(الأحوال المحتملة و حافزية تحولات الذات المحتملة )
مدخل :
لقد بدت النظرة الشعرية كموقف ابداعي هاما يضاهي و يناصف في مسار تدرجاته الوظائفية ، كائنية وحدات الرموز الاستدلالية و طاقة وظيفية اجناسية الفنون التنافذية التي من شأنها محاورة تفوق هيئة الاستدلالات التجريبة الخاصة كعلاقة أفعال وجودية مقصودة في آتون تحويراتها و منبثقاتها الوصفية و الاسلوبية الاستثنائية . و على هذا المستوى من مواطن حساسية الرؤية الشعرية و التي جعلت من فعلها المحوري و الاجناسي انعكاسا ذاتيا متحولا ، أخذت تتضح منه حياة القصيدة كنتيجة حتمية من شأنها الولوج نحو موضوعة الأفعال القصدية و العصية في تفعيلة محمولات فكرة النص ، وصولا منها إلى عرض شبكة انفعالات دوال الصورة المحورية الشعرية في سيناريو مشهدية دائرة التأويل و الافتراض لأجل معرفة خصيصة و نوعية تحولات و تحويرات هذه الذات الشعرية في مكامن أمكانية تجاوبها الضمنية و الاظهارية إزاء مجمل تعريفاتها الدلالية و المدلولية للمقصود الأحوالي و الأفعالي و الصفاتي الجامع في مركبات حيثيات النص المركزية . أقول مجددا أن البحث في تجربة محاور دراسة كتابنا ( فضاء قصيدة الفقدان ) الخاصة بدراسة عوالم شعرية عبد الكريم كاصد تحديدا ، ما هي إلا ذلك البحث عن أوليات و آليات الاداة الذاتانية المفقودة في عوالم شعرية هذا الشاعر ، فيما تبقى محاولته الدائبة في القصيدة لصنع و استرجاع تلك اللحظات الفقدانية و المتصلة بفضاء علاقته بذلك الشريك الذي غاب في معالم الأطياف و الأشباح و القطب الآخر من عينية و حوارية مقصدية أفعال مؤولات الحضور الفعلية الكاملة ، فيما نصف ذلك النزوع الشعري لدى الشاعر بمسمى تحوير و تحويل سمات الغياب بالحضور الحلمي و الإيهامي المحفوف بتصورات الشاعر المركزية و المتركزة عبر حساسية مغزى الفقدان الكبير لديه :
سأموت عند الفجر
قالت
و اختفت في وردة جورية حمراء
يا جورية
ضمت رفات حبيبتي
و مضت بلا أثرٍ . / ص32 قصيدة : اختفاء
ــــ خارج النص و داخله :
هذه الحالات الشعرية الواقعة ضمن حدود المسكوت عنه ، أخذت تفرض معناها على امكانية رؤية المشبه به من جهة ما ، فيما تبقى علاقة وحداتها الظرفية و الأحوالية و الزمكانية و الخطية تسمح لها بأنطلاقة تراتيبية متمفصلة نحو ملفوظية مسار ترسيمة : ( النص = خارج = داخل + و حدة مدلولية ) و لكن بعد سطور لاحقة من النص ، نقرأ فقرة ما من الحالات الاستباقية بوحدة الإيهام القابل بصورة موضعية البحث عن الدليل الراجح في زمكانية النص ( المكان = الزمان = مسافة الدال = جهة الفاعل ) :
متى ألقاك ؟
أين ؟
بأي أرض ؟ . / ص32
و هذه النواة الوحدوية من خصوصية مواطن البوح الاحوالي ، نجدها تعاين للوهلة الأولى في حدود هذه المؤشرات الترسيمية : ( خصائص المعادلة اللاشعورية = تداخل الذات = إشباع المخيلة = تراسم تحولات الوظيفة ) و لربما هو انتقال الحالة الشعرية الى مواطن ملفوظية كبيرة كنتيجة تأجيل اللاواقع من أجل حلول تصوير زمنية المعادل الحلمي بصفات الواقع الغيابي المتخيل على ظاهرية و خلفية العكس من الصورة الأيحائية الظاهرة في مسار توليد هيئة الدال التقليدية في النص .
1ــ انتقال الصورة الايحائية من الحوار الخارجي الى حساسية الخطاب المؤجل :
اليوم
وقد ضيعت طريقي
تبعتني أوراق خريفٍ مرّ
كمعتوه يمشي خلفي و يمطّقُ . / ص34 قصيدة : تيه
فالصورة الإيحائية هنا تشكل بذاتها كمنبها تأجيليا لزمن قابلية الحلم كنتيجة مدلولية لأنتاج مؤولاتها الخاصة . فهذا المعنى الفقراتي يدفعنا قدما نحو تصور مدى استجابة الذات الشعرية على تصوير انطباعاتها الحسية و الزمنية و المكانية إزاء راهنية دلالة الفقد و الفقدان وصولا منها الى مرحلة رؤية الذات الى ما لا يعنيه لها من طبيعة الأشياء المحسوسة الظاهرة و العينية المتواجدة أمامها ماديا ، لتتحول بالتالي هواجسها المتنجة على حين غرة الى تعبيرات عابرة من ظاهرية محسوسة باردة و نمطية . و بطبيعة الحال قد تصبح ثنائية ( الخارج / الداخل ) من مضمرات سكونية الصورة الاحوالية للشاعر ، لذا ترانا نقرأ هذه الفقرات الآتية من النص :
كان الوقت مساءً
و البوّابة مغلقةً
و أنا وحدي
أتلفّتُ مذعوراً
في مقبرةٍ خاليةٍ إلاّ منّي . / ص34
2ــ محورية النص في ذاتيته النصية :
نفهم جيدا الآن ، أن النص لدى الشاعر الكاصد ، ما هو إلا حالة من حالات الإيغال في الأثر الانطباعي لديه شعريا ، و تجدر الإشارة هنا إلى صحة ملفوظية ترسيمة النص : ( كان الوقت مساءً : الحالة الزمنية المحولة = فاعلية الأداء = أداء الفاعل / البوابة مغلقة = تمفصل ملفوظية التبئيير = حقيقة الدال + البحث عن العلاقة الزمنية + فاعلها المرسل / و أنا وحدي : علاقة المنفذ بفعله = المرسل = الحالات المحولة ) فهذه الشبكة الأحوالية المنصوصة احتمالا في مراتب التعرفية النقدية ، حيث راح من خلالها يقترب الشاعر بالدلالة الفقدانية ـــ النص في ذاتيته الفاعلة ــ من حيز التواجد في مواجهة الفاعل الغيابي الأخير في موضوعة النص :
قلتُ إذن فلأوقط ْ حارسَها
علّهُ يفتحُ لي
لكنّي لم أبصرْ في الباب سوى شبحٍ
يبسم لي
و يشير إلى جهةٍ لا أعرفها ./ ص 35
يبقى دليل ملفوظ النص هنا كساحة استدلالية فراغية تتلمس طريق وصولها مع بعضها البعض الى سبيل بلوغ لغة الاتصال أو لغة التمثيل ، عملا بالفاعل الغيابي المشترك الذي هو بحجم دلالة ( سوى شبح / يبسم لي ) أن الشاعر هنا يسعى الى ضم مدارج الأنتاج المفترض لديه إلى جانب إعادة لغة الدال الاستعادية حلما ، و ذلك عندما شاهدنا الشاعر وهو يضمن ديمومة نصه بوحدة سد الثغرات و الغيابات و التقاطعات وبلا كلل أو ملل إزاء فيوضات ترميزية معانيه المحتملة و المضافة إلى مساحة ممارسة مخيلة الأنا الشعرية .
ــــ تعليق القراءة ــــ
أن مشروع القصيدة في منظور أعمال تجربة المبدع القدير عبد الكريم كاصد ، ما هي إلا تلك الأفعال و الصفات و المؤشرات و الجمل الاستفهامية الخالصة بحسية ما يجعلها خصوصية خطابية نوعية للملفوظ الشعري الرثائي الخالص . و تبعا لهذا الأمر نجد في تجربة الشاعر ثمة أمكانية تمديدية و ارتدادية في تشكيل وحدة منظومة الفقدان و على مجمل خارطة جسد الذاكرة الشعرية لديه ، لينفتح الحلم عند مضمراتها حدودا تشكيلية متموجة و منفية و مثبتة حاضرة وغائبة في آن معا :
جهة ٍ أخرى
نائيةٍ
حلّ الليل
ولم أصل الجهة الأخرى ./ ص35
قصيدة الكاصد هكذا تأتي دائما كأنشودة في محافل ( المنفى / الفقد / الغياب ) حيث تبث عن ذاكرتها متاريس دلالات مغايرة في الحال و النوعية و خاصية الأرسال ، بيد أنها قصيدة تبدو مشتعلة دوما على انتاج لغة الذاكرة و الأسترجاع و الحالات الاستثنائية الفريدة من لغة الذات الشجية .. فيما تبدو لنا نقديا و قرائيا و كأنها تلك الفضاءات التضاعفية التي تتسلح بإمكانات أحوالها الرثائية المعنونة بجهات فقد الشريك وزمنه و مكانه ، فيما بات الأمر ملخصا في قصائد الشاعر المنقطعة النظير في كيفيات استعاداتها لملفوظات و حالات واقع ذلك الآخر الذي غدا ايقونة دلالية متوغلة في أعماق شعريتها الحدوثية الواقعة بين فاعلية الرؤيا و تمفصلات معطى تحولات الذات الشعرية المحتملة في يقينية تصوراتها المخيالية الرصينة .