18 ديسمبر، 2024 9:08 م

قراءة في محاولة ” الإنقلاب الفاشلة” في الأردن..!!

قراءة في محاولة ” الإنقلاب الفاشلة” في الأردن..!!

“المؤامرة” التي كشفت عنها المملكة الاردنية الهاشمية مؤخرا، والتي وجه فيها الإتهام للأمير حمزة بن الحسين، الإبن الأكبر للملك حسين ملك الأردن السابق، رحمه الله، بأنه كان أحد أطرافها ، مع إتهام شخصية سياسية ، هو وزير التخطيط الأردني السابق ورئيس الديوان الملكي الأسبق باسم عوض، وشخصيات عشائرية أردنية ، بالتخطيط لمحاولة تستهدف تقويض أمن المملكة ، وإستهدف بها الأمير حمزة أخيه غير الشقيق للملك عبد الله الثاني ، ملك الاردن، وآخرين، تحمل جملة معطيات يمكن تأشيرها ، ضمن الملاحظات التالية:

  1. إن المحاولة الأخيرة التي جرت في الأردن ، وبعض ملامح سيناريو ما أعلن عنه ، يشبه في كثير من ملامحه ، ما دار في الأيام الأخيرة من عهد جلالة الملك حسين رحمه الله، يوم عاد من مشفاه من الولايات المتحدة ، بعد إصابته بمرض السرطان، وأبعد شقيقه الأمير الحسن بن طلال ، الذي تولاها قرابة الثلاثين عاما ، ثم عهد بها الى إبنه الأمير عبد الله الثاني ، وهو مايزال شابا في مقتبل العمر، كون ولاية العهد في النظام الملكي عموما، تعود الى إبن الملك ، في أغلب الأحوال، وهو سياق ملكي جرى العرف عليه، والاحداث الاخيرة في الاردن ، لاتبتعد كثيرا عن هذا التوجه ، وبخاصة أن الأمير حمزة تم إبعاده عن ولاية العهد منذ العام 2004. 
  2. إن الأمير حمزة بن الحسين من مواليد 29 آذار مارس 1980، وهو الابن الأكبر للملك الراحل الحسين من زوجته الرابعة الملكة نور الحسين، والأخ غير الشقيق لملك الأردن الحالي عبد الله الثاني.
  3. تولى الأمير حمزة بن الحسين ولاية العهد في المملكة الأردنية ، في الفترة ما بين 7 شباط فبراير 1999 و28 تشرين الثاني نوفمبر 2004، كما كان ضابطا سابقا في الجيش الأردني.
  4. ينوب الأمير حمزة بن الحسين عن الملك عبد الله الثاني أحيانا ، في مناسبات ومهام رسمية مختلفة ، في داخل المملكة وخارجها، كما أنه يرأس اللجنة الملكية الإستشارية لقطاع الطاقة، والرئاسة الفخرية لإتحاد كرة السلة الأردني.
  5. وفي النظام الملكي عموما، غالبا ما تحصل خلافات واختلافات في وجهات النظر، بل حتى  صراعات بين الأشقاء في عهد ولاية العهد، في من يتولى الولاية بعد وفاة شقيقهم ، وإن كان لدى الملك إبن، فتعود ولاية العهد لنجله، وهو سياق ملكي كما أسلفنا، ما يدخل تلك الأطراف في دائرة الجدل ، حول الأحقية في الحكم أحيانا، وتوجهات الأمير حمزة ، ربما لاتبتعد كثيرا عن صراعات من هذا النوع، وبخاصة إثر إبعاده عن سلطة القرار وإحالته على التقاعد عام 2004، بعد إن كان ضابطا في الجيش ، في مسعى لإبعاد أية ولاءات عسكرية عنه، ولكي لايكون له دور رئيسي ، يعرّض ولاية العهد مستقبلا للمخاطر.
  6. حاولت الجهات الاردنية العليا ، وبخاصة قيادة الجيش العليا والمخابرات، التخفيف من وقع الإتهام ضد الأمير حمزة، بأن أشارت الى أن تحركات الآخرين وبعلم الأمير حمزة، يبدو أنها فهمت في سياق مخطط ، يهدف الى التآمر على أمن الأردن، ولم تتهمه مباشرة في ” حالة انقلاب” ، بل حذرته من أن تحركات من هذا النوع ، تلحق بالبلد أضرارا بأمنه وسلامته، لكي تحاول عدم إظهار تورط الأمير حمزة في محاولات إستعداء ضد أخيه غير الشقيق الملك عبد الله الثاني، برغم أن الامير حمزة إدعى في مقطع صوتي، أنه تعرض للتضييق عليه وعلى عائلته ، وأرغم على البقاء في بيته ، وقد تم قطع كل الاتصالات معه ، وابقائه في دائرة العزلة.
  7. إن الاردنيين كشعب يدركون أن أمن البلد وولائهم للملك ، أيا كان، هو خط أحمر ، لن يتجاوزوه، ولن ينخرطوا في أية محاولات إستمالة لأحد غير ملكهم ، وهم يكنون الإحترام لجلالة الملك عبد الله الثاني ، بل هم قد تفاجئوا بما حدث، كون المملكة تعيش منذ سنوات طوال ، عهد إستقرار ووئام، تكاد تخلو منه أغلب دول المنطقة، وبقي الأردن يعيش في واحة من الإستقرار يحسدهم عليها الكثيرون، ولهذا فإن المخاوف لن تأتي من الشعب ، ولا حتى من المسؤولين الكبار، بل دائما ما تأتي من أقرب المقربين من العائلة المالكة.
  8. لقد كانت قناة العربية ، هي الأولى من كشفت خيوط تلك “المؤامرة” وأحاطتها بإهتمام بالغ، وبمانشيتات عريضة، منذ الساعات الأولى لمساء السبت الثالث من نيسان، من خلال مقدمتها المتألقة ، منتهى الرماحي، التي إستضافت شخصيات أردنية كثيرة ، تحدثت عن بعض سياق ماجرى في العموميات، دون الدخول في التفاصيل، وبث مراسلهم في عمان، لقطات موسعة عن تحركات أمنية ، وسيارات عسكرية تعتقل أشخاصا، وهي ، أي العربية، من سلطت عليها الأضواء كثيرا، وتابعها الملايين من شعوب المنطقة والعالم، وهي تنقل حيثيات الحدث بالتتابع، وبثت مقطعا صوتيا للأمير حمزة، أكد فيه أنه تعرض لحالات مضايقة له ولعائلته، ووجه إتهامات بالفساد في الاردن، برغم أنه لم يوجهها الى الملك عبد الله الثاني مباشرة، لكنه وجهها الى ما يتعرض له الأردن من وضع إقتصادي صعب ، بسبب ما أسمه بـ “إستشراء الفساد” الذي قال أنه يتحدث عنه علانية حتى مع شقيقه الملك عبد الله الثاني، لكي يوقفه، وليس في نيته الإساءة للملك أو بلده في توجيه تلك الإنتقادات.
  9. وتناقلت قناة العربية ، أغلب حيثيات الحدث وتطوراته، نقلا عن صحيفة واشنطن بوست الامريكية ، التي كانت السباقة في كشف خيوط تلك ” المؤامرة” ، ثم جاءت قناة الجزيرة لاحقا ، لتبث أخبارا ساخنة عن تلك الأحداث التي شهدها الأردن، في حين صمتت قناة “العربية الحدث” في وقتها ، ولم تعر في نشراتها الاخبارية في ساعاتها الاولى ، أي اهتمام ، لما شهدته الأردن من أحداث بارزة..
  10. لقد حظي جلالة الملك عبد الثاني بتأييد عربي ودولي منقطع النظير ، عقب الإعلان عن الأحداث الاخيرة في الأردن، وأكدت الولايات المتحدة ودول غربية ، وأغلب الدول العربية بينها العراق ومصر والسعودية وكل دول الخليج ودول عربية أخرى دعمها ومساندتها للأردن الشقيق، ضد أية محاولة لإستهداف أمنه وإستقراره ، وأكدت أغلب الدول العربية وقوفها الى جانبه ، في كل الأحوال ، وهو ما أكسب الملك عبد الثاني تأييدا عربيا ودوليا واسعين، ربما لم يكن بتلك الأهمية التي حظي بها ، قبل الإعلان عن تلك المحاولة.
  11. إن الأردن يعتمد على تشكيل حكومات متعاقبة، بعد فترات زمنية قصيرة ، قد لاتتجاوز سنتين أو أكثر ، في رئاسات الوزراء ، بالتتابع، ويتم حل الحكومة وتشكيل أخرى ، تتحمل مسؤولية قيادة البلاد، دون أزمات سياسية، ويساندها الأردنيون ، في مهامها المكلفة بها، ثم ينتقدونها ، ما أن تخفق في مهامها، ويضطر الملك عبد الله الثاني الى إقالتها وتشكيل أخرى.
  12. هناك تقليد شائع في الاردن، مفاده أن 70  – 80 % من الأردنيين قد تولوا مهام ومسؤولية في إدارة الدولة، سواء وزراء ، أو حتى رئاسات وزراء ومدراء عامين، حتى أن من بقي من الأردنيين ممن لم يستلم مهمة ربما لايتجاوزوا الـ 20 % في كل الأحوال، ولهذا فإن لديهم كفاءات كثيرة إدارية ومهنية عديدة متراكمة، وبعضها تسنم المنصب أكثر من مرة، بسبب قلة عدد سكان الاردن ، قياسا الى عدد المناصب الكبيرة والصغيرة في هذا البلد. 
  13. أن الأردن ، سيتجاوز في كل الأحوال ، أية أزمة سياسية تمر به بسرعة ، وهو قادر بما يمتلكه جلالة الملك عبد الله الثاني من صلاحيات وحكمة ودراية، من حسم الأمور لصالحه ، وإعادة ترتيب الأوضاع، دون خسارات كبيرة ، حتى في العلاقة مع أقرب المقربين من العائلة المالكة، كما أن الشعب الاردني ، ولا حتى كبار قيادات الدولة لن تتدخل في ترتيبات من هذا النوع، إلا ماندر.

هذه ملاحظات أردنا عرضها في سياق ، محاولة لوضع المتتبع للشأن الأردني والعربي في صورة مايجري، وقدرة هذا البلد على تجاوز أية محنة بسرعة كبيرة، وإن صراعات من هذا النوع، مألوفة وعادية في كل الدول ذات الطبيعة الملكية، وحتى الرئاسية، وسيبقى الأردن بعون الله، واحة للأمان والإستقرار ، وهو ما تتمناه له أغلب دول المنطقة وشعوبها، نظرا للسياسة الحكيمة التي يتبعها جلالة الملك عبد الله الثاني ، في تعامله مع شعبه ومع دول المنطقة والعالم وأزماته الدولية.