18 ديسمبر، 2024 6:27 م

قراءة في كتاب فتيان الزنك للكاتبة البلاروسية، سفيتلانا..

قراءة في كتاب فتيان الزنك للكاتبة البلاروسية، سفيتلانا..

من الافضل الحرب ام السلام للانسان الفرد وللبشرية على ظهر كوكبنا الارضي، بالتأكيد هو السلام والحرية والامان وليس اي شيء اخر، افضل من السلام والحرية. الجميع على سطح كوكبنا هذا، من الحكومات الى الاحزاب وليس اخيرا الى الاعلام والكتابات على اختلاف انواعها؛ الكل يقولون ويكتبون ويصرحون بان هدفهم هو الامن والسلام والحرية للافراد والشعوب والدول. لكن السؤال هنا وفي هذا الاطار: من يشعل كل هذه الحروب التى تأتي على الضرع والزرع والانسان وتسلب منه حريته ومن ثم وفي اكثر من موقع تأخد منه اعز ما يملك،هي حياته او تجعله يعيش بلا حياة حين تقطع من جسده، الساقين وهما اهم ما فيه واكثر ما يحتاجه، ليمارس حياته بصورة طبيعية. او انه يرجع من الحرب اي حرب كانت وهو فريسة للكأبة والوحدة والعزلة اي ان حياته ينفرط عقدها منه عقدة عقدة الى ان يأتيه صوت المنادي من الاعماق السحيقة لسماء لاترى؛ ان ارجع الى هنا الى حيث مستقرك الدائم. من المؤكد ان جميع الحروب تشتعل او ان من يشعلها، يشعلها، لأهداف متعددة حسب الظرف والحاجة ومتطلبات الواقع، فهذه الاهداف تتراوح بين نشر الافكار ومن ثم وبالنتيجة تخيلق الفضاءات السياسية والايدولوجية لتتسيد تلك الافكار على دولة ما وشعب ما، على اعتبار ان هذه الافكار هي الافكار الحقيقية وهي التى مسكت الحقيقة الكونية ولا حقيقة اخرى غيرها وان العالم سائر سواء بارادته او بارادة التطور التاريخي الى تلك الحقيقة او الحقائق. كان هذا الوضع سائدا في عالم الامس القريب، مهيمنا على الدول والشعوب في مرحلة الحرب الباردة بين الامبريالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة وبين الاشتراكية العالمية او الاممية والتى كان يقودها الاتحاد السوفيتي في ذلك الحين. بعد انتهاء الحرب الباردة لم يتغير الوضع الدولي، تغييرا جديا وفاعلا في الاتجاه الانساني الصحيح نحو السلام والحرية بل على العكس تم اغراق دول وشعوب كثيرة في اتون حروب داخلية، لم تبقِ ولم تذر شيئا حتى هذه اللحظة. ولم يكن الهدف من هذه الحروب في الوقت السابق او الحاضر سوى مصالح الدول العظمى والى درجة ما الدول الكبرى. من يشعل فتيل نار هذه الحروب؟ انه بلا ادنى شك هو البحث عن المال والثروات ومن ثم وبالمحصلة هو تسيد الدول العظمى على الدول الضعيفة وحتى متوسطة القوة، انه نزاع سوف يستمر الى اجل غير مسمى او الى الوقت والظرف الذي تنتهي به تلك المصالح وهذا هو الخيال ولاشيء اخر غير الخيال. فالحروب سوف تستمر ما دام هناك مطمع ولعاب يسيل من افواه الامبريالية العالمية المتوحشة.ان جميع الخطابات عن السلام والديمقراطية ونشر العدالة والسلام ما هو الا خديعة وغش للشعوب التى تريد ان تعيش بحرية وتطور وسلام، لكنها لاتحظى بها او انها تحرم منها، عندما تفاجأ بأن ما كافحت من اجل الوصول اليه ما هو الامحض سراب. فقد كانت ضحية لماكنة الاعلام الامبريالية والاعلام السوفيتي بخطاب مختلف اثناء الحرب الباردة وكما هي عليه الآن بخطاب مغاير ولكنه وفي الوقت عينه، يقع على ذات المسار وان تباين القول فيه، عن السابق. لتكون امام وضع جديد وقديم في آن واحد، لايختلف عن الذي سبقه الا اختلافا بسيطا ولايعني اي تحول حقيقي وجدي على طريق الحرية والسلام والديمقراطية. في هذه الحالة ان الطريق الصحيح والاسلم ولا طريق غيره، هو طريق الاعتماد على الذات، على ذات الشعب، فكرا وإرادة وكفاحا لينال بحق، حقه في الحياة والحرية والوجود.. ان الضحية لم يكن في هذا الامر فقط شعوب الدول المستهدفة بل حتى شعوب الدول العظمى من الذين خدعوا بان ما يقومون به او ما يقاتلون من اجله، هو من اجل السلام والحرية والتطور والديمقراطية للشعوب او من اجل الكفاح الاممي كما كان سائدا في ايام الحرب الباردة او مقاتلة الارهاب الذي هو في الاساس من صناعتهم اي الامريكيون والذين بدأوه من ايام محاربة السوفيت في افغانستان. ثم عادوا الآن وقبل الآن بسنوات لمحاربة الارهاب في المنطقة العربية وجوارها كما يدعون، بعد ان ادى مهماته في تفتيت الدول والشعوب..والامريكيون الى الآن يستخدمون الارهاب العالمي عندما تقتضي الحاجة والضرورة في حرف ارادة الشعوب عن مسارها الصحيح وشيطنة من عرف اللعبة وحاربها.. في كتاب، فتيان الزنك، للكاتبة والصحفية البلاروسية، سفيتلانا، وهو كتاب يمكن ان نقول عنه انه رواية متعددة الاصوات، الاصوات في هذه الرواية الوثائقية والتاريخية في آن واحد، هي اصوات بالعشرات واكثر،. مما يعني ان الكاتبة وضعت امامنا ونحن نقرأ معاناة العشرات من هؤلاء الابطال وهي في هذا وفي حدود اطلاعي، هي الرواية الوحيدة التى رسمت فنيا وبالكلمات ولم تكتف بما قاله لها شخوصها او لم تنقل حرفيا ما قاله لها الشخوص بل تعاملت مع اقوالهم فنيا لتظهير معاناة شخوصها، سياسيا ووجوديا ونفسيا بما تعرضوا له من خديعة. فقد قالوا لهم بعد انتهاء الحرب وبعد ان تفكك الاتحد السوفيتي؛ انه كان خطأ سياسيا.. هذه الرواية الوثائقية،هي ايضا، رواية تاريخية، تروي عن غزو الاتحاد السوفيتي لأفغانستان في ثمانينيات القرن المنصرم. جميع الروايات الوثائقية، تتحدث عن الوقائع وابطالها الفاعلين فيها وهم ابطال محدودين، لأنهم صانعوا القرارات التى تنتج الوقائع. اما في هذه الرواية، فهي تجعل شخوصها تتحدث عن واقائع الحرب وما جرى لهم فيها ولغيرهم ممكن كانوا قد دفعوا الى هذه الحرب. وهم ابطال تلقوا الامر بالذهاب الى الحرب ولم يكونوا اصحاب قرار. تكلموا امام الكاتبة او الصحفية؛ عن الكيفية والطريقة التى خدعوا فيها وعن الطريقة التى تخلا عنهم من دفعوهم اليها في نهاية الحرب او في نهاية خدمتهم فيها بعد ان رجعوا بأعاهات المستدامة لاعلاج لها. الام التى فقدت ابنها الوحيد، كانت تنتظر ان يعود لها سالما من الحرب هناك في افغانستان. لقد قالوا له انه سوف يذهب لمساعدة شعب صديق. في رسائله لها يوضح لها قسوة الحرب. اماه هنا ليس كما الوضع هناك في الاتحاد السوفيتي، هنا عليً كي احافظ على حياتي ان اقتلَ قبل ان أُقتل. الافغان يكرهوننا. في الليل وهي تنتظر على شرفة الشقة، ان يرجع لها ابنها، تسمع ضجة اسفل الشقة وحين تنظر الى هناك تبصرهم وهم يحملون تابوت الزنك. تتجمد في مكانها وتعرف ان ابنها قد عاد اليها في تابوت الزنك. لم تصرخ لقد كانت ترتجف من هول الصدمة. لتعش وحيدة الا من ذكرى وحيدها. شاب اخر في ربيع العمر يذهب الى الحرب في افغانستان. كان يتصور او ان من دفعه الى هناك، صُورَ له ان الحرب هناك هي محاربة قطاع الطرق والعصابات، ليفاجأ بانها حرب حقيقية وان الافغان يحاربونهم كونهم غزاة. تستمر الكاتبة بالاستماع الى الجنود والضباط من الذين شاركوا في الغزو السوفيتي والحرب هناك. يشرح هؤلاء لها؛ الكم الهائل من الشراسة، شراسة الحرب ولا انسانيتها في بلاد غريبة عنهم ولايعرفون اي شيء عنها سواء انها دولة صديقة ويجب حمايتها من الامبريالية الاممية بقيادة الولايات المتحدة التى تزودهم بالسلاح الفتاك؛ من الصواريخ المضادة للدروع والطائرات والى الالغام الايطالية والتى كانت اشد فتكا بالجنود السوفيت من غيرها. الجنود والضباط يمارسون تحت ضغط الحاجة اولا والانبهار ثانيا، يمارسون عملية البيع والشراء مع السكان المحليين الذين في حوزتهم جميع ما انتجه الغرب من سلع مدهشة. فهم يبيعون العتاد وحتى السلاح الى الافغان، هذا السلاح الذي، لاحقا، يستخدم ضدهم. السلع من المذياع الى غيره من السلع اليابانية والامريكية وغيرها الكثير، كانت في حوزة الافغان وبكثرة. فقد زودهم بها الامريكان في لعبة ثلاثية الاهداف، اهداف متداخلة ومتوائمة في آن واحد؛ اولا استنزاف العتاد والسلاح السوفيتي مما يشكل في نهاية المطاف استنزاف قدرات وطاقات السوفيت وثانيا اظهار كم ان الغرب متقدم على دولتهم وكم ان الاتحاد السوفيتي متخلف عن الحداثة. مما يشكل رد فعل انعكاسي على عقول ونفسيات الجنود والضباط وثالثا وهذا الامر اخطر بكثير؛ يقدم الافغان لهم المخدرات لقاء ان يبيعوا لهم السلاح والعتاد.” في الليل اخذ احدهم بندقية قتيل. باعه في دكان بمبلغ ثمانين الف افغاني. وارانا المشتريات: جهازا مسجل، وملابس جينس.” امرأة اخرى تحكي او تسرد قصتها للكاتبة وهي تبكي” – لم يعيدوا قطعة واحدة من حاجياته. كنت اود الحصول ولو على قطعة ما للذكرى.. وعد المسؤولون في لجنة ادارة المنطقة:- سنعطيك شقة جديدة. اختاروا اي مبنى سكني في منطقتنا. وقد وجدته: من الطوب وليس من البيوت اللوحية الجاهزة، وتخطيط هندسة الشقة حديث ويمكن الوصول منه الى المقبرة بشكل مريح.- ماذا تقولين؟ هل جننت؟ انه المبنى السكني للجنة المركزية. لسكن النخبة الحزبية..” .الرواية والعشرات من شخوصها الذين كابدوا الامرين بالاضافة الى انهم تحولوا او ان الحرب حولتهم من اناس طبعيين الى اناس غير طبيعيين وينظرون الى المجتمع بشك وريبة. لأن هذا المجتمع قد تخلا عنهم والادهى لم يتخلَ عنهم فقط بل اخذ ينعتهم باوصاف او بصفة الفاشيين وقتلة شعب افغانستان بلا مبرر مقنع. تطرح الكاتبة وعلى لسان جميع شخوصها، السؤال الذي لابد منه لأيضاح الحقيقة وكشف ملابساتها؛ من قرر القيام بالغزو؟ لكن احدا من الناس لايجيب ولايريد ان يعرف الحقيقة، لسبب واقعي تفرضه حركة الحياة وايقاعها السريع، لأن من اتخذ القرار كان، قد غاب عن مسرح الاحداث ولم يعد له وجود، فيما كان لهؤلاء حضور على مسرح الحياة، حضور يومي مباشر وملموس. ان هذه الرواية الوثائقية والتاريخية تقول لنا ما لم تقله اي رواية وثائقية او تاريخية اخرى. فقد قام بالسرد لوقائع الحرب، صانعوا تلك الوقائع المباشرين اي ملامسة وجع الحرب ملامسة حادة جدا. فهم يواجهون الموت كما ان خصمهم يواجه الموت، والاثنين لايعرف احدهم الاخر مع ذلك يقتل احدهم الاخر وبسرعة قبل ان يقتله الاخر. الرواية تشكل نافذة نطل منها على واقع عالم اليوم من حروب الانابة او الحروب الداخلية او اية حرب اخرى. لذا يظل فينا، ساخنا قلق السؤال عن من يقف وراء نيران الحروب في العالم او من عمل ويعمل جاهدا في الدول العظمى، امريكا وغيرها، على تخليق بيئة الحرب والنزاعات، وهذا هو الذي يختفي عن المشهد او هو مختفي اصلا عن المشهد، في الوقت الذي هو ماستر المشهد والاخرون ينفذون ما يخطط الماستر وان اختفى كليا عن الصورة.

الكتاب يقع في 364من القطع الكبير

من اصدارت دار ممدوح للنشر والتوزيع

عمل مهم يستحق القراءة والفحص