23 ديسمبر، 2024 7:49 ص

قراءة في مستقبل تطورات الأوضاع في العراق والتحديات التي تواجه البلد

قراءة في مستقبل تطورات الأوضاع في العراق والتحديات التي تواجه البلد

من يتابع تطورات الأوضاع السياسية في العراق والتحديات التي تواجه هذا البلد ، يجد أن هناك جملة نقاط مهمة ، يمكن أن تشكل معالم ما سيؤول اليه الوضع العراقي من تطورات (دراماتيكية) ، يمكن إدراجها على الشكل التالي:

1. هناك حقيقة ، وإن كانت مرة، ينبغي أن يدركها الكثيرون، وهي إن (الاستراتيجية الأمريكية) لن تسمح للعراق أن يعود الى الحالة التي كان عليها ما قبل أعوام 2003 ، ولن تسمح بعودة عراق قوي ، يكون بمقدوره أن يستعيد عافيته أو ينهض على قدميه ، ولو بعد عشرات السنين!!

2. كما أن طبيعة (التحكم الاقليمي) بمستقبل العراق، وبخاصة من جانب إيران، واستحواذها على مقدرات هذا البلد ، يحول أن يتمكن العراق من أن يكون له (دورا مستقبليا)، وهي تعمل بكل ما تملك من إمكانات ووسائل عسكرية لأن يبقى العراق (تابعا) لها ، وهي من تتحكم بسلطة القرار في هذا البلد ، وتوجد (قاعدة كبيرة من الساسة) بالاضافة الى (قواعد شعبية) من يعينها على تحقيق آمالها هذه ، حتى أنها ربطت اقتصادها بإقتصاد العراق وحركة أمواله، ومن الصعب (فك الارتباط) بين إقتصاد البلدين، بالرغم من المحاولات الأمريكية والاقليمية الرامية الى (فك الاشتباك) بين الاقتصاد والتجارة والمال الايراني عن اقتصاد العراق وأمواله وثرواته!!

3. لن يكون بمقدور أي من رؤساء الوزارات او الحكومات العراقية المتعاقبة أن تجد حلولا منطقية لكيفية اخراج العراق من محنته، ومن مازق (التحكم الاقليمي) بمقدراته ، وان حكومة السيد عادل عبد المهدي لن تكون الاخيرة في سلسلة تفاقم أزمات الحكومات العراقية، والرجل لن يكون بمقدوره هو الآخر أن يكون (المنقذ من الضلال) وليس بيديه أي (حل سحري) لإخراج العراق من حالة الصراع المحتدم بين سياسييه مرة ، وفي أخرى بين مكوناته المتناحرة هي الاخرى ، بعد ان دق الساسة (أسافين) من السدود وعوامل الفرقة والإنقسام والاحتراب فيما بينهم، ولن يسمحوا له بأن ينفذ برنامجه للخروج من الواقع المرير الحالي، بل هو يعد أضعف رئيس وزراء في تاريخ العملية السياسية ، كونه (غير مدعوم) من أي من الاطراف السياسية ، حتى من بينها أقرب المقربين اليه!!

4. كما أن المحافظة على (وحدة العراق) ربما تكون من قبيل الأمنيات، وان واقع العراق هو (مقسم) مرة (طائفيا) ومرة (قوميا) وفي أخرى (أقليات وأديان) ، وليس هناك من (قواسم مشتركة) تجمع بينها الا ما ندر، وان للأمركيين ولدول كبرى مثل روسيا وبعض الدول الأوربية (ستراتيجيات) تسير باتجاه اعادة رسم (خارطة المنطقة) وتفتيتها الى كانتونات طائفية أو قومية أو دينية، وادخال تركيا وايران في رسم الخارطة الجديدة لدول المنطقة ، حتى أن هناك من راسمي السيناريوهات الأمريكية بضمنهم مدير المخابرات الامريكية الأسبق (مايكل هايدن) من يقول أن (العراق وسوريا) لم يعد لهما وجود ضمن خارطة المنطقة !!

5. إن الصراع الأمريكي الإيراني وسعي واشنطن لإخضاع طهران لإرادة المجتمع الدولي، وشن حرب باردة ضدها ، والعمل على فرض حصارات عليها لوضعها تحت (الوصاية الدولية) مستقبلا ، يزيد من تعقيدات المشهد السياسي العراقي، وإن كان كثير من العراقيين يرون في بعض الاحيان ان تشديد (العين الحمراء) من قبل أمريكا على إيران يخدم هدف العراقيين في التخلص من (الهيمنة الايرانية) ، لكن الولايات المتحدة لايمكن الاعتماد عليها في هذا الجانب، إن عقدت طهران وواشنطن (اتفاقات تفاهم مستقبلية) ، إذ ان واشنطن لاتريد هي الأخرى ان تذهب بعيدا في (تأجيج الصراع) مع طهران، لكنها ستعمل على إضعاف قدراتها بأي شكل من الإشكال، والايرانيون ربما ادركوا أن الأمريكيين وادارة ترمب (جادة) في استهدافهم هذه المرة، لهذا فهم من جانبهم لن (يصعدوا) من حالة (العداء) الى (المواجهة العسكرية) وهم على قناعة بأنهم خاسرون في نهاية المطاف، ودرس العراق المرير ، ما يزال ماثلا أمامهم ، ولن يعيدوا تجربته القاسية مرة أخرى!، وان دول الخليج دخلت التوجه الامريكي نحو اضعافها وشرذمتها ، والصراع بين قطر والسعودية وقضية اليمن أسهمت في تفكيك وحدة دول الخليج وتدهورت علاقاتهم مع السعودية على اكثر من صعيد ، وربما تكون قضية (خاشقجي) احد المداخل للتدخل في الوضع الداخلي للسعودية لاحداث صراع بين زعمائها ، والعمل على (تفكيك) كيان المملكة في وقت لاحق!

6. لهذا يبقى العراق ، يصارع أقداره والأزمات تتربص به من كل جانب، والكل لايريد للعراق ان يكون عامل توحيد وقوة ، إن لم يتمنى الجميع ان يبقى الصراع بين الساسة محتدما، (حد كسر العظم) ، كل ينهب على الطريقة التي ترفع من شأنه ويكون له مكانا في خارطة الكتل السياسية، وكل يريد ان يفرض رؤيته على الطرف الآخر ولديه (أذرع) يتمترس بها ، وهو يزيد في محنة (التمترس) خلف واجهات مختلفة، و (السلاح المنفلت) سيبقى خارج دائرة سيطرة الدولة ، ولا أحد يرغب ان يسلم سلاحه ويبقى (بلا أسنان) ، وكل دول الجوار وحتى أمريكا، لاتسمح للعراق بالخروج من أزماته، لأن كل ساسة البلد هم مستفيدون من الصراع الدامي، الا ما ندر، وهم الان لايريدون من الآخرين ان يشاركونهم السلطة ، أو يكون لهم مكان في سلطة القرار ، وكل (يغني على ليلاه) إن صح التعبير، ولا (جامع) يمكن ان (يوحد) بينهم ، الا بالقدر الذي يثري من الاموال ويملك من متاريس السلطة ما يحمي قوته ويحافظ عليها، ولن يسمح ساسة العراق المتحكمين بمقدراته أن يأتي آخرون ، لينتقلوا بالبلد الى الحالة الأفضل وينتشلونه من تلك المحنة الأليمة التي ألمت به، ولهذا فهم (كلهم في الهوى سوى) كما يقال، ونهب ثروات العراق وخيراته وتسليم مقدراته للاغراب قائم على قدم وساق، و(كل حزب بما لديهم فرحون)!!

7. وقد تحتاج الاجيال العراقية الى (خمسة قرون) قادمة ، ليكون بمقدورها ان تجد (مخرجا) لأزمة بلدها،هذا ان وجد من الرجال والخبرات والكفاءات من سيحسن (رسم الستراتيجيات) في مستقبل عقود مقبلة ، ليضع للأجيال المقبلة (خارطة طريق) يمكن أن تخلصها مما آل اليه الوضع العراقي من (تبعيات) و(وصاية) و (إحتلال) لمقدرات هذا البلد ، فما زال الكثير من (الأغراب) جاثمين على صدورنا، وهم كلهم مستفيدون من الحالة العراقية ، ومن تصاعد حالة التشظي والانهيار، وهم بالمقابل ، (يأكلون من لحم أكتافنا) ليبنون دولهم، بينما يتفرج العراقيون على مأساة بلدهم، ولا أحد بمقدوره ان يجد لهم (مخرجا) من ازمة (النفق المظلم) الذي طال انتظاره، دون جدوى!!

هذه هي ملاحظاتنا ورؤيتنا لتطورات ما يشهده العراق في السنوات المقبلة، وربما يحتاج فعلا الى ( 500 ) عام ، لكي يكون بمقدوره الوقوف على قدميه ، إن لم يبقى العراق يراوح مكانه، وهو أشبه بـ (رجل مريض) ، وقد أكلت الصراعات الداخلية والدولية والإقليمية من جرفه الكثير، ولم يتبق سوى رحمة رب السموات والارض ان تعيده الى الحالة التي كان يتمناها العراقيون يوم كانوا موحدين ، وكانت مكانتهم محل احترام العالم أجمع ، بينما هم الان ، مستضعفون ، يمدون ايديهم الى الأغراب ، ويبيعون بلدهم بثمن بخس ، دراهم معدودة، وليس بمقدورهم ان يعيدوا (الاعتبار) لهذا البلد ، حتى ان (بلد الرافدين) وحضاراته، التي امتلأت بها كتب الدنيا ، وكأنها أصبحت من (ذكريات الماضي)!!