المتمثل في سورة النساء ( سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا .. / 56 )
المقدمة :
ليس من سورة تستحق أعادة النظر والتفكير العقلي ومحاولة أيجاد التسبيب لها منطقيا ، كالأية 56 من سورة النساء ، ففي هذا المقال المقتضب، سأبحث في هذا المنحى لربما أجد مسببا لهذا النهج التوحشي والعنفي للنص القرأني ، وسأتطرق أولا للتفسير الأسلامي لشيوخ الأسلام لهذه الأية ، حسب أهم المصادر الأسلامية المعتمدة ، ثم سأسرد قراأتي الخاصة لها .
النص :
أولا لنتناول تفسير الأية ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا – 56 / سورة النساء ) وفق ما جاء في تفسير ” الطبري ” حسب موقع quran.ksu.edu.sa/tafseer/tabary/sura4-aya56.html ( قال أبو جعفر : هذا وعيد من الله جل ثناؤه للذين أقاموا على تكذيبهم بما أنـزل الله على محمد من يهود بني إسرائيل وغيرهم من سائر الكفار ، وبرسوله . يقول الله لهم : إن الذين جحدوا ما أنـزلتُ على رسولي محمد ، من آياتي يعني : من آيات تنـزيله ، ووَحي كتابه ، وهي دلالاته وحججه على صدق محمد فلم يصدقوا به من يهود بني إسرائيل وغيرهم من سائر أهل الكفر به : ” سوف نصليهم نارًا “، يقول : سوف ننضجهم في نارٍ يُصلون فيها أي يشوون فيها ” كلما نضجت جلودهم “، يقول : كلما انشوت بها جلودهم فاحترقت ” بدلناهم جلودًا غيرها “، يعني : غير الجلود التي قد نضجت فانشوت ، – 9833 حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن ثوير ، عن ابن عمر: ” كلما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودًا غيرها “، قال : إذا احترقت جلودهم بدّلناهم جلودًا بيضًا أمثالَ القراطيس. 9834 – حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله : ” إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارًا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودًا غيرَها “، يقول : كلما احترقت جلودهم بدّلناهم جلودًا غيرَها. 9835 – حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله: ” كلما نضجت جلودهم “، قال : سمعنا أنه مكتوب في الكتاب الأول : جلدُ أحدهم أربعون ذراعًا ، وسِنُّه سبعون ذراعًا ، وبطنه لو وضع فيه جبل َسِعه. فإذا أكلت النار جلودهم بُدّلوا جلودًا غيرها . ) .
القراءة :
أولا – لو نظرنا نظرة شمولية عامة وأولية لسورة النساء / بالرغم من أن هذا الأمر ليس موضوعنا الذي نحن بصدده ، لأستطعنا أن نكون فكرة أولية ، بان السورة معظم أياتها غير مترابطة البتة مع البنية العامة لنص السورة ، حيث نلاحظ / مثلا ، بأن الأيات ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ / 3 . لاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلاً / 22 . وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ / 25 ) تهتم بقضية ” نكاح النساء ” ، من حلل ” النكاح ” بهم ومن حرم ” نكاحهم ” .. ، بينما هناك أيات ليس لها من ربط أو علاقة أو صلة ببعضها البعض ، كالأية التي نحن بصددها المرقمة 56 ، وغيرها مثلا ( يرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا 28 . أوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا / 52 . لن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْدًا لِّلَّهِ وَلاَ الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا / 172 ) حيث تتناول مواضيع مختلفة متفرقة وعامة ! ، والسورة بنيويا تضم أضاءأت عامة ، متباينة في المضمون والنهج والمعنى والغاية ! .
ثانيا – أننا أمام حالة ووضع محدد وموصوف وهو ، أن الذين ( كَفَرُوا بِآيَاتِنَا ) ، أي الذين كفروا بأيات الله ، سَوْفَ ( نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا ) ، وهنا المتكلم هو الذات الألهية ، وهو المعاقب للكافرين بالأيات ، ولكن تفسير الطبري ، يأخذ منحى أخر وهو أن ( عقاب تكذيب الأيات التي نزلت بحق أو على الرسول وعدم تصديق الكافرين لها ) أن الله سوف يعاقبهم ( سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا .. ) ، وهنا نرى أن الأية تصب أو تنهج مسارا لصالح الرسول محمد بالتحديد ، ولا تصب لجانب الله وهذه نقطة خلاف مركزية مهمة ، هذا من جانب.
ثالثا – في سياق الأية ، ارى كما من التوحش والعنف الجهنمي والدموي ، لا مثيل له ، وموثق بشكل يجذب الأنتباه ، وهذا العذاب موصوف بشكل مقزز ، كأنه يوصف ( تعذيب جاسوس في أقبية المخابرات ) ، وبه أستعراض لا يقبله عقل ، حيث بين أن جلودهم تبدل كلما نضجت حتى يذوقوا عقابا أكبر ! حتى نقل عن ” الربيع ” أنه قال : ( يعذب وبطنه لو وضع فيه جبل َسِعه ) ، هذا العذاب من المؤكد ليس من الله ، ولو كان كذلك ، لكان الله ، يندرج أسمه تحت مسمى ” الله الجلاد ” وليس ” الله محبة ” ، وهذه أشكالية كبرى في كنه الذات الالهية! .
رابعا – بعد كل هذا التعذيب الوحشي تأتي الأية على وصف الله ب ” أنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا ” ، وهنا أتساءل هل المقصود أن الله كان حكيما في التعذيب ! ، وعزيزا في التمثيل بعباده ، فلا أرى أي مكان عقلي لهاتين المفردتين في سياق الأية بعد كل هذا التعذيب الوحشي ! وكيف يكون المعذب عزيزا ، ويكون عزيزا على من !! ، أيعقل أن يكون الله عزيزا على من يعذبهم ! .
خامسا – الغريب والعجيب والمستهجن أن بعض المواقع تورد وصف هذا العذاب بالاعجاز العلمي ! ، حيث جاء في / موقع جامعة الأيمان ، ما يلي (( الإعجاز العلمي للأية موضوعة البحث ، فأخبر الله تعالى أنهم سيصلون ناراً تشويهم وتحرق جلودهم ، فإذا احترقت تلك الجلود وانتهت فإنه تعالى يبدلهم جلوداً أخرى ، وهذا التبديل للجلود ليدوم ويستمر شعورهم وإحساسهم بالألم والعذاب . وفي هذه الآية الكريمة ” سبق علمي ” ، فقد أخبرت هذه الآية القرآنية ( أن الإحساس بالألم في الجلد ) ، فقال تعالى:﴿ كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ ﴾ ، حيث علل المولى عز وجل تبديل الجلود فقال تعالى : ﴿ لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ ﴾ .. )) .. وهنا أرى ظلال ونفاق كبيرين من قبل الشيوخ ، فكيف يكون هذا الوصف للجلد سبقا علميا ! ، فهل هناك أعجاز علمي حتى في العذاب ، ومن قبل الله بالتحديد ، فأذا كان كذلك فأننا نعيش في أزمة كارثية للنص القرأني ! .
سادسا – أن مرجعية داعش والقاعدة وأخواتها تستند على هكذا نصوص ، وما حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة (*) حيا ألا تطبيقا عمليا لهذه الأية وغيرها ! أن تفنن المنظمات الأرهابية في القتل والسحل والحرق والصلب والرمي من علو شاهق .. ، له ما يسنده نصا وحديثا وسنة في الموروث الأسلامي عامة ! .. وهذه معضلة دينية خطيرة ، لذا أرى أن توقف وتحجب هكذا نصوص ! لأنها لا تخدم المنادين بالأسلام كدين ومعتقد ، بل تدخله في دهاليز التوحش .
سابعا – أن هذه الأية تدلل على بشرية النص ، وأرى أن المضمون الرباني مفتقد في بنية هذا النص القرأني ، من جهة أخرى ، لم هذا الطابع التعذيبي في هذه الأية ، فهي تصور لنا صورة وحشية للنص ، فنحن أمام معذب مريض نفسيا ، هو الله ” الجلاد ” وليس أمام الله ” الخالق الحنان الرحمن الرحيم السلام الغفار السميع المجيب ” ، أخيرا أستحالة أن تكون هكذا أيات ذات مصدر رباني ، لأنها أيات ذات وعاء بشري أنتقامي ووحشي !! .
————————————————————————————-
(*) معاذ الكساسبة / 29 مايو 1988 – 3 يناير 2015 ، طيار أردني برتبة ملازم أول وقع أسيراً بأيدي تنظيم “داعش ” ، صباح يوم الأربعاء 24 ديسمبر 2014 ، وذلك بعد سقوط طائرته الحربية من نوع إف-16 أثناء قيامها بمهمة عسكرية على مواقع تنظيم داعش في محافظة الرقة شمالي سوريا . تم إعدامه حرقاً وهو حي على يد عناصر تنظيم داعش يوم 3 يناير 2015 ، حيث كان يقف داخل قفص حديدي مغلق . أعلن التلفزيون الأردني عن وفاته يوم 3 فبراير 2015 وذلك بعد أن قامت مواقع تابعة لتنظيم داعش برفع صور ومقطع فيديو لعملية حرقه .