم الاعلامية بالوقوف ضد هذه الحرب و ان يضعوا دائما و ابدا مصلحة العراق اولا و ان ينظروا للمستقبل من زوايا اخرى اكثر نضجا .

أحدث المقالات