22 ديسمبر، 2024 7:08 م

قراءه نقديه للفراغ التشريعي

قراءه نقديه للفراغ التشريعي

قراءه نقديه للفراغ التشريعي.. ودوره في تأبيد الحصانه المطلقه للمركز الوظيفي لرئيس مجلس القضاء الأعلى بالعراق.. وعدم جواز مساءلته عن أخطائه..؟
في النظم البرلمانيه عادة تحتل السلطه القضائيه متمثلة بمجلس القضاء الأعلى مكانآ محوريآ واستثنائيآ كونه المحرك الاساسي للوظيفه القضائيه.وفي العراق للاسف تم تسويق هذا النظام البرلماني معلبآ بكل اعمدته ومسوغاته الدستوريه الجاهزه وادى ذلك لانتاج نظام قانوني وقضائي مصاب بالوهن والترهل الوظيفي..! ولذلك سنحاول قدر الامكان توصيف وتصويب هذا المسار القانوني وتداعياته بقراءه نقديه بناءه بعيدآ عن الشخصنه وعن اسماء ومسميات شاغلي هذه المراكز الوظيفيه لاننا معالجاتنا ومحاججاتنا ستكون بالتحديد عن الطبيعه القانونيه لهذا المركز الوظيفي بغض النظر من اختلافنا او اتفاقنا مع شاغلي هذا المنصب الوظيفي.وذلك من اجل توفير مساهمه دستوريه هادفه وجاده للخروج من حالة العوار التشريعي المتجذر في المنظومه القانونيه بالعراق.خاصة والدستور العراقي كان نتاج انصاف المتعلمين من رجال مال واعمال وسياسيين ورجال دين وبغياب العلماء والكفاءات واساتذه القانون الدستوري المجربه..؟ عمومآ دعونا لاستقراء معالم وادبيات الفقه الدستوري المعاصر وتطبيقاته حيث نجد ان الحصانه القانونيه هي واحده من الأنماط الحمائيه التي توفر عديدآ من الضمانات القانونيه لكبار رجال الدوله لادارة وتسيير الوظيفه العامه بعيدآ عن التأثيرات والضغوط الابتزازيه والشانتاج السياسي. والمسألة المثيره للجدل هنا ان علوم الفقه الدستوري رفضت بشكل قاطع (تأبيد الحصانه القانونيه) لشاغلي الوظيفه العامه خاصة في حالة تجاوزهم واعتدائهم على القيم الدستوريه وارتكابهم جريمه مخله بالشرف..؟ ولذلك ان الحصانه لاتعني بأي حال من الاحوال عدم المساس بصاحبها عندما يقوم بتوظيف هذه الحصانه لسرقة المال العام او تزوير للشهادات والمستندات الرسميه او توظيفها للتدليس السياسي.لان القانون يسري علي صاحب الحصانه ان كان رئيسآ او نائبآ او قاضيآ.. لان الفقه الدستوري اكد في ادبياته الدارسه ان الحصانه (للقضاء وليس للقضاة)انطلاقآ من قدسية الوظيفة القضائيه.وهذا ما أكده الدستور العراقي بدلالة الماده 87 حيث قالت
( السلطه القضائيه مستقله…. وتصدر احكامها وفقآ للقانون). كما لا يفوتنا ان نذكر ان الاتفاقيات الدوليه هي الاخرى اكدت على حيادية واستقلالية السلطة القضائيه. وهذا ما اشارت اليه (اتفاقيه بنغالور) للسلوك القضائي حيث كرست مجموعه من الحتميات القضائيه وفي مقدمتها
(التزام القاضي بالحياد والنزاهة والاستقلالية في تأدية وظيفته القضائيه بدون تحيز ومَحاباة سياسيه او دينيه او عرقيه.وأن يكون فوق الشبهات)؟؟
وعلى ضوء ماتقدم لا ابالغ اذا قلت ان الدستور العراقي لسنة 2005 وكذلك قانون مجلس القضاء الاعلى رقم45 لسنة2017
لابل وجميع القوانين ذات الصله بالعراق للاسف لم نجد في مفاصلها ونصوصها ما يشير لتعريف او مفهوم للمركز القانوني لرئيس مجلس القضاء الاعلى بالعراق وخاصة اذا علمنا ان رئيس مجلس القضاء الأعلى هو في الوقت نفسه رئيس محكمه التمييز الاتحاديه وهذا ما اشارت اليه الماده02 من قانون َمجلس القضاء الأعلى رقم2017/45.
حيث اشارت(يتالف مجلس القضاء الأعلى من رئيس محكمة التمييز الاتحاديه رئيسآ). وهكذا نجد انه يجمع بين منصبين ووظيفتين في آن واحد.. وفي رأي الحصانه التي يتمتع بها كونه كقاضي اي كرئيس لمحكمة التمييز الاتحاديه أستنادآ لقانون هيئة الاشراف القضائي لا غبار عليها..ولكن محاججتي ومجال دراستي تتعلق هل تنسحب هذه الحصانه القضائيه عندما يقوم
المعني بوظيفته كرئيس لمجلس القضاء الاعلى خاصة اذا علمنا ان اغلب اعمال هذا المجلس ذات طبيعه اداريه وماليه واشرافيه وليست قضائيه اطلاقآ وهذا ماكرسته الماده 91 من الدستور العراقي النافذ حيث له ولاية (اقتراح مشروع الموازنه السنويه للسلطه القضائيه او ادارة شؤون القضاء والاشراف على القضاء الاتحادي)..وهنا نجد ان المشرع الدستوري العراقي سكت عن الموقف القانوني في حالة ارتكابه اخطاء جسيمه تصل لمصاف الجريمه الجنائيه عند مباشرته لنشاطه الاداري او المالي كونه رئيسآ لمجلس القضاء الاعلى وليس رئيسآ لمحكمة التمييز الاتحاديه..؟
وبخلاف ذلك نجد ان الدستور العراقي النافذ اشار بصريح العباره على مَساءلة(رئيس الجمهوريه او رئيس مجلس الوزراء او رئيس مجلس النواب) في حالة مخالتهم للاصول الدستوريه والقانونيه في اكثر من مكان بالدستور العراقي النافذ بينما لا يوجد نص دستوري ولا قاعدة قانونيه عامه او خاصه تجيز مساءلة رئيس مجلس القضاء الأعلى في حالة الخطأ الجسيم او في حالة انتهاك احكام الدستور او التلبس بجريمه مشهوده..؟ علمآ ان (رئيس الجمهوريه ورئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب ورئيس ورئيس مجلس القضاء الأعلى هم نتاج ارادة برلمانيه واحده)..؟ كما ان ما جلب انتباهي ان رئيس َمجلس القضاء الاعلى ولايته الوظيفيه مَفتوحه وغير محدده بدائرة زمنيه معينه اسوة برئيس الجمهوريه ورئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب والتي تم تحديدها بدوره نيابيه اي باربع سنوات..؟ وهذه التعارضات القانونيه والزمنيه تخالف الماده 14من الدستور العراقي والتي تقول(العراقيون متساوون امام القانون..) كما ان هذا الفراغ التشريعي يتناقض والماده 05 من الدستور العراقي النافذ والتي تقول ان(السياده للقانون. والشعب مصدر السلطات وشرعيتها…) واتمنى صادقآ ان لا يعمل هذا الفراغ التشريعي على تكريس مقولة ان يبقى الرئيس الاداري مصون وغير مسؤول بالعراق الجديد.. ؟
والله وراء القصد