23 ديسمبر، 2024 12:29 ص

قراءة متسائلة ..(ثورة التوابين) للباحثة الدكتورة بثينة بن حسين

قراءة متسائلة ..(ثورة التوابين) للباحثة الدكتورة بثينة بن حسين

قبل سنوات كانت نزهتي الفكرية مع كتاب الأستاذ الدكتور هشام جعيط (الفتنة)  وبعد سنوات أطلعت على كتاب (الفتنة الثانية) للباحثة الأستاذة الدكتورة بثينة بن حسين. ثم دونت هامشا عن الكتاب ونشرته في المواقع الثقافية بتاريخ 15/ 8/ 2022.. في مقالتي هذه كانت تجوالي في كتابها(ثورة التوابين) وهو من منشورات دار الجمل/ بغداد/ 2023.. كتاب (ثورة التوابين) للباحثة الدكتورة بثينة بن حسين يستحق القراءة والتمعن فيه والتحاور معه وهو محاولة  جادة في توصيل ما نحتاجه من شذرات ذلك الماضي الذي مازال محتدما  حتى لحظتنا الراهنة

(1)

(كان مروان بن الحكم وأبنه عبد الملك ضمن الأمويين الذين يقيمون بالحجاز عندما مات الخليفة يزيد بن معاوية تعرضوا للإذلال، فالتحقوا بجيش الحصين بن نمير السكّوني أي جيش الشام الذي كان محاصراً لأبن الزّبير في مكة. بعد أن طردهم هذا الأخير. فقد طلب  عبدالله بنالزّبير من واليه على المدينة مطيع أن ((ينفي))(2) بني أميّة من المدينة وكان لهذا الطرد لبني أميّة رمزيا إلى أبعد حدّ../ ص21) في الصفحة ذاتها في الحاشية (2) بعد ذكر المصادر وهي الطبري، والبلاذري ج6 ص257 نقرأ الكلام التالي(ذكرت عبارة أخرى لطرد بني أميّة وهي سيّرهم. وكان عبد الملك مريضا وأكترى مروان بن الحكم هو وأبناؤه!) ما بين القوسين، لا يستقيم المعنى فيه!!

(2)

في ص29  تحدثنا الباحثة عن انتقال الخلافة من البيت السفياني إلى البيت المرواني، سببه رفض معاوية بن يزيد للخلافة، ودامت المفاوضات أربعين ليلة واستقرت بفضل الحصين بن نمير السكّوني، عند مروان بن الحكم للأسباب التالية :دفاعهُ عن عثمان بن عفان، كما أنه قاتل علي ّ بن أبي طالب يوم الجمل. وما يذكر ضمن البطاقة الشخصية لمروان ابن الحكم والأهم من كل هذا الشرط التالي(لا تقوم الخلافة إلاّ في بني عبد مناف، ورجعت فكرة أحقية قريش وأساساً بني عبد مناف في الخلافة على حساب بني أسد بن عبد العزى التي لا تستطيع منافسة بني أمية في شرفها الما قبل الإسلامي والإسلامي) وهكذا صيرّت أميّة الإسلام(بستان قريش) وكل ما ارتكبته من جرائم بحق الحسين والتوابين والمختار الثقفي هو القصاص العادل !!وقبل هذا مقتل حجر بن عدي ورجاله على يد معاوية بن أبي سفيان.. !! أولا: هاجم الأمة بالسيف وسلبها أمرها. ثانيا: عيّن يزيداً السكيّر خليفة. وألغى بذلك اختيار الخليفة بالشورى وجعل الخلافة وراثية ثالثا: جعل زياد أبن أبيه يتخذ أبا غير أبيه الحقيقي(أي يتخذ أبا سفيان أباً له)بينما قال رسول الله: الولد للفراش(أي لزوج أو مالك الأم) والحجر لخائن الزوجية.أما بخصوص  الشرف فأكتفي بجعله بين قوسين (( لا تستطيع منافسة بني أمية في شرفها الما قبل الإسلامي والإسلامي)) أي شرف ٍ هذا حين يقتل حفيد الرسول محمد ؟ ويحرمون عليه وعلى أنصاره وعياله الماء، وتتحول النساء المخدرات سبايا..؟ وكيف لوالي أن يشق عصا الطاعة على الخليفة؟ كما فعل معاوية مع علي بن أبي طالب؟ حيث خرج الطاعة ومفارقة الجماعة، حتى أعتُبر الامتناع عن دفع الزكاة للخليفة المبايع، أبي بكر، مبرراً لقتال الممتنع مهما كان تأويله في ذلك… ص59/ نبيل فياض/ يوم انحدر الجمل من السقيفة)

كيف مات معظم خلفاء الدولة الأموية :  هناك من مات بعضة قرد سكران : يزيد بن معاوية. أما معاوية بن يزيد فقد سمّه أولاد عمه ُ بعد رفضه للخلافة . مروان بن الحكم  خنقته زوجته أرملة يزيد بالوسائد. الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز سمّه أولاد عمومته. هشام بن عبد الملك مات قرب أحدى القيان التي ماتت قبله، وكان يسكران معاً، فأخرج الجثة من القبر بعد دفنها وظل بجانبها حتى فارق الحياة. الوليد بن يزيد قتله أخوته وأولاد عمومته..

(3)

في ص41 تقول الباحثة  (عبيد الله بن زياد كان يمسك المصر بيد من حديد، فقضى على ثورة الحسين بن عليّ بقتله وتقتيل كل أفراد عائلته من الذكور) بخصوص (تقتيل كل أفراد عائلته من الذكور) : خبرٌ مجروح، لا أساس له من الصحة. في مقتل أبي مخنف وفي سواه من المقاتل وفي الكتاب الموسوعي لأبن طاووس(اللهوف على قتلى الطفوف) وكتاب أنطوان بارا(الحسين في الفكر المسيحي)، وللشيخ عبدالله العلايلي كتاب موسوعي عنوانه(الإمام الحسين).. في يوم العاشر من محرم وأثناء ملحمة الطف أراد الشمر بن ذي الجوش يتخلص من نسل الحسين عليه السلام فاعترضته السيدة زينب مخاطبة بذلك عمر بن سعد. بهذا الخصوص.. وهكذا من نسل الإمام الحسين بقي من ذريتهِ، وكان عليلا هو علي بن الحسين بن أبي طالب عليهم السلام- ومن صلبه سينهض زيد بن علي بن الحسين ويشعل ثورته ضد الخلافة الأموية في 122 هجرية وسيقتل فيها الإمام وبعد برهة من الزمن ستظهر ثلاث دول زيدية

(*) دولة الادارسة في المغرب ومؤسسها ادريس بن عبدالله

(*) الزيدية الهادوية في اليمن ومؤسسها يحيى بن الحسين

(*) الزيدية الناصرية في الديلم وطبرستان ومؤسسها الناصر الأطروشي

(4)

بخصوص وقعة(مرج راهط) تقول الباحثة (وقد تركّب الجيش الأموي من ستة آلاف جندي/ ص31) وعن الجيش الثاني تخبرنا الباحثة( وفي الجهة الأخرى، كان جيش الضحّاك بن قيس الفهري متركباً من ستين ألفا من القيسيّه، أي أن الجيشان كانا متساويان بالعدد/ ص33) كيف متساويانبالعدد؟

جنود الجيش الأموي 6000

جنود جيش الضحاك: 60000

(5)

في ص33 تخبرنا الباحثة ( وروت المصادر أجواء القتال في الصف المرواني حيث كانت أجواء ملحمية وتكتسي طابعا قدسيّا. فقد كانت (الملائكة) تساند اليمنية وتمدهم بعدد من الجنود (5))  ما بين القوسيننعرف مصدره في حاشية الصفحة 33 نفسها، فهو مقتبس من كتاب الطبري/ ج5/ ص539 .. سؤالي هنا هل وظيفة الباحثة تنحصر في توظيف المصادر دون استقراء ما فيها ؟ بخصوص المدد الملائكي، هنا السارد الأموي يريد أن يجعل وقعة مرج راهط  مثل وقعة بدر حيث كان جيش المشركين 1000 مقاتل وجيش المسلمين 313 ( وقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة ٌ فاتقوا الله لعلكم تشكرون)..والإعلام الأموي ماهرٌ في الغش والخداع فقد أشاع إن الحسين وأنصاره وعياله من الخوارج!! وبالسياق نفسه  نقترض من كتاب المستشرق جولد تسهير (العقيد والشريعة في الإسلام) هذه المحاورة بين معاوية والي الشام في عهد الخليفة عثمان بن عفان وبين الصحابي الورع أبي ذر في موضوع الآية الكريمة (والذين يكنزون الذهبَ والفضة َ ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرّهُم بعذاب أليم) (فقد رأي معاوية، ذو النزعة الدنيوية، في هذه الآية تحذيراً لا يمكن أن ينطبق على الظروف الواقعية للدولة الإسلامية، ولكنه تحذير موجّه إلى رؤساء الديانات الأخرى… بينما أبو ذر رأى عكس ذلك، وقال بأن هذه الآية(نزلت فينا وفيهم)  وكما يقول المستشرق جولدتسهير، لم يتفق بتاتاً مع آراء معاوية الذي عدّ تفسير أبي ذر بالغاً من الخطورة درجة أوجبت رفعه إلى الخليفة الذي أمر باشخاص أبي ذر إلى المدينة، ثم أبعده في قرية مجاورة لكيلا يؤثر بتعاليمه في الرأي العام/139)

(6)

نعود إلى الطبري ونقول: بين الطبري والخلافة الأموية مسافة زمنية لا يستهان بها. الدولة الأموية 41- 123 هجرية. المؤرخ والمفسر للقرآن محمد الطبري 224- 310 هجرية كم هي نسبة المتغيرات من الشفاهية إلى الكتابة ؟ وكم نسبة  أهواء النساخين في كل هذه المدة الزمنية ؟ وكيف يوافق الطبري نفسه بهذه التعادلية بين وقعة الأمويين  مرج راهط، ووقعة بدر؟ الراوي الأموي أنزل اجداده بمنزلة النبي محمد الذي خصه الله بجندٍ من الملائكة . الطبري مؤرخ بوظيفة ناقل للأخبار بحيادية مسرفة لا ضفاف لها، وهنا يخبرنا الطبري نفسه  قائلا (فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين، مما يستنكره قارئه، أو يستشنعه سامعه، مِن أجل أنه لم يعرف له وجها في الصحة، ولا معنى في الحقيقة، فليعلم أنه لم يؤت في ذلك مِن قبلنا، وإنما أُتي من قبل بعض ناقليه إلينا، وإنا إنما أديناه على نحو ما أدي إلينا../ج1/ ص 7-8/ تاريخ الطبري)!!  إذن أن كثيراً مما هو مسطور في التاريخ الإسلامي هراء وافتراء، والسبب أن مَن يحصل على الأخبار لا يدقق فيها. بل يثبتها في كتابته ويمتزج الصح مع الخطأ  زائداً ما تفرزه المخيلة

(7)

في ص35 نقرأ ما يلي (لقد ظهر العنف القبلي من جديد في مرج راهطوهو عنف يرجع للفترة الما قبل إسلامية، ولا يستند على قصاص قرآني مثل مطلب معاوية بالقصاص للخليفة المظلوم عثمان بن عفان)  أولاً ظهر العنف القبلي  حين قتل معاوية بن سفيان حجر بن عدي ومن كان مع حجر وظهر العنف القبلي ثانية في وقعة الطف. أما ما تقوله الباحثة عن القصاص  المستند على القرآن كان مطلب معاوية للخليفة المظلوم عثمان بن عفان.. أقول هل يعقل أن الباحثة التي أبدعت كتابها الموسوعي (الفتنةالثانية) لم تكتشف دهاء معاوية وتكتيك شعرة معاوية مع الرعية. التي علق عليها قميص عثمان أن الخروج على الخلافة ويومها كان الخليفة هو علي بن أبي طالب، هو بمثابة انقلاب عسكري من والٍ على خليفتهِ.. .بخصوص (مظلومية الخليفة عثمان بن عفان)، يخبرنا الأستاذ الدكتورهشام جعيط أنّ عثمان(ذاته أباح لنفسه ما كان أبو بكر وعمر قد حضراه على نفسيهما، فأخذ من الخزينة العامة مالا ً لنفسه، ولعائلته، ولأولئك الذين يريد مساعدتهم  ومكافأتهم، بلا رقيب أو حسيب، فاقترض من بيت المال مبالغ ضخمة لم يرجعها دائماً، وربما تاجر بها وقرضها أو وهبها لآخرين، وفي وسط كبار الصحابة في المدينة، كما في وسط الأمويين الذين أحاطوا به من أقربائه، تكونت ثروات ضخمة لا يمكن تفسيرها إلاّ بقروض أو تسهيلات بيت المال، إن التباين مثير بالمقارنة مع عصر النبي البطولي والبسيط، أو عصر أبي بكر وعمر. ويذكر أبن سعد أنّه عند وفاة عثمان وجِد لدى خازنه مبلغ 35 ميلون درهم، نُهبت من دون أن يُعرف إن كان المبلغ أموالا خاصة وهذا قليل الاحتمال أم أموالاً عامة.. صحيح أنّ عثمان كان غنياً منذ الجاهلية، لكن ثروات الماضي كانت غير قابلة للقياس بثروات الحاضر وتبدو ضئيلة)..المحسوبية  كانت الريادة فيها لعثمان بن عفان وهذه الريادة مدونة في كافة كتب التاريخ الإسلامي، فقد أعطى عثمان إلى مروان بن الحكم خُمس الغنيمة التي غنمها المسلمون في أفريقيا، لنتوقف عن قضية أخرى وهي تخص عثمان وعمّه الحكم بن العاص، المنفي من المدينة بقرار رسمي، فقد آذى الرسول حين كان في مكة، وفي المدينة آذاهبأنه يدعي الإسلام، بعيد فتح مكة  وقالها الرسول واضحة ً صريحة (لا يساكنني فيها أبدا) ويقصد بذلك الحكم أبن العاص، وبتوقيت خلافة عثمان وليس أثناء خلافة الصدّيق أو الخطاب انتهى مفعول نفي الحكم بن العاص وكافئه الخليفة عثمان، أغدقه عليه ثلاثمائة ألف ولولده الحارث نفس المبلغ، وعلى نفس المبلغ حصل عبدالله بن خالد بن أسيد الأموي وكل شخص كان بمعية عبدالله مائة ألف.. لكن عبدالله بن الأرقم صاحب بيت المال رفض تنفيذ أوامر الخليفة المسرف بحق أموال المسلمين وأستقال من عمله.. أقرباء عثمان لهم ما يشاؤون ومن المتوقع أن المحرومين من هذا السخاء لا يصبرون على هذا الذل الاقتصادي والاجتماعي..

(8)

في كتابه (البابكية) يذكر المفكرّ العراقي حسين قاسم العزيز(مارس الأمويون أبشع أنواع الاستغلال والاضطهاد وعاملوا الناس بازدراء واحتقار وأزادوا كمية الضرائب وأخذوها ممن أعفوا من دفعها بعد إسلامهم. ووضعوا أختام الرصاص في أعناق الموالي وأهل الذمة من الفلاحين مكتوب عليها أسماء محلاتهم لكي لا يهربوا من دفع الضرائب/ 55) أن الأمويين صنعوا نسخة رديئة من تعاليم الإسلام التي تؤكد أن الفرق الوحيد بين الناس هو التقوى .الأمويون اضطهدوا هذه الشعوب اقتصاديا واجتماعيا. أن كلمة الشرف والأشراف وغير ذلك من المفاهيم لها  محتويات لا تشبه ألفاظها. ما يطلق عليهم أشراف الكوفة هم الذين قتلوا الحسين وأنصار الحسين وآل بيته .

(9)

في ص49 (وأخيراً ذكرت المصادر عبد الله بن وال التّيمي كأحد رؤساء التوابين، لكنا لم نجد له ذكراً في كتب الطبقات والأنساب) يخبرنا الباحث الشيخ باسم الحلي في كتابه (سيرة المختار الصحيحة/ ط1/ 2017/     ) تحت العنوان الفرعي(المختار وثورة التوابين ) بالكلام التالي (أتفق المؤرخون سنّة وشيعة دون خلاف أعلمه، واللفظ للبلاذري في أنسابه(279هجري) قال: حدثني عباس بن هشام، عن أبيه، عن جده وأبي مخنف، قالوا: لما قُتل الحسين بن علي عليهما السلام ودخل عبيد الله بن زياد من معسكره بالنخيلة إلى الكوفة، تلاقت الشيعة بالتلاوموالتندم ففزعوا إلى خمسة نفر من رؤوس الشيعة وهم :

الأول: سليمان بن صرد الخزاعي، وكانت له صحبة

الثاني: المسيب بن نجبة الفزاري، وكان من خيار أصحاب علي

الثالث : عبدالله بن سعد بن نفيل الأزدي

الرابع: عبد الله بن وال التيمي

الخامس: رفاعة بن شداد البجلي

قلتُ : هذا متواتر، لم يختلف فيه اثنان/ ص39)

(9)

في الصفحة 128،تحت العنوان الفرعي( هروب التوابين) تقول الباحثة وهي تتناول نتائج معركة عين الوردة( انتهت المواجهة  إذن، وفي المساء،  وبعد أن رجع أهل الشام إلى معسكرهم تأهب رفاعة بن شدّاد للهرب.. . ورجع رفاعة بن شدّاد وأصحابه إلى الكوفة.. ولم يذكر الطبري كم بلغ عدد الهاربين من التوابين الذين كان على رأسهم رفاعة بن شدّاد البجلي../131) لكن الشيخ باسم الحلي في كتابه(المختار الثقفي  في ميزان الجرح والتعديل عتد الفريقين/ دار الوارث للطباعة والنشر/ ط1/ 2017/ العتبة الحسينية المقدسة/ كربلاء) يخبرنا في الصفحة 91 من هذا الكتاب بالخبر التالي، تحت العنوان الفرعي(مقتل رفاعة بن شدّاد في عين الوردة) ..(دعوى أن المختار قتل رفاعة بن شدّاد، كذب ٌ بواح، فالراجح تاريخيا عند بعض جهابذة النقد والتاريخ، أنه آخر من أستشهد في عين الوردة من التوابين رضي الله عنهم، ولم يرجع إلى الكوفة)