تقانة شيفرة الدوال النصية المتداخلة
تتجذر في تضاريس ذاكرة لغة مجموعة قصائد ( على قيد الحب )للشاعر حبيب السامر ، جملة مباهج جنوحات موضوعة ودلالة و ثيمة ثلاثية ( السكوني / المتحرك / المتعالق ) و القارىء لفحوى منازل هذه الاقطاب الدوالية الثلاثة ، لربما سوف يواجه وظيفة الاتصال الدلالي المشترك بين محفزات مكامن النص ، و هي تتمظهر جميعا في مسار من الفضاء التعددي الواحد و المتصل و حدود لغة وجدانية مناظرة لموضوعة الذات إزاء ذلك الفعل التسطيري بالعشق و البحث في مفاوز المحبوب ، مما جعل النص يشكل بذاته فعالية مشتركة بين ( الأنا / الآخر ) . فقصائد مجموعة السامر هنا تبدو عبارة عن اعترافات إيهامية جاءتنا مكثفة بلغة الحلم و الإيجاز و المفارقة الفنية و تقانة شيفرة و التداخل النصي الحاصلة في آلياتها الملفوظية على أعلى درجات أسلوبية الشد الاحوالي الراسم لذاته سلفا أجلى مهيمنات فعل التوصيل و التأثير الملفوظي على حال منظومة التلقي و المكاشفة و الجنوح المكثف في أرجاء و أنحاء شعرية النص . و تباعا لهذا القول منا ، سوف نتعامل مع نصوص مجموعة الشاعر في حدود مساحة وظيفة هذه الاقطاب الثلاثة الاحوالية الكامنة في تخصيصات فضاء المشغل الشعري لدى الشاعر .
ـــ السكوني و المتحرك و المتعالق في قصيدة الأنا .
و نحن نطالع أمكانية و نوعية تجربة نصوص ( على قيد الحب )واجهتنا ثمة حساسية خاصة في نمو أسئلة و أجوبة و تعالقات خطاب النص لدى مجموعة الشاعر . فالنص و عبر مسار رؤيته البوحية و الدلالية راح يتعدد و يتنوع و يتمدد على خارطة ذاته البوحية و ما يحيط به من حالات الأشياء ، لينفتح نحو أجلى منظورات و توظيفات الانبعاث السكوني الرابض في وجه أدق دقائق حسية محور الأشياء و صورها و حيثياتها و ظلالها الساكنة حالا في ملفوظية القول النصي ، كحال دلالات قصيدة ( اللاجدوى ) :
ما جدوى
كل هذا الهواء
و أنا أختنق . / ص36
إذ أن حساسية مستوى دلالة الجملة ( أنا أختنق ) جاءتنا مشحونة بالادهاش و اللاجدوى و الوجودية و المفاجأت الضمنية و التي من خلالها يعيش الشاعر حالة أجواء سكونية و صمت تلك العلاقات الغائبة من الوجود الذاتي و الطرف الآخر ، وصولا به الى قوله اللاحق من النص :
ما جدوى
تباعد خطواتنا
أيتها القديسة
اقتربي
مثل فراشات تقبل وردة
برفيف حالم . / ص36
و عند الشروع بالتدقيق و الامعان في دليل فعل الاقتراب (اقتربي ) صار الأمر يشكل بذاته كفعالية تحركية ضمن خاصية من شأنها جلب خصوصية الطرف الآخر نحو بؤرة دلالة الجاذبية و الجذب بمفهوم نسقية الحلم ( برفيف حالم ) . و بطريقة أخرى نعاين حصيلة القطب المتعالق و الحاصل عن فعل مخصوصيات قول حالات القصيدة التعالقية في مجموعة الشاعر ، كقصيدة ( ما لا تدركه الآن ) غير أننا هنا تحديدا ، نحاول جهدا الاشارة حول مقدرة توصيفات هذا النص ، خصوصا و أنه يمتلك أعلى معابر الانعطاف و تعالق و التأخير و الأخفاء ، و هذا ما يتبين لنا من خلال استعراض هذه المقاطع الشعرية منها : ( ما لا تدركه الآن .. قد تركته ضجرا في الزاوية القريبة من آخر شجرة .. تلك التي لم أشاهدها مطلقا على شاشة الحب منذ أكثر من موت . / ص 19 ) نلاحظ هنا مدى حسية و تصويرية البعد التشكيلي المتعالق ، و ذلك في محاولة الشاعر نفسه ضم منظورية حدود الأشياء المرسومة بين ملمح الأخفاء و الظهور و مرة بين مرمى الاستطراد الدلالي و مرة بين درجة التقاط غيرية المعنى القصدي ، وهو بين حالة الاحتدام و التصادم و التعالق و الغياب . أنها رومانسية التعالق المعتدل بالآخر المنجذب بجوانب متواليات القصيدة . و على هذا النحو نجد الشاعر بالمقابل يقول مؤكدا فكرة تعالق عوالم تشكيلاته الدوالية ، مستثمرا إياها بدءا من المجاورة و التراصف الى مجالية الانعطاف و القطع و على نحو لافت :
الشجرة تنمو خارج الحديقة !
الشجرة تتحسس فراغ أوراقها ،
لا تستطيع أن توظف كل وقتك
من أجل شجرة خارج الحديقة .
في هذه المقاطع من القصيدة ذاتها يتحرك خطاب الصورة الشعرية ، على نحو استثارة مستوى من مستويات التشكيل التعالقي المؤثر و الكامن بين التحويل الدلالي و بين مقابلة فضاءات الساكن و المتحرك من شعرية التحقيق القصدي ، كما يتضح لنا الأمر في مجال هذه الترسيمة الآتية : ( الفعل الحركي ـــ الشجرة تنمو / الفعل التعالقي ـــ خارج الحديقة / الفاعل التعالقي / الدلالة السكونية ـــ تتحسس فراغ ) و على هذا النحو نعاين تدفق جملة الاقطاب الثلاثية في مجال انثيالات عاطفة اللغة و المقدمات البوحية الكامنة في زمن ترشحات و توجهات مسار أحوال النصوص .
ـــ الضربة الشعرية الكاشفة .
و في أجواء تجربة مجموعة ( على قيد الحب ) يقدم لنا السامر الكثير من تراكيب الصور الانفصالية و الترقينية و التشبيهات الحافلة بدلالة الضربة الشعرية الكاشفة ، و التي تباغت أحيانا مخيلة القارىء و التلقي ، مثلما الحال عند قراءتنا لقصيدة ( في أي وقت نكون معا ) فالموازاة هنا في أفعال و أحوال و صفات هذا النص ، تبدو من الاختلاف و التجريب و المغايرة . فالموازاة المفصلية هنا لا تستقر على ملفوظية المبنى القولي من كلام النص ، و أنما جاءتنا موازاة بالمعنى الاسلوبي ــ الايحائي المتوزع في استقامة دلالية متماسكة ، و لهذا الأمر ظلت جملة التماثلات الإيحائية في عتبات النص و متونها و هوامشها في النص ملئية بعوامل ممكنات العبارات و الجمل المترابطة على نحو فاعلية التوليد و التصور و التقديم و التأخير و المسكوت عنه و المحذوف ، مما جعل علاقات أبنية الدوال و كأنها تتحرك عبر منظومة خارج نطاق مألوفية المراوحة و التقليد و التسويف : (في أي وقت ، نكون معا ، نلوذ بالصمت و نغرق ! / الغابة ليست لنا ، دعينا ، نمضي نحو النهر ! / حين تدلت عناقيد الكروم ، أنفرط قلبي ، كم كانت يدك رحيمة ، لملمت بقاياه / ص 24 ص25 ) بطبيعة الحال تمثل هذه التراكيب من شعرية النص ، تلك المرحلة المستحدثة من قرار أسلوبية رؤية قصيدة ( التوقيعات ) وهو المر الذي بات ينسحب إجمالا على باقي مجموعة نصوص المجموعة ، أردت أن أقول أن المقاطع الكامنة في مشهد النص المشار إليه أعلاه ، جاءتنا بإدراك الواقع الحسي العاطفي ــ بحسب وعي الشاعر ـــ من ثم تبقى منها الوظيفة الدلالية في النص تسعى لذاتها لتستخلص لعمرها ذلك التمثيل المدلولي المنجز داخل إطار كشف الرؤية و الدلالة المخزونة في أعالي علاقة الذات الواصفة و المتحدثة بأفق تفاصيل مقترنات معرفية آنية الزمن و بكلية فضاء الحال المتقادم من محتملات الشعرية و الشعورية الناجزة في مجاهيل تقانة لغة الذات .
ـــ تعليق القراءة ـــ
أتفق رواد الحداثة و التجريب ، على أن حداثتهم لا يمكن أن تتحقق دون تمثل التراث و تجاوزه . فالشعر الحديث في مجموعة ( على قيد الحب ) ما هو إلا إعادة تجريب و صياغة حالات لغة الحال الشعرية ضمن مستحدثات ملفوظية خاصة تدعمها بلاغة القول الحاذقة على وصف و توليف استجابات مظاهر صور حسية الأشياء ، على المستوى الفردي و المتمايز من فاعلية نقل حالات و رؤية الذائقة الشعرية الى مستوى محققات مؤثرة ومغايرة تكفلتها صيغ خاصة من علامات الاشارة و التحولات الدلالية المتصلة بسمو خصائص أداة شعرية العمق و الوضوح و الرؤية العاكسة لصور ذاتانية متوحدة و حدود أصوات البوحية الضاربة في أفق مجالية الإيحاء و القصدية الشعرية الواصلة باشارتها الدالة و حدود تقنية الإحالة و الأحتواء و الاستدلال العلائقي الواثق في خطاب مشاهد وحالات و صوات نصوص المجموعة :
أنا من يغسل بالليل كل هذا الندم
و يستجير بالحب كلما حاصرته الخيبة
أنا التوت فوق شفتيك
قلب الهدنة في جسد لا يحتمل الطعن
يشاكس الضوء في غفلة من الغيم . / ص14
هكذا يتضح دليل ثريا العنونة المركزية لقصائد المجموعة (على قيد الحب ) ضمن مداخل و مخارج و فضاءات ساكنة و متحركة و متعالقة ، لكي تنكشف من خلالها استدراجات الضربة التوقيعاتية الكاشفة عن مؤشرات تعاليق و مكونات وظيفة تقانة دوال شيفرة التداخل النصي و عبر اللغة الاحوالية و الفعلية القصدية المؤثرة في مواطن جمالية نواة نصوص المبدع ( حبيب السامر ) لتجنح بدورها جميعا نحو تسجيل حكايات قيد الحب لديه داخل ايقونة زمنية الحال القولي المتداخل في مسامات و وحدات أفق الخطاب الشعري المتماسك في شعاب القصيدة دالا و دليلا . و في الأخير أجدني قائلا بحق مجموعة نصوص الشاعر هذا الاستطراد الختامي : أن نصوص حبيب السامر عن قراءتها تجعلنا نحلق في أجواء رؤية و لغة متداخلة عضويا ودلاليا ، ليتوقف عندها قارئها متطلعا نحو أضواء جمالية قولية منبعثة كأنغام قيثارة سومرية في كل محطات وحدات دوال النص ، و في محاور تحليقات أحوالها الذواتية و الدلالية ، التي تختلف بالنتيجة عن حصاد أقران الشاعر من الشعراء اللذين نقرأ لهم اليوم من النصوص الشعرية ، ما يشعرنا بخلوها من مواقد الخصب و الطراوة و الانبعاث الذي راح يشدنا نحو الانفلات من ذواتنا القرائية نحو تلك الرؤى الحلمية في أتون تضاعيف شعرية قصيدة تقانة شيفرة الدوال النصية المتداخلة.