22 ديسمبر، 2024 11:05 م

قراءة في قصة “إذا ما لمست قلبي” للأديبة التشيلية إيزابيل ألليندي

قراءة في قصة “إذا ما لمست قلبي” للأديبة التشيلية إيزابيل ألليندي

لا تزال الأديبة التشيلية إيزابيل ألليندي تسحر القارئ العربي بكتاباتها الممزوجة بين ما هو واقعي وخيالي، أين نستمتع بالعديد من القصص عن الحب والأرواح والجنيات والعفاريت وغيرها من المواضيع التي تبقى راسخة في الأذهان على مر السنين.
استوقفتنا قصة للأديبة ألليندي تحت عنوان “إذا ما لمست قلبي” من مجموعتها القصصية “حكايات إيفا لونا” التي نقلها إلى اللغة العربية المبدع صالح علماني، والتي جاءت بنكهة الفنتازيا الممزوجة بحكايات شهرزاد من كتاب “ألف ليلة وليلة”.
بطلة القصة تدعى “هورتينسيا” التي تقع ضحية لنزوة حب عابرة لتجد نفسها في نهاية المطاف حبيسة قبو مهجور بعيدا عن عالم البشر كما جاء على لسان الساردة: “بعد سبع وأربعين سنة من ذلك، حين أخرجت هورتينسيا من القبو الذي كانت مدفونة فيه وهي حية، وجاء الصحفيون من كل أنحاء البلاد لتصويرها، لم تكن هي نفسها تعرف ما اسمها ولا كيف وصلت إلى ذلك المكان.” (ص 61).
البطلة “هورتينسيا” هي الجانية على نفسها بالدرجة الأولى لأنها هي التي بحثت عن جلادها “آماديو بيرالتا” – ذلك القاتل المحترف – وتمسكت بحبه رغم محاولاته الفاشلة للتخلص منها: “وفكر هو حينئذ: يا لهذه الورطة! أنا على وشك الزواج بأبهة وصخب، وتأتي هذه الصبية المخبولة لتعترض طريقي. أراد التخلص منها، ولكنه حين رآها بفستانها الأصفر وعينيها المتوسلتين بدا له أن عدم استغلال الفرصة السانحة سيكون ضربا من التبذير وقرر إخفاءها إلى أن يخطر له حل آخر.” (ص 62).
لقد وظفت ألليندي تقنية السارد الغائب عن مجريات القصة، ولكنه في نفس الوقت يحضر باعتباره منظما لحيثيات الحكي، ويعرض الأحداث بتسلسل متناهي لا يخلو من عنصر التشويق، حيث نتوقف كقراء منذ الوهلة الأولى عند أسرة “بيرالتا” التي كانت معروفة بعمليات السطو والحيل الماكرة، لذلك عمد الأب على تغيير إستراتجيته وفقا لمعايير العالم المتغيرة: “جمع أولاده وفرض عليهم مهمة عقد صداقات مع أناس متنفذين وتعلم الشؤون القانونية، لكي يواصلوا ازدهارهم دون التعرض لخطر أن تنالهم يد العقاب.” (ص 59).
ما كان يهم شخصية البطل “آماديو” هو الحصول على ثروة تبعده عن الوقوع في شباك الفقر، كما كان همه الأكبر ولوج متاهة السياسة حتى لمع نجمه وسط كوكبة الزعماء المشاهير في منطقته: “فقد كان رجلا اعتاد
على إصدار الأوامر.. كان بطريركا وجدا ولديه أحفاد أحفاد، ولم يكن هناك من يتجرأ على النظر إلى عينيه. وحتى رجال الدين أنفسهم كانوا يحيونه وهم يطأطئون رؤوسهم.” (ص 62).
ركزت المبدعة ألليندي على تكنيك الوصف المشهدي خلال عملية السرد القصصي وأكبر مثال على ذلك هو تصوير مشاهد القبو الذي جمع بين البطلين كما جاء على لسان الساردة كالآتي: “كان يتداعبان في العتمة بأقصى قدر من تشوش الحواس، وقد تأجج جلداهما وتحول قلباهما إلى سرطانين نهمين. كانت الروائح والطعوم تكتسب هناك مواصفات نهائية. فإذا ما لمس أحدهما الآخر في العتمة يتمكن من التغلغل إلى جوهره ويغرق في أشد نواياه سرية.” (ص 63).
الواقع السحري للأديبة التشيلية ألليندي لا ينفصل عن الحياة الطبيعية التي نعيشها كبشر فوق المعمورة، ولعل مشاعر البطلة المريضة بما يسمى “حمى الحب” جاءت كخير دليل في هذه القصة حتى بعدما سجن “آماديو”: “في كل يوم، في الساعة العاشرة صباحا، كانت هورتينسيا تمضي بخطوات المجنونة المتعثرة وتسلم إلى حارس البوابة قدر طعام ساخن ليوصله إلى السجين. وكانت تقول لبواب السجن بنبرة اعتذارية:
– لم يكن يتركني أجوع تقريبا.
ثم تجلس بعد ذلك في الشارع لتعزف على السالتيرو. فكان بعض المارة يمنحونها قطعا نقدية آملين في صرف انتباهها عن العزف وجعلها تصمت.” (ص 70).
ما تم وصفه في ما قد سبق يمكن اعتباره أنموذجا للسرد الغريب يعكس حالة من حالات تعجيب السرد بفكرة بسيطة، لا يمكن فصلها بحال من الأحوال عن عالمنا الواقعي كما هو الشأن في وصف حالة البطل في السجن كذلك: “وكان آماديو بيرالتا يتكور على نفسه في الجانب الآخر
من الجدران، ويستمع إلى ذلك اللحن الذي يبدو وكأنه آت من أعماق الأرض ليخترق أعصابه. لا بد أن ذلك التأنيب اليومي كان يعني شيئا، ولكنه لم يكن قادرا على التذكر.” (ص 70).
في الختام، لقد استطاعت المبدعة ألليندي أن تربط بشكل محكم بين عناصر السرد القصصي في “إذا ما لمست قلبي” الذي يتشكل واقعه من محض الخيال الذي لا يخلو من المراوغة والحيرة في آن واحد.
المصدر
(1) إيزابيل ألليندي: حكايات إيفا لونا، ترجمة صالح علماني، دار المدى للثقافة والنشر، ط1، 2008.