23 ديسمبر، 2024 5:30 ص

قراءة في رواية ( وهن الحكايات ) لأحمد إبراهيم السعد

قراءة في رواية ( وهن الحكايات ) لأحمد إبراهيم السعد

الحكي بين مصادفات التكنيك و وهن الحاكي في أدلة الرواية

مدخل :
ونحن نقرأ دلالات وسائط بنى و متن السبك البنائي ، في جملة مجموعة وسائل و إداءات رواية (وهن الحكايات ) للقاص و الروائي أحمد إبراهيم السعد ، لاحظنا بأن هالات الضوء المنعكسة من ملكوت قابلية دليل المرجعية الحكائية في تقانة الرواية ، تنطلق في حدود المساحة الرحمية من داخل تنصيصات المسرود الحكائي الكامن في مسار التوليد البؤروي ، بل إنها أخذت اتساعا وظيفيا في منظور مراحل التعاقب و التشابك و الانفتاح و التفعيل الوحداتي ، دخولا منها إلى مجرى ذلك المحفز الخاص في أسباب كينونة الصناعة الروائية الأولى ، وإلى حد ما وجدنا مواقف تقنية ( التكنيك ) هي الأسمى دالا في ميولات الاسلوب الحكواتي المتبع لدى مرويات الروائي نفسه ، وصولا منه إلى مجال و دائرة محاور و أحاديث ( الحاكي / الرواي ) إزاء معادلات تفعيلية محبوكة من خاصية متن فصوله المشهدية و شخوصها و فضاءاتها ، التي أظهرت بدورها علاقة و مقاربة المستوى البنائي في صور و محكيات النص توليدا من جهة تضاعيف مشغل المخيلة الروائية المائزة ، و على هذا نحو صرنا نتلمس حكايات الرواية بدءا من غايات ذلك الزمن أو اللازمن أو الواقع أو اللاواقع أو التوقع أو اللاتوقع أو التخييل أو معاودة و إعادة انتاج نواة الحكي بطرائق ضمنية خاصة من حكاية المسرود النصي القادم لنا من عبر تعدد محاور الروي و الراوي ، و على هذا الأساس من حركية التجسيد الإدائي في مواقع ما أضحى مجسدا و غير مجسد في الآن نفسه ، لتبقى صورة دلالة النفاذ إلى جوهر العلاقات الأفعالية من جهة تساؤلات و محتملات المؤلف نفسه ، أو هو ذلك السارد الذي غدا يدخلنا في توقعات القراءة ترابطا إلى جانب ملفات أولية الحكي و الحكاية ، و المكرسة إحتمالا بين حواجز الافتراض و تأجيل بنية المفترض ، إلى غايات العلاقة المرجئة في علامات المعنى. من خلال عتبات تنصيصات رواية ( وهن الحكايات ) تواجهنا أدوات اسلوبية شيقة و ساحرة في لغتها التوصيفية السيالة ، و التي تقترب غالبا من ذلك المجال السينمائي في تقطيع اللقطات و المشاهد إستلهاما إلى وجه مؤشرات ذلك الإصغاء القرائي إلى مدونات الحبكة اللقطاتية المتوقفة و المتحركة عبر زمن قصاصات شريط التكنيك الفلمي بفاعلية زمن و صوت ذلك الحكواتي ، أي إنها تجربة أخذت تستعين في بؤرة مشخصاتها على ذلك الحدوث المتولد إحتمالا من عمق فجوات الترسيمة الزمنية المؤسطرة في عنونات محتوى صوت نسائي مسجل على شريط و كراسة مذكرات تعود لأحدى شخوص الرواية ، و على هذا الأساس من التلميح و التصريح و العلامة في بنية سرد تلك الأصوات في الحكايات المؤدلجة على مساحة شريط التسجيل و حكاية فتاة المذكرات ، و التي حصل عليها المؤلف المفترض في عتبات النص ، من خلال صديقه الشخصية علاء ، الذي كان يشغل تلك المساحة الثانوية من وحدات الحكي في مسار توليفات السارد العليم ومن خلفه المؤلف الضمني المفترض . في الحقيقة أن القارىء لرواية أحمد إبراهيم ، قد لا يتردد في مواجهة حجم تساؤلات ثنائية المؤلف / السارد العليم ، حول مدى تنقلات لوحة الأقدار و المصادفات و السلوكيات المجملة ، التي تمت بها صناعة خيوط روايته افتراضا ، بعد ما فقد أسباب التواصل مع ذلك الصوت المسجل في الشريط ، فيما و فقدانه لمسودة مذكرات تلك الشخصية النسائية في حكاية مذكراتها ، مما جعل الروائي يختلق كبير الأحداث و الخيوط و التدابير الخاصة بروايته الشهرزادية ، التي أخذت تنتقل من على لسانها مجموعة وقائع و مواقف و أحوال الحكايات المختلقة في ظل مخيلة الروائي الفاعلة في النص جاءتنا حكايات ، طمرت سرعة توقعاتنا الاستجابية ، فيما جعلنا البعض منها في محطات توليد تلك الاصغائية لذواتنا الفاحصة لأزمنة تتابع الأحداث و شخوصها . أود القول قبل دخولنا في مباحث دراستنا للرواية : أن الروائي في روايته ، كان بمثابة الشهرزاد التي تسعى جاهدة في محكيات ألف ليلة و ليلة إلى تهدئة عنفوان ذلك السلطان الثائر ، عن طريق حكاياتها المشوقة ، التي لم تنتهي في غضون زمن الليلة الأولى ، فقرر شهريار في الإبقاء على حياتها إلى الليلة اللاحقة ، و بهذا الأمر امتدت الحكايات بها وبه إلى ليال أخرى .. أما الحال عند رواية ( وهن الحكايات ) فأننا نظن أن الروائي أراد من وراء صنعتها و طرائق دورانها و لفها و توليدات مصادرها الابتداعية في معنى البدء و المنتهى ، صرفا منه إلى حقيقة صناعة الحبكة التحفيزية التكنيكية في رسم مساحة مضافة من لعبة مجارات الذات الحاكية في أحداث مخيلتها ، دون محاولة طرح مقصدية الموضوعة الروائية في دائرة الكشف الدلالي .

ـــ فضاء النص بين مكونات التدوين و تماثلات السرد .
الأمر الذي يجعلنا نحتاط منه في دراستنا هذه ، هو عدم الاهتمام و التشاغل بما آلت إليه أحداث مضمون الحكايات في الرواية ، إعتمادا منا على معايشة ممارسة أفعال الرواية ، منذ أول عتباتها و إلى أواخر زمنها المضموني .
1ــ العلاقة بين خلفية السارد و المسرود :
عندما نتعامل مع آليات السارد في رواية أحمد إبراهيم ، فأننا نعاين أولا جهة خلفية صوت المؤلف الضمني ، حيث راح يستحدث في نمو السرد ، ذلك الهامش الزمني القادم من أفق علاقته بشخصية علاء ، كما نقرأ ما جاء في هذه الفقرات تحت عنوان خارج القوس ـــ داخل الحكاية : ( عرفت علاء و هديل منذ خمس سنوات خلت من واقع حياتي الأربعين .. و ما كنت لأدري بدورهما في كتابة روايتي .. حتى مجيء ذلك الصباح الذي دخل فيه علاء إلى مقر عملي في الصحيفة و أعطاني شريط تسجيل و قرص سي يدي .. سألته عما يحتويانه .. فقال وهو يشرب بعجالة من إستكانة الشاي .. و تصورته سيغادر المكان فورا : ــ أسمع الشريط ؟ و أقرأ ما في القرص فهما لك . / ص5 الرواية ) أن طبيعة الحكي هنا ، تدفعنا إلى الإحاطة المصدرية ، و التي تتعلق فيها علاقة كينونة فعل الحال في المسرود الحواري ، فهي بمثابة المسكوت عنه في متون البنى الشعرية ، ولكنها تختلف إجناسيا و دلاليا في مجال أسلوب الحكي في المسرود اللقطاتي الحواري ، حيث تتبين لنا سمات الملاءمة بين حالة الشخصية علاء و ذلك المسار المتغير و المتعالق في شريط التسجيل و قرص السي دي ، لتتضح لنا علاقة السارد المشارك و من وراءه المؤلف الضمني ، في وصلة ترابطية ما بمحتوى حكاية شريط التسجيل و قرص السي دي ، ليتبين لنا السارد العليم في موجهاته المحكية إزاء أحوال شخصية علاء أخيرا ، محض علاقة وظيفة في الصحيفة التي كان يعمل فيها السارد العليم و المشارك في السرد : ( لكني سألته بحرص بالغ عن سبب تركه للعمل في الصحيفة .. فقال و هو يلم وجهه و كأنه يصارع وجعا ما : ــ سأترك هذا البلد السخيف ؟ / شرب الكثير من الشاي و دخن بإفراط / و رغم سعة المكتب الذي يفصل بيننا كانت رائحة الخمر تتضاعف حدتها وهو يشتم و يسب .. الحب . الوطن . العائلة . الثقافة . الجنس / تركته يتكلم و ازعجني أكثر عندما مزق العدد الأخير لصحيفة أنا مدير تحريرها / وقال بعد أن فرغ من تصنع ضحكة استفزازية : ــ صدقني أن أصحاب المحال ذات الواجهات المزججة .. و صباغي السيارات و البيوت .. العوائل التي ترغب أن تقرأ و هي تأكل السمك المشوي في غداء الجمعة على صحيفتكم الموقرة ممتنون لدأبكم . / ص5 ص6 الرواية ) ولا يعني في هذا التنصيص المدخلي ، ما راح يؤشر على أن ظاهرية سلوك علاء كانت تتسع للمزيد من الفوضى و السماجة ، بل أنها الفاتحة الاستثمارية في مفترق المكون القادم من تمفصلات المحور الأكثر تركيزا في مجرى حكاية صوت ذلك الشريط بحكاياته المسجلة إلى جانب كتابة علاء في بيانات القرص السي دي ، و لكن الغريب في الأمر هو قابلية المؤلف الأفتراضي في النص ، و كيفية نسيانه للشريط التسجيلي مع القرص في حادثة نقله في سيارة التاكسي ، ثم لقاء صاحبة ذلك الظرف بعد فترة زمنية من مغادرة الشخصية علاء عن البلاد : ( يقيني خذلني تلك المرة عندما وصلني خبر سفره إلى بلجديكا .. / سمعت قصة المرأة في شريط التسجيل و لم يلهمني صوتها في تقدير عمرها .. لكن ما كانت ترويه بصوت فيه سعادة الاعتراف يكفي لمعرفة زمن حكايتها و عمرها .. كررت سماع الشريط أكثر من مرة .. و قرأت ما كتبه علاء في القرص السي دي المدمج و لم يخطر في بالي كتابة رواية . / ص6الرواية ) و على صعيد التلقي تنطوي هذه العلامات الوظيفية نحو تبئير تقنية التماهي بين علاقة السارد العليم المشارك و حقيقة هوية الشخوص و دلالة أصواتهم النواتية في حكايات شريط التسجيل ، ناهيك عن كلام علاء في القرص ، و هذه الاطارية المحفوفة من جهة أصوات حكايات التسجيل ، هي من أخذت تقدم لنا ذلك المبعث الزمني المكرر في مراجع و مصادر و انطباعات إصغائية السارد العليم أو المؤلف المفترض في روايته التكنيكية ، تبعا لهذا تبقى علاقات و مواقف حكايات الشريط ما تسجل انعكاسا توليفيا على مساحة حيوات ، مزامنة لموقفه المتفاعل و المتابع إلى بقايا أصداء تلك الحكايات و النبرات المسجلة في زمن الأصوات المستلهمة . أما فيما يتعلق بعلاقته التكوينية مع حكاية الشخصية هديل ، فقد أخبرتنا الرواية بمجيء هذه السيدة بصحبة طفلها الصغير بعد مرور سنة إلى مكتب الصحيفة على حد قول السارد في الرواية : ( خمس سنوات مرت و شريط التسجيل و قرص السي دي و مذكرات هديل في درج مكتبي / ما قالته العجوز أم حسن على لسانها المنزلق بلكنة أحوازية في شريط التسجيل ما كتبه علاء في القرص المدمج .. هي حيوات متشابهة و مختلفة في آن معا .. و بدت لي فكرة جمعهم داخل رواية / كتب علاء بأسلوب تقريري عن زيارته إلى أم حسن في بيتها / في التاكسي الذي أقلني إلى بيتي نسيت الكيس الذي يحتوي على بعض الكتب و قرص السي دي و شريط التسجيل و مذكرات هديل .. / على جدران مقر الصحيفة التي أعمل فيها ثقوبا خلفها رصاص بعدد حروف مقالة كتبتها في عامودي الأسبوعي .. على أثر ذلك أغلق المقر و توقفت الصحيفة عن الأصدار / ص 7 الرواية ) .

2 ــ ظلال مرجعية الحكايا في مفاصل سفر التأليف :
هكذا بدت لنا أزمة المؤلف المفترض مع حكاية أم حسن الاحوازية ، إلى جانب مؤشرات حكاية مذكرات هديل ، التي راح منها المؤلف الروائي في النص المحتمل ، يشاطر بقايا أصداءها في حكايات و فصول روايته ، التي هي بالاساس عبارة عن عملية كيميائية في مجال المفترض و المحتمل من أولية حقيقة واقعة حكاية شخصية أم حسن و الفتاة العرجاء هديل و باقي أحداث شخوص الرواية المضافة من مساحة الحكي الخاص بمرويات المؤلف المفترض في ذاكرة المعنى و اللامعنى الآخر من تنصيصات الذات الروائية المركزية في زمن النص الحقيقي . نلاحظ كيفية قيام الاحداث و الشخوص في الرواية من خلال دفة ذلك المؤلف المحتمل فيما راحت مسارية نسجه تنطلق نحو مواقع شخوصية ، تتلاقى و تتخالف من عبرها حقيقة الواقعة الروائية في حكاية النص . في الواقع أن ما قام به أحمد إبراهيم في نصه ، هو ما جعلنا نقرأ موجهات ( رواية داخل رواية ) كحالة متوازية في محددات قياساته الزمنية في نص مؤلفه الافتراضي ، و بين شخصيات و مواقف روايته الشخصانية الحقيقية تدوينا ، لذا فأن القارىء لأحداث رواية مؤلفه المفترض لربما أخذت تحقق ابعادا فنيا أكثر سعة من ظلال حقيقة المؤلف المركزي الذي غدا في نهاية روايته باحثا دائبا في إثبات حقيقة روابط و أدلة شخوصه في المواقع الفنية و الجغرافية . و تبعا لهذا الأمر نتابع حكاية شريط التسجيل ، لنكتشف من خلالها بأن الروائي المفترض ، و من خلفه المؤلف الجاد ، راح يجسد لنا طفولة أم حسن الأحوازية ومرورها بدوامة تعددية الأسماء و الصفات و المشابهات ، إلى جانب حياتها المحفوفة بأقصى درجات المأساوية الأنسانية الدامية : ( لي أسمان أقيس بهما مزاج من ينادي عليّ .. فعندما تكون أمي في مزاج عصبي تناديني يا فشلة .. و حين تهدأ عاصفتها تعود لتناديني يا رضوية .. / قالت أمي أردت تسميتك نجاة لأنك نجوت من يمين أبيك بالقرآن .. بأخذ المولود إلى جهة مجهولة ثم تركها أو قتلها .. ترجح أمي فكرة الترك بدل القتل .. لأنها تعتقد بوجود الرحمة داخل قلب أبي .. و دليلها على ذلك بكاء أبي على البلبل الذي رباه منذ صغره حتى صار بحجم الحمامة . / ص14 الرواية من هنا تشتغل الثيمات الحكائية داخل النسيج النواتي في مبررات الحكي ، وفقا لمدارات ملتبسة في مرجعية مشخصات محاورها التكييفية في مجال النص ، فيما تعود في السرد كأختلافية تطابقية إزاء مواقع الذاكرة و الطفولة و الجذور و علامات الحلم التأليفي و تكثيف حمولاته الاستعارية ، حكيا في تجاويف الولادة و التطهير لشخصية أم حسن و تعالقاتها التكنيكية بين حكي الجدة فخرية و سياق استعادية محورها الشخوصي في رحم أدوار و مسميات المواقف المتعددة في مبئرات الشروخ المحكية من جهة السارد العليم ومن خلفه المؤلف الضمني . و في مقابل فواصل حكاية أم حسن ، تواجهنا آنوية المؤلف المفترض ، التي من شأنها لعب دور صناعة الحكي من جهة فردية استثنائية و مناقشته من عبر وجهة نظر السارد العليم الذي راح بدوره يصف لنا حالات التأخير و التقديم في مصائر الشخوص ، ناهيك عن عجلة صوته المتنقل على حال ألسنة الشخصيات أحيانا ، كحال لدغ الطفلة رضوية من قبل الأفعى و كيفية تدخل صوت المؤلف في بينية توزيع مشيئة الحياة و الموت من لدن آنويته المتحكمة في زمام مصير شخوصه الروائية : ( أزعجني إنها لم تمت حينذاك .. ولعل عدم قلقي عليها في الكتابة يعود لإصرارها على الحياة .. لطالما أقتنعت بنية موتها و الانحراف بمسار الرواية بعيدا عن حقيقة القصة التي روتها في شريط التسجيل . / ص41 الرواية ) أراد أحمد إبراهيم خلق حالة من ( التواتر السردي ) أي علاقة التواتر أو بعبارة أكثر حصافة علاقة التوال بين مرجعية الحكاية القصصية المضافة في مساحة الوظيفة الروائية ، ولو حاولنا التدقيق في مراحل وحدات الكتابة ، لوجدنا ثمة مرجعية خاصة من مشروعية النص الحكائي القصصي ، الذي راح يندلق عن رحم أحشاء الرواية ، فهناك مرجعية خاصة قد لا تعنى بها رواية موضع دراستنا وحدها ، فهناك خلفية حكائية قصصية في مستودع كل رواية قائمة بذاتها ، كما و هناك فوارق و تقاطع بين مصطلح ( حكاية الرواية ) و مرجعية الحكاية القصصية في تقنيات فضاء الرواية ، ولعل القارىء النقدي للقصة و الرواية هو من يتنبه على حقيقة وظيفة مرجعية الواقعة القصصية في حكاية الرواية ، فيما تتواجد جملة من الحالات و المواقف الروائية ، تعود أحيانا بمصدرها و ليس بهوية جنسها إلى حقيقة النص القصصي داخل محكيات و بناءات الرواية ، ما لم يخل هذا التوظيف بشروط العوامل و الوسائل المتصلة شكلا و بنية مجال المشروع الروائي جنسا و أسلوبا . على أية حال كل ما أود قوله هنا أن شخوص و مواقف رواية ( وهن الحكايات) تقترب من زمن علاقة اللؤلؤة القصصية في رحم تقانة الإجرائية الروائية . إذ هي بمعنى ما تبدو ذلك التنصيص المرجعي النوعي في ذاكرته الشعرية و القادمة من داخل استرجاعات و استباقات الداخل و الخارج من سياق النص الروائي ، و عندما نعرف أن الخطاب الروائي يقوم على اساس المرجعية القصصية المضمنة نسقا في مشاهد و أحوال الرحم الروائي ، ندرك حينذاك بأن العمل الروائي مستخلصا من قيمة الحكي في المسافة المضافة بين واقعة الحكاية القصصية و مساحة البناء الروائي المشكل . و في رواية ( وهن الحكايات ) ينتقل لنا التمحور في زمن التعالق الحكائي عبر مرايا مرجع النص القصصي ، انطلاقا منه نحو عملية بنائية متممة إلى مستوى جمالية الواردة التفعيلية في الخطاب الروائي إجمالا ، على سبيل المثال نقرأ هذه الفقرات التي هي بمثابة الياقوتة القصصية اللاصفة في رحم العمق الروائي : (نصف سجادة المرعى .. و نصف الشجرة التي ينام تحتها الراعي .. جلس كلبه باسطا ذراعيه على حجري .. فيما كانت تتساقط على ظهر الكلب النقود . / ص33 الرواية ) تعتمد هذه الوحدة التوصيفية اقترابية خاصة من زمن اداة مرجعية النص القصصي المتشكل في دائرة معطى الابدالات العلائقية المتداخلة و الرابطة بين مجرى مرجعية زمن النص القصصي تداخلا في مؤدى الخطاب الروائي ، لإبراز توصيفات مرجعية حكائية قصصية أخذت تحبذ لذاتها الانصهار في أزمنة واصلية المعنى لاشتغالات المستوى المتحول عبر تقنية التوصيف : (ثقوب متباعدة كفوهات النور .. ما كان تواجدها على الشرشف محض طيف جمرة سجارة .. عدلت جذعها و انحنت على الشرشف تنقب عن فوهات البراكين .. و بباطن سبابتها اليمنى تحسست حدود الثقب المسود .. تنقل من ثقب إلى ثقب . / ص71 الرواية ) ففي عوالم مرجعية الفن القصصي في الرواية ، يمكننا العثور على هذه الاداة الدقيقة من زمن حاصلية ضيق الفضاء و اتساع الوصف على جانب انزواء الزمن بعلامات إيحائية غير واردة في حساب التقاويم الجادة ، إلى جانب بروز و تضاعيف الوحدة المكانية المصاحبة للثقل الشخوصي في مساحة النص المرجعي في رواية النص القصصي ، في حين أننا نجد في اداة النص الروائي ، سرعة الوصف مع انفتاح الفضاء ، و تكاثر وحدة الزمن المضارعة ، إلى جانب تعددية الخارج المكاني ، يقابله انحسارا في الجانب الداخلي في مشاهد و حالات الوصف الذواتي للشخصية الروائية ، و بهذا الشأن فأننا لا نقول بأن المشروع الروائي هو حاصلة انتاجية من الشكل و البناء القصصي ، بل أننا نقصد من وراء قولنا هذا ، القول بأن في داخل رحم كل عمق روائي يوجد هناك قلبا نابضا بحياة مرجعية النص القصصي الداعم بدوره لدقائق أصغر مكونات الوظيفة التشكيلية في تقنيات الفن الروائي ، و على هذا النحو تبقى تقنية الاستباق و تقنية الاسترجاع و تقنية الاستشراف ، و كأنهما تماثلات قادمة من حدود اللحظة الآنية الممكنة في الزمن الروائي ، و دون دخولهما المباشر في عوالم المعاينة الوظيفية الخاصة في منظور الفن القصصي . و هناك العشرات من النماذج الروائية ما تنطلق من واقع مرجعية النص القصصي في فضاءات و بناءات شكلها الروائي المركز .

ـــ وعي الشخوص بدلالة الاحوال المحكية في الرواية .
تبدو تفاصيل أحداث رواية ( وهن الحكايات ) مشبعة بالحركة الشخوصية المزامنة جنبا إلى جنب مع أحوال حكي الحاكي في صيغة خطاب الزمنين الاحوالي ــ الزمكاني ، فمثلا نعاين السارد العليم وهو يتحدث حول تفاصيل تخص أحدى شخوص الرواية : ( لا أعرف متى تعلمت تلك اللعبة ! لكنها تأتيني كمنقذ لأمارسها كلما أدركت أن شخصا ما قد تمادى في كراهيتي أو محبتي .. فتحت عين وأغمضت أخرى و صوت بكاء أمي يمطر في رأسي صراخا لا يني أن يتوقف . / ص61 الرواية ) يبدو الوعي الشخوصي لدى الشخصية هنا ، عاملا حاسما في إدخال اللعبة الزمكانية في محددات و مؤشرات ( جهة الموضوعة / جهة الفاعل / جهة اللعبة الزمكانية / تداخل محاور التبئير ) فحال كلام الشخصية في هذه الوحدة المشهدية ، ما راح يشكل تكنيكا فاعلا في تأشير النمو الاحوالي في مشهد السرد ، ما يجعلنا ندرك بأن الشخصية باتت هنا تقدم لنا اداة ربطية ، من شأنها إدامة واقع الاحوال الأخرى الحاضرة و الغائبة عنها في عين الموقف المحكي ، فمثلا قولها : ( كلما أدركت شخصا تمادى في كراهيتي أو محبتي ) فهي بموجب هذه الملفوظية تكشف عن رؤى احتمالية بجريان واقع حال أن يكون هناك في الاحداث ثمة من الشخوص من يمارس أو يضمر الغل و الكره لها ، أيضا حين قولها : ( و أغمضت الأخرى و صوت بكاء أمي يمطر في رأسي صراخا لا يني أن يتوقف ) الشخصية رضوية أو أم حسن بألاحرى ، تستبق و تستشرف مواقف مصيرها المشؤوم بحادثة مقتل الشيخ قنديل والدها و شقيقها ، ثم واقعة جريان اغتصابها من قبل قوات حرس الحدود ، ثم بالتالي زواجها بدارم وفقدان أبنها حسن على أيدي رجالات الأمن الحكومي الباطش ، و حكاية احتفاظها بجمجمته في قعر دارها ، بعد أن تتحول تلك الجمجمة إلى تمثال قام بتشييده لها ذلك النحات المعلم : ( أنا الشاب المغدور حسن دارم .. كان في جيب بنطالي صورة لممثلة شهيرة .. و في جانب صدري و بطني ثلاث رصاصات كلاشنكوف .. و ما كانت عيناي معصوبتين لذلك رأيت قاتلي . / ص174 الرواية ) .

1 ـــ الأنا الحاكية في شواهد تشيؤ التكنيك الاندماجي :
إذا السرد في أساس رؤية محاور حكايات ( وهن الحكايات ) جاءنا ليعتمد على ذلك التمحور التقابلي الحاصل ، بين مواقع التذويت في حالات دواخل تشيؤات المسرودات المحكية في النص ، ولعل هذه الفصول المتوسطة هي الأكثر أهمية فنيا في مجال اشتغالية رواية أحمد إبراهيم خصوصا في استخدام السارد المشارك كاداة متنقلة في محكيها داخل جسد ذلك الآخر من آنوية التمثال الشيئية ، و في دلالة بلغت أقصى درجات القاهرية و الحدية في خوالج المأساوية الفنية ، فيما راح لا ينفك ( أنا الروائي ) في المتابعة و التركيز على عملية ما كان يساور صانع التمثال نفسه من أحاسيس وصلية كينونة و اجزاء التمثال ، كما ولا يخفى علينا مدى روعة الحالة الوصفية التي كانت تعبر عن ردود افعال دواخل ذلك النحات إزاء مخلوقه المجسم ذلك : ( ومن يدري ليخبرني أن تلك المرأة المتعجرفة تحتفظ بجمجمة أبنها .. و تقترح بموهبة عاطفية ملء فجواتها العظمية بطين مفخور .. / قبل أن تنام أمي في حجري الخشبي نومتها الأخيرة .. جلست قبالتي لساعات متواصلة تروي لي قصة اغتصابها على الحدود العراقية الإيرانية . / ص206 الرواية ) كان الواصف الروائي بارعا ، وهو يحول ردود أفعال شخصياته من لغة معجم الجمجمة إلى أحوالية وصفية أخذت تنتقل من عبرها امكانات التوصيف المؤسطر بما كان يخالج مادة خطاب الموصوف بتعابير و دالات سوابق الحافزية الأيقونية الفاجعة في مشاهد و حوافز التصويرية التحولية في جمالية الوظيفة الروائية المركزة .

ـــ تعليق القراءة ـــ

ـــ آليات محصلة المباحث و أنتاج مؤولات القراءة :
لاشك أن رواية ( وهن الحكايات ) من الأعمال الروائية المؤثرة جمالا و اسلوبا و توظيفا على ذائقة قارئها ، خصوصا تلك المساحة الميلودرامية التي أختصت في توصيف حكايات و حياة الشخصية أم حسن و الشخصية هديل ـــ ولو أننا لم نتحدث بالشكل المسهب عن دائرة احوال و مواقف هديل بالشكل الكاف ـــ و لكنها على اية حال جاءتنا ذات مؤديات و مكملة و موازية مع حكاية أم حسن ، ولكن تبقى في الرواية بعض من ( مصادفات التكنيك ) و المتمثلة بأعتراف علاء في عدم وجود شخصية أم حسن واقعا ، كذلك ينسحب قولنا حول حكاية خلوقي و زوجته العاهرة كوثر و ولدها المنغولي ، ناهيك عن وجود بعض من الزوائد التي لم يتم الحديث عنها في دراسة مقالنا ، كحال رحلات خلوقي إلى مصر و إيران ، و حكاية ملاحقات المؤلف المفترض في الرواية المبالغ فيها نوعا ما . أنا شخصيا لا أوافق الروائي العزيز أحمد إبراهيم على سبيل مثال ، حول نهاية روايته ، و التي تم من خلال شكلها العرضي و الوثائقي ، مما جعل الروائي نفسه يقوم بإغتيال جمالية و ابداعية ما حققته الرواية في مساحة عتباتها و فصول سردها المتوسط ، لذا بدت و كأنها في الخاتمة كحالة ناشزة عن باقي أجزاء الرواية الأخرى ، فقط لأجل إثبات وجود دارم زوج أم حسن و إثبات الأخيرة بأنها فعلا كانت على أرض مساحة الواقع المتخيل ، دحضا لمقولات علاء الكاذبة و الزاعمة إلى عكس ما عليه حقيقة الموقف الروائي . أعود لأقول أن فن الخاتمة هي من أهم مراحل انطولوجية المعيار الأدبي في مداليل النصوص الرفيعة ، على العكس تماما مما وجدناه في خاتمة رواية ( وهن الحكايات ) وهي تسعى إلى الأمساك بحقيقة الوثيقة الروائية و فوتوغرافية المرجعية الحقيقية لشخصيات الرواية ، دون الأهتمام بأفعال الضربة الختامية الإيحائية المؤثرة في قيمة المقروء ، تعلقا من الروائي بوهن أدلة ذلك الحاكي ، الذي راح يتلمس بذاته احقاقية و حقوقية ملكية روايته ، إلى جانب بعض المشاهد التي جمعت المؤلف المفترض بشخوص روايته الثلاثة على حد قوله في خاتمة الرواية : ( بين ضريح الحسين و أخيه العباس وقفنا أنا و دارم و نورية بعباءتها و حجاب ملون و خلوقي بكيس يحمل صورته مع الشاه محمد رضا بهلوي .. مبتسمين لكاميرا المصور .. وكان خلفنا شاب متطرقا ينظر لنا ونحن متراصون لتحنيط المكان و الزمان و الشخوص . ص 294 الرواية ) هكذا تنتهي رواية ( وهن الحكايات ) بمؤشراتها القصدية ، على نحو تخطيطي من أفعال و مصادفات زبد الخاتمة الروائية ، التي راحت تقدم لنا مداليل الحكي بشرائطه الاحتمالية في خطية دلالة تصالحية مع موضوعة دليل أنا الروائي و خطاطة وهن الحكايات المستعادة .