اولا: تقديم الموازنة.
تقدمت الحكومة العراقية بمقترح موازنة متوسطة الاجل لمدة ثلاثة سنوات للاعوام 2023، 2024 و 2025 مرة واحدة الى مجلس البرلمان العراقي لتشريعها، استنادا الى [ قانون الادارة المالية العراقي رقم (6) لعام 2019 في ثانيا من المادة (4)، على ان تكون السنة الاولى وجوبية، ولمجلس الوزراء بناء على اقتراح من وزارتي التخطيط والمالية تعديلها للسنتين الثانية والثالثة وبموافقة مجلس البرلمان]، وأعتبرت المبالغ المقدرة لتخصيصات موازنة عام 2023 هي نفس تقديرات مبالغ تخصيصات موازنتين عام 2024و2025 ما لم يحدث تغير في الظروف الحالية كي تقدم موازنة جديدة.
لابد من الاشارة ان هناك مبادئ لاعداد الموازنة العامة يجب اتباعها كي تكون الموازنة سليمة وصحيحة، من اهمها مبداء سنوية الموازنة الذي يحدد اعداد الموازنة لمدة سنة واحدة ويطلق عليها بموازنة قصيرة الاجل، كي يمكن وضع التقديرات بدقة وموضوعية بعد دراسة المتغيرات بسهولة لقصر فترتها وبعكسه ستكون الموازنة قد افقدت اهم مبادئها.
لكن الحكومة اعدت موازنة متوسطة الاجل في ظل ظروف البلد الحالية التي لا تسمح بأجراء تجارب لاعداد مثل هكذا موازنة ولاول مرة كما ذكرت الحكومة، كونها تعلم جيدا ان العراق يعتمد بشكل كبير لتغطية النفقات العامة على ايرادات النفط التي تعتبر مصادر دخل غير ثابتة او دائمة وان عائداتها متقلبة في الغالب وقد تبدو غامضة في بعض الاحيان، وذلك لتاثر اسعار النفط بالاحداث السياسية العالمية وغيرها من المؤثرات، فمن المستحيل في ظل هذه المعطيات ان تتوقع الحكومة مقدار ايرادات النفط لثلاثة سنوات قادمة بسهولة ووضع تقديرات صحيحة.
ثانيا: أسباب تقديم موازنة متوسطة الاجل.
اوضح الناطق باسم الحكومة العراقية بتاريخ 14/03/2023 الاسباب الموجبة لاعداد موازنة متوسطة الاجل اوجزها بالاتي:-
1- بسبب التجاذبات السياسية التي خضعت لها الموازنات السابقة ومناقشتها في اللجنة المالية داخل مجلس البرلمان التي استغرقت وقتا طويلا لتخرج الموازنة من مجلس البرلمان لا تحاكي رؤية الحكومة او برنامجها بسبب احدث تغيرات جذرية على المسودة المقدمة من قبلها، وكذلك حرمان البلد من موازنة عام 20220 وعام 2022 لنفس السبب.
2- لتصويت مجلس البرلمان على الموازنة ياخذ وقت طويل مما يؤدي الى تاخير اقرارها الى بعد النصف الاول من السنة او في الثلث الاخير منها، وبالتالي يؤدي الى ايقاف مجمل النشاطات الاستثمارية والمشاريع المختلفة لكون عدم وجود الوقت الكافي الا اشهر قليلة لتنتهي السنة والتي عادة يطلب ايقاف الصرف خلالها من اجل البداء في اعداد موازنة جديدة.
3- تاخير اقرار الموازنة بسبب التجاذب السياسي والاضافة والحذف قد أضر بالمستثمرين والبرامج الخدمية والتنمية الاستثماربة، مما ادى الى عدم الثقة بالاقتصاد العراقي من قبل مستثمري الداخل والخارج.
4- الاسباب اعلاه جعلة تخوف لدى قطاع المال والاعمال مما ادى الى تاخير تنفيذ المشاريع المختلفة، وحالة اضطراب في موارد الصرف وتقيد يد الوزاراء والمحافظين وتعطيل الكثير من الانجازات، بالاضافة الى تذبذب في أسعار المواد الاستهلاكية الاساسية، وعدم الثقة في اسعار صرف العملة الصعبة، لا شك بان الاستقرار المالي والاقتصادي المتعلق بالموازنة لا يقل تاثيرا عن الاستقرار الامني، ان لم نقل ان عدم الاستقرار المالي والاقتصادي هو احد اهم الاسباب الموجبة لعدم الاستقرار الامني.
ثالثا: توقعات الحكومة اوجز اهمها بالاتي:-
1- ان تقدم لمجلس البرلمان العراقي نفس موازنة عام 2023 (الابواب والارقام) للعامين المقبلين 2024و2025 اذا ما حققت موازنة السنة الحالية نجاحا كبيرا ملموسا ولم يطرأ أي تغيير مفاجيء على المداخيل المتوقعة.
2- في حالة يتطلب تغير مبالغ بعض التخصيصات فلا يحتاج ان تقدم الحكومة موازنة جديدة وانما تقدم مقترح للبرلمان بهذه التخصيصات للمناقشة والتصويت والاقرار دون الحاجة الى تشريع قانون جديد.
3- اما عند تغير الظروف المتوقعة للعامين المقبلين مما يتطلب تغير جوهري في تخصيصات الموازنة، عندها مطلوب من الحكومة ان تقدم مقترح موازنة سنوية جديدة.
رابعا: اساس تقدير الموازنة.
اعتمدت الحكومة العراقية على اساس التوقع والخبرة الشخصية لتقدير النفقات والايرادات العامة لموازنة عام 2023 البالغة (198) تريليون دينارعراقي بما يعادل (153) مليار دولار تقريبا، خصص منها نسبة (24%) الى الموازنة الاستثمارية ونسبة (76%) الى الموازنة التشغيلية، دون الاعتماد على نتائج تحليل البيانات والمعلومات الفعلية التي تتيحها الميزانية الختامية العامة في نهاية عام 2022 والتي لم تعد اصلا بسبب عدم وجود موازنة تقديرية لنفس العام.
المفروض ان تتم عملية تقدير النفقات والايرادات العامة للموازنة على اساس التنبؤ وليس على اساس التوقع، كون التنبؤ يعتمد على نتائج تحليل البيانات والمعلومات التي يتم استخلاصها من الحسابات الختامية للميزانية العامة عند توفرها في نهاية عام 2022 مع مراعات التغيرات الحاصلة لاقتصاد البلد والاقتصاد العالمي، كي يمكن وضع تقديرات قريبة للواقع وبدقة وموضوعية على اقل تقدير ومن ثم الحصول على اجمالي مبلغ موازنة مقبول.
الفرق كبير بين الاساسين فالتنبؤ يعتمد على البيانات والمعلومات التي حدثت فعلا في العام الماضي ويكون التقديرفي ايطارهذه البيانات والمعلومات زيادة ونقصانا بنسب محددة وفقا للتغيرات الحالية وتكون نتائجه مقبولة ومعقولة، بينما التوقع يعتمد على الخبرة الشخصية فقط دون النظر الى الاحداث الفعلية التي حدثت في العام السابق من اجل تحليلها ومعرفة اسباب انحرافاتها عن موازنة نفس العام كي يساعد على تقدير تخصيصات الموازنة للعام المقبل قريبة لواقع البلد.
وبسبب تعذر الحكومة استخدم اساس التنبؤ لتقدير تخصيصات موازنة عام 2023 وعدم توفر الحسابات الختامية الفعلية للميزانية العامة للعام 2022، لجأت الى منح حرية كبيرة لتقدير مبالغ التخصيصات على اساس التوقع والخبرة الشخصية من قبل القائمين على اعداد الموازنة مما سمح للقيادات السياسية التي تعمل دوماعلى مبداء التوافقات ان يكون لها دور كبير فيها وفقا للمحاصصة الحزبية، مما أدى الى اخرج موازنة مبالغ في تخصيصاتها وتضخيمها بمبلغ اجمالي قدره (198) تريليون دينارتقريبا وقد سماها البعض بالموازنة الكارثية.
لهذا ظهر تقدير مبالغ تخصيصاتها بعيدة عن الواقع وطغى عليها عدم الدقة والموضوعية، وسيؤدي ذلك الى حصول انحرافات كبيرة في بعض مبالغ التخصيصات والمناقله فيما بين ابوابها خلال العام الحالي، وزيادة التكاليف وهدر الاموال في بعض الاحيان، بالاضافة الى الارباك الذي قد يحصل في اقتصاد البلد نتيجة ضخ اموال كبيرة خلال الستة الاشهر القادمة وهي الفترة المتبقية للموازنة.
مما لاشك فيه سوف يتوجب على الحكومة تقديم موازنة جديد لعام 2024 مختلفة تماما لتقديرات مبالغ تخصيصاتها عن مقدارالمبالغ المقدرة لتخصيصات موازنة عام 2023، وهنا ستكون الحكومة قد اخفقت بتوقعاتها في الفقرتين (1و2) المذكورة اعلاه.
خامسا: المصادقة على موازنة ودخولها الى حيز التنفيذ.
وافق مجلس البرلمان في 12/06/2023 على موازنة عام 2023 البالغة (198) تريليون دينار اي ما يعادل (153) مليار دولار بعجز مرتفع يقدر (64) تريليون دينار بلغ اكثر من مثلي العجز المسجل في اخر موازنة لعام 2021 البالغ (28) تريليون دينار.
نامل ان تنجح الحكومة العراقية في خططها وتحقيق اهدافها وسياستها وبرامجها التي من خلالها ستعمل على الاستغلال الأمثل للموارد وعملية توزيعها تبعًا للأولويات، وتنهض بدور رئيسي في تكوين الناتج المحلي الإجمالي من خلال الإنفاق الحكومي، من اجل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلد اذا ما تمكنت من تحقيق الاتي :-
1- الرقابة المستمرة من قبل اعضاء اللجنة المالية في مجلس البرلمان وجعل المصلحة العامة فوق كل الاعتبارات وترك المحابات ومجاملات احزاب المحاصصة للوزارت، لتقييم وفحص ومراجعة صرف تخصيصات النفقات واوجه صرفها ضمن الفترة المحددة لها لتحديد مدى اللتزام بالمبالغ المعتمدة بالموازنة، وكذلك تحديد مدى اللتزام بتحصيل الايرادات المقدرة لتحقيق اوجه صرف النفقات وتحصيل الايرادات العامة وفق الاهداف المحدة بالموازنة العامة.
2- التصدي بحزم وقوة من قبل هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية وزارة المالية والجهات المختصة الاخرى لمنع الذين يمارسون الفساد الاداري بدعم من احزابهم من اجل نهب المال العام او هدره بحجج مختلفة بهدف الكسب اللغير مشروع اوافشال البرنامج الحكومي وغيرها من الاهداف.
3- التحقق من جميع الايرادات العامة البالغة (134) تريليون دينار تقريبا لعام 2023 قد ادخلت في ذمة الوحدات الحكومية فعلا وفقا للقوانيين المعمول بها، والكشف عن الاخطاء والانحرافات والمخالفات التي تحصل فورا، بالاضافة الى التحقق من دقة التقارير المالية لتاكد انها تمثل واقع الوحدات الحكومية كي لا تتكرر السرقات وخصوصا الكبيرة وكشفها في وقت مبكر.
4- توفير الاموال الكافية لتغطية مبالغ تخصيصات النفقات العامة ذات الاهمية في حالة انخفاض سعر النفط، لكون الريع التي تتوقعه الحكومة من عائدات النفط متغيرة زيادة ونقصا تبعا لتغيرات الظروف السياسية والاقتصادية العالمية، وبعكسه سوف تواجه الحكومة مشكلة كبيرة من اهمها عدم امكانية تسديد المرتبات البالغة (62) تريليون دينار تقريبا، لانة نسبة الايرادات النفطية والثروات المعدنية المتوقعة حسب الموازنة تشكل نسبة كبيرة جدا تصل (87%) من اجمالي الايرادات العامة بما يعادل مبلغ (116) تريليون دينار.
5- ترشيد الانفاق العام لتخفيض حجم مبالغ النفقات العامة المخصصة بمبالغ طائلة بالموازنة، وبالتالي سوف يؤدي الى تقليص العجز البالغ (63) تريليون دينار ويساعد بتخفيض حجم الدين العام، الذي يعتبر احد اهم اهداف الحكومة الاساسية التي تسعى الى تحقيقها والذي يعتبرمؤشر ايجابي للحكم على مصداقيتها ونجاحها في عملها.
6- من الواضح مبلغ الموازنة كبيرجدا لذا يجب الانتباه جيد عند صرف التخصيصات وعدم التعجيل في صرفها باعتبار المدة المتبقة للفترة الموازنة هي ستة اشهر، كي لا يسمح لضعفاء النفوس استغلال هذا الظرف من اجل الكسب، او هدر المال العام في اوجه غير المحددة لها وتحصل الانحرافات وقد يتاخر اعداد الميزانية الختامية العامة.
7- لقد استبشر الشعب خيرا الى حد ما بعد تشكيل الحكومة لبعض الخطوات التي اتخذتها نحو الاصلاح والبناء والقضاء على الفساد، ولكي تستمر بخطوات اخرى لابد من استقلالها التام عن القيادات الحزبية والسياسية لتنفيذ برامجها حسب خططها المرسومة وفقا للموازنة، ولتقديم الخدمات الاساسية للشعب خلال المدة المتبقية لفترة الموازنة وهي ستة اشهر ومن اهمها الصحة والكهرباء والماء وتحسين السلة الغذائية كي يلمس المواطن جديتها ومصداقيتها…
من الله التوفيق