23 ديسمبر، 2024 10:57 ص

قراءة لما بعد تحرير الموصل

قراءة لما بعد تحرير الموصل

ان تحرير الموصل ليس حدثا عاديا ولكن له نكهته الخاصة من كل النواحي كما كانت المدينة لها نكهتها الجميلة وكثير من الجيل السابق يحتفظ بذكرياته الموصلية، ان عودة الموصل ستكون له وقائع على المستوى السوقي وكذلك على المستوى الاستراتيجي، فهذه المدينة لها تاريخها  الذي يمتد لألاف السنين ومازالت شواخصه قائمة الى وقتنا الحاضر، فتحريرها يعني اولاً نهاية تنظيم داعش الارهابي على الاقل في العراق كما انه سيحدد نوع العلاقة التي تربط الحكومة المركزية بإقليم كردستان، بالإضافة الى اعادة التوازن بين المكونات الرئيسية التي تحكم العراق وهناك استحقاقات جديدة ينبغي الاخذ بها وعدم تجاهلها كما حدث في الاعوام السابقة، كما انها ستكون النقطة المحورية في تشكيل الاقاليم الاخرى والتي تسعى الولايات المتحدة لإنجاحها والتي بدأت بنقل الصلاحيات الى المحافظات، ويجب هنا ان لا ننسى ما تتمتع بها المدينة من موارد اقتصادية هائلة فهي تتحكم بأكبر سد في العراق وهو سد الموصل  والمقام على نهر دجلة كما ان هناك الكثير من النفط على الرغم من قلة الاستكشافات فيها  الا ان فيها ثروة نفطية هائلة حسب تقدير خبراء الطاقة وخاصة في تلك المناطق المتنازع عليها مع إقليم كردستان، وعن الزراعة فتعتبر المدينة الاولى في سلة الغذاء العراقية وخاصة محصول القمح، اما عن السياحة فالمدينة سميت بأم الربيعين لطول فصل الاعتدال فيها ولديها سياحة دينية وترفيهية ، ولا ننسى ان اهل الموصل يمتازون بحسن الاداء والتنظيم وتشهد لهم ساحات الوطن وفي كل المجالات ولديهم الكثير من الخبراء الذين لديهم القدرة على اعادة ترتيب اوراق المدينة بحيث تصبح المدينة الاولى في العراق ويجب ان نذكر انهم يحبون مدينتهم وقليلي الهجرة على خلاف  بقية المحافظات العراقية الاخرى، كما يمتازون بروح المنافسة وهو ما شهدته فترة السبعينات وهي تسابق بغداد للوصول الى ذروة المجد.
ان تحرير الموصل قد لا يروق لكثير من الفئات السياسية في العراق وخاصة التي ترى فيها انها ستكون منافس اقتصادي لها خاصة وانها تحظى بقبول لدى بقية الطوائف العراقية وقد تؤدي الى خفوت عاصمة الاقليم اذا علمنا ان سكان المحافظات يميلون الى مدينة الموصل اكثر من غيرها بسبب قلة الحساسيات الطائفية والعرقية وكذلك كونها كانت بعيدة عن الصراع الطائفي الذي حدث في العراق في اعقاب تفجير مرقد الامامين في مدينة سامراء في بداية العام 2006، كما تخشى كردستان ان تكون العلاقة بين هذه المدينة والحكومة المركزية تختلف عن الاعوام السابقة وقد تستخدم لكي تكون اداة ضغط اخرى على حكومة الاقليم.
وعن التحالف الوطني يرى بعضهم ان تحرير الموصل ومشاركة الكم الهائل من الدول الكبرى وبالأخص دول الجوار والمتمثلة بدول الخليج وتركيا قد يعيد ترتيب اوراق المكون السني ليكون موازيا للأكراد والشيعة ويشاركهم في حكم العراق الجديد خاصة اذا كانت هذه الدول جادة في اعادة بناء هذه المدينة ودعمها من جديد قد يدفع الى تقارب شيعي – كردي لاحتواء هذه التداعيات وقد يؤثر على سرعة اكمال تحرير المدينة مما يؤدي بالعودة الى التكتلات السابقة و الصراع من جديد، واخيرا فان تحريرها سوف يحدد مستقبل تشكيلات الحشد الشعبي والذي تشكل على اساس طرد داعش واستمراره يحتاج الى ترتيبات اقليمية  ليس من السهولة ايجادها للاستمرار ببقائه كقوة ضاربة تؤثر في المشهد العراقي، هذا على المستوى الداخلي.
 اما عن المستوى الخارجي فان تحرير الموصل قد يؤثر على مجرى الانتخابات الامريكية ويؤثر من جديد في العلاقة مع الطرف السني الذي غاب عن التأثير في المشهد للسياسي منذ احتلال بغداد خاصة وان الولايات المتحدة هي الراعي الاساسي لعملية التحرير، كما ان تحريرها قد يدفع بالطرف التركي الى اعادة ترتيب اوراقه  في الموصل لصالحه خاصة وانها قد نجحت في اقليم كردستان من خلال السيطرة على كل مقدراته والتحكم به سياسا واقتصاديا ،يضاف اليه اطماع الاتراك في هذه المدينة والتي اخرجتها معاهدة سيفر عام 1926 من السيادة التركية وكان ثمنها حصة من نفط المدينة لمدة (25)خمسة وعشرون عاماً، وبما ان تركيا تسعى  لأمتلاك مفاتيح الطاقة في المنطقة والسيطرة على اسواقها فهي اعلم بما تمتلكه هذه المدينة من مصادر للطاقة ولا تريد التفريط به مهما كان الثمن، لذلك كان صوتها عالياً بوجه الحكومة العراقية وهي تعلم ان السياسات الخاطئة للحكام في العراق هي من سلمت الموصل الى تركيا على طبقا من ذهب، وفوق كل هذا ترى تركيا انه بحاجة الى مكون قادر على ان يبعد التقارب بين الاكراد ويفصل بينهم  وبالأخص اكراد سوريا والعراق، وان هذا التقارب يؤثر بشكل مباشر على تركيا اذا علمنا ان هناك اكثر من (15) خمسة عشر مليون كردي يعيشون داخل تركيا وما يؤثر هذا التقارب على الامن القومي التركي خاصة وان هذه الورقة الكردية قد شاع استخدامها في العصر الحديث اكثر من غيرها. كما ان وجود القوات التركية داخل الاراضي العراقية يثير حفيظة الايرانيين الاكثر نفوذا بالعراق والذين يرون في التقارب التركي الخليجي يهدد نفوذهم وقد يحد الكثير منه وخاصة في تلك المناطق التي تحررت من قبضة داعش، لذلك نراها تضغط على حلفائها لإخراج هذه القوات من الاراضي العراقية والتأثير على النفوذ التركي خاصة وانها تعاني الكثير من المشاكل على حدودها مع جيرانها وتتنافس مع ايرن لزيادة نفوذها في الدول المجاورة لهم، كما  وان ساحات صراعتهم اصبحت تشمل المنطقة برمتها.
واخيرً فإن معركة الموصل معقدة ومتشابكة ومصالحها تختلف حسب طبيعة كل طرف وقد تطول اشهر لحين الانتهاء من لي الاذرع بين الاطراف المتنفذة في هذا البلد والذي اصبحت تتحكم في سياستة تلك الايدي الخارجية اكثر من ان يكون هناك قرار وطني  تتبع مصالحه.  
الايميل: [email protected]