22 نوفمبر، 2024 10:07 ص
Search
Close this search box.

قراءة لذكرى 14 تموز

لست هنا بصدد أحداثا معروفة وتراجيديا نزف البعض في عصرها دموع الفرح ونزفنا في تداعياتها دماء انهارا، وفرقة وتشتت وتدهور وتنحي وتردي وهدم لأركان دولة كانت قيد التأسيس وشعب قيد الارتقاء بالمدنية وفيها والتحول من عقلية البداوة إلى مدنية قد تكون تقليدية لكنها كانت ستؤسس المعطيات لمعرفة الصواب بكل حرية وبلا ضغوط سلاح العسكر وسجون الطغيان ومذابح تهدر بها قيمة الإنسان.
بريطانيا كانت في طور التحول الاجتماعي في المظهر الجديد وفق الشائع في أوربا من نظريات التجديد كنظرية فرويد العالم والطبيب النفسي ومجموعة من رفاقه الذي رأوا أن نظريته تنفس لأسئلة كثيرة تدور في الذهن ولا تجد حلا، صحيح أن النظرية استقرت عند جدار متاهة مسدود ألا أنها مازالت تتطور اجتماعيا في نظام الحداثة لكن في متاهات اللذة والرفاهية، نقلت المدنية مظهرا بالملابس التي رأيناها والسلوكيات التي نقلت ولم تنقل كامل الأفكار الرأسمالية حينها لسبيين، الأول أن بريطانيا كانت تريد العراق كمصدر للخام وسوق وحليف، ثم أن نظرية جون ستيوارت ميل ١٨٠٦-١٨٧٣ الذي ابرز النفعية المتأثرة بفلسفة المفكر الإنجليزي جيرمي بنثام (١٧٤٨-١٨٣٢) لم تك إلا لتحدث صدمة في مجتمع قبلي يصنع نفسية النخبة من المثقفين عدا المتمردين التائهين الذين يشخصون الحال لكن لا يملكون حلولا فيتعاملون وكأنهم أعداء الشعب للبعض ثم اصبحوا كمفكرين يدعمون التمرد الفكري، واسميه التمرد لانه لا يملك حلا مدنيا يدعم الاستقرار والنهضة الفكرية أو التنمية المدنية، وبعضهم تأثر بهذا التغيير وخلق عنده فكرا تحليليا، لكن لا حلول كعالم الاجتماع علي الوردي مثلا وهو كان طفلا عندما تأسس العراق وشاهد الحكم الملكي ودكتاتوريات متعددة إلى أن توفي 1995، ثم أتينا إلى حكم “ديمقراطي” ولكن على ديمقراطية سقراط وليس الديمقراطية البريطانية التي كانت في العهد الملكي في العراق ولا الديمقراطية الأمريكية التي لم تنشئ أحزابا تقوم على قاعدة علمية في نشأة الأحزاب وإنما تركتها تمثل كم التناقضات والمعاناة والاضطراب في العقلية والنفسية والترحيل التاريخي للمشكلة والخوف وفقدان الثقة والرعب عند المواطن العراقي، والعجب من دولة هي الوحيدة التي تسمي حكومتها “الإدارة” أن تبدو ضعيفة الإدارة، وبريطانيا التي شاركت في الحرب وتعرف العراق منذ التأسيس ولم تبد فعلا في إعادة تنظيم اكبر دولة في المنطقة اقتصاديا وتأثيرا في وقتها، والناس التي أتت للحكم لم تك تملك عقلية الدولة ولم يسع المحتل لتأسيسها، فكانت كقطع بازلت بيد غير محترفة لتنتج هذا الوضع الذي يحتاج إلى إصلاح حقيقي لتكون دولة لائقة تدعم الحالة الجيوسياسية والجيوستراتيجية في المنطقة.
عشرون عاما ويزيد وأفكار القوم لم تخرج من المعارضة المعادية للنظام؛ ولا للارتقاء لبناء دولة تشارك العالم في المدنية، كل محتفظ في ثبات الزمان والمكان ومتقوقع في الذاكرة التاريخية التي تلقنها، متنافرين متضادين من حيث النشأة وحتى مع الشعب المسكين وضعوا في مكان واحد، ولم يخف هذا التضاد سابقا إلا الحقد المقدس على دكتاتورية أو طغيان كانت السد المنيع أمام أي سلطة إلا سلطة فرعون، فما اجمل مكان فرعون حينما يحتله غاوون متعددون فيتصارعون من اجل العرش الواهي الذي مكانه الحاضر وعيشه في زمان مضى وبعقلية المعارضة التي تهدم ولا تبنِ دولة واحدة؛ ومن بنت مظاهر المدنية بقت في تخلف العقلية برفض المراجعة المهمة للأيدولوجيات والأفكار التأسيسية وتماهيها مع الوضع الجديد، وكأنها كانت تحب مكان الفرعون ولا تكره الفرعنة وذاك لعمري صفة منظومة تنمية التخلف التي يحب من فيها الظلم ويحب الإنسان أن يظلم لكن يكره الظلم حين يقع عليه ويعد منعه عن ظلمه ظلما له، إن الارتقاء بالسياسة هي كيف تدمج المتعدد بهدف وكيف تخلط غير المتجانس ليتجانس في مفيد وليس المكونات والفسيفساء وهذا الهراء.
ونحن نقف على ذكرى انتقال العراق من الدولة الملكية إلى الجمهورية العسكرية وانحدار المجتمع السلوكي بعد ارتقاء والفوضى بعد محاولات الاستقرار، وبناء الإنسان إلى تسخيف الآدمية لا نقول أن نعيد الملكية ولا الرجوع، وإنما التقدم بالمراجعات، وعلينا أن نبني مركز دراسات لهذا لنعرف من أين نراجع، علينا أن نراجع الموضع التأسيسي لكل الكم من المراجع التي تراجعت كقيم أمام السلطة والكرسي وحب الدنيا بالأنانية، وعلينا أن نفعّل المفكرين وقادة الفكر لنبني رؤية أساسية هدفها الرقي بالبلد وان اختلفت الأحزاب فتختلف على برامج البناء وليس منافع كراسي السلطة أو معتقدات.

أحدث المقالات