18 ديسمبر، 2024 8:06 م

قراءة لكتابات القاضي مدحت المحمود عن العمق التاريخي للقضاء العراقي (1)

قراءة لكتابات القاضي مدحت المحمود عن العمق التاريخي للقضاء العراقي (1)

الاحتلال العثماني.. البداية من المحاكم الشرعية
القضاء في العراق، تجربة ليست بالجديدة، بل مرّت بمخاضات ومسارات مهمة على مدى الحقب السابقة، وقد لا يعرف البعض بأنه كان السبب في قبول العراق ضمن عصبة الامم المتحدة، التي تحولت في وقت لاحق إلى الامم المتحدة.

وعن الاعلام، فقد صب تركيزه على تاريخ العراق السياسي والاقتصادي والعسكري، أما القضائي وبسبب شحة المصادر التاريخية، قد تكون معلوماته منقطعة عن البعض لاسيما المختصين بشؤونه، لكن ثمّة توثيق مهم، كتب عنه القاضي مدحت المحمود، في كتابه (القضاء في العراق) بوصفه دراسة استعراضية لجميع تلك المراحل، وفي سلسلة مقالات سوف سنستعرض تباعاً ابرز المحطات، بداية من الاحتلال العثماني لغاية العهد الجمهوري في 1958، علماً أن هذا المؤلف المطروح على طبعات محدّثة بثلاث لغات (العربية، والانكليزية، والفرنسية) واكب التطور وصولاً إلى التجربة القضائية الحالية، لكن نجدّ ضرورة أن يطلع القارئ على العمق التاريخي للقضاء العراقي وكيف كانت المحاكم تمارس اعمالها في مرحلة الاحتلالين العثماني والانكليزي والعهد الملكي.

وفي الاحتلال العثماني للعراق بين (1532 – 1918م)، ولأغراض سياسية وإدارية قسم العراق لثلاث ولايات هي الموصل وبغداد والبصرة، وبضمنها ولاية شهرزور الكائنة شرق دجلة، وولاية الإحساء جنوبا على الساحل الغربي للخليج العربي.

وتم حكم العراق بموجب هذا التقسيم بصورة غير مباشرة لتسهل عملية إدارته والسيطرة عليه، حيث الدولة العثمانية كانت قد حاولت حكم العراق حكما مباشرا ومركزيا.

وقسمت المؤسسة القضائية في تلك الحقبة إلى ثلاثة فروع هي قضاء عسكر الروملي، وقضاء عسكر الأناضول، وأضيف إليه قضاء عسكر العرب، وقضاء عسكر العجم، إضافة إلى قضاء عسكر مصر.

كان قضاة مناطق الدولة الواقعة في أوروبا يرتبطون بقاضي عسكر الروملي وقضاة الأناضول ومصر تابعين لقاضي عسكر الأناضول، وأن لقب قاضي العسكر قريب من قاضي القضاة في الإسلام، اضافة إلى تمتعه بـطابع خاص في الدولة العثمانية، وهذا القاضي كان يرافق السلطان والجيش عند الفتوحات، وهو الرئيس الثاني للهيئة العلمية في الدولة العثمانية، ويشارك في جلسات الديوان الهمايوني، ويعمل بشكل عام على حل مسائل العساكر الشرعية والحقوقية، كما له صلاحية في تقديم أوراق المرشحين لمنصب القضاء وذلك حتى عام 1574م، لكن تحوّلت تلك المهمة بعد ذلك إلى شيخ الإسلام وبقي تحت تصرف قاضي العسكر تعيين القضاة والمدرسين في منطقته.

وعن المحاكم خلال الحكم العثماني، فقد عرف العراق نوعاً واحداً منها وهي المحاكم الشرعية التي كانت تعتمد في أحكامها على مبادئ الشريعة الإسلامية – المذهب الحنفي- وتطبق قواعدها على النزاعات التي تعرض عليها.

ويُعيّن قضاة هذه المحاكم من السلطان في عاصمة الدولة العثمانية (اسطنبول) بموجب أمر يصدر عنه يسمى (البراءة الشريفة) ولا يعزلهم غيره، وكانت القوانين والأنظمة التي تعالج أمور القضاة وكيفية تعيينهم وتحديد امتيازاتهم في ذلك العهد هي: نظام انتخاب الحكام الصادر في 11/4/1329 رومي وتعديلاته، وقانون الحكام الشرعيين الصادر في 13/2/1329 رومي وتعديلاته، إضافة إلى قانون أوصاف الحكام الشرعيين والقضاة الصادر في 17/5/1320 رومي، وآخر بأوصاف وامتيازات حكام الشرع الصادر في 17/5/1330 رومي.

وعن أهم الشروط المطلوبة في من يعين حاكماً، أن يكون مكملاً لسن الخامسة والعشرين من عمره، ومستثنى من كل معذرة قانونية تحول دون تعيينه حاكماً، وألا يكون محكوما عليه بالحبس أكثر من أسبوع لجريمة عادية، إضافة إلى أن يحوز علــى الشروط المنصوص عليها فــي المادتين (1729) و (1994) من مجلة الأحكام العدلية.

اما بخصوص شروط مجلة الاحكام العدلية، التي كانت تمثل القانون المدني المعروف حالياً، يجب ان يكون المتقدم حكيما فهيما مستقيما أمينا مكينا، فلا يجوز تولي الصغير والمعتوه والأعمى والأصم للقضاء، وأن يكون مأذوناً من مدرسة القضاة، أو يؤدي امتحاناً في المناهج التي تدرس فيها، وإذا ما توافرت هذه الشروط يعين حائزها بموجب البراءة الشريفة قاضياً استناداً لأحكام المادة (18) من القانون الأساسي العثماني.

ويوجد تشابه بين القواعد الاصولية التي كانت تجرى بموجبها المرافعات واصدار الاحكام وما موجود حالياً من قواعد جريان المرافعات والمنصوص عليها في قوانين الإجراءات المدنية والجزائية.

يتبع..