22 نوفمبر، 2024 11:28 م
Search
Close this search box.

قراءة في رواية ( لا تركضي وراء الذئاب يا عزيزتي ) للروائي علي بدر

قراءة في رواية ( لا تركضي وراء الذئاب يا عزيزتي ) للروائي علي بدر

قراءة في رواية ( لا تركضي وراء الذئاب يا عزيزتي ) للروائي علي بدر
مواقع المؤلف بين الغواية الإيروسية و مكرورية المروي

مدخل : يتعرف القارىء إلى الشخصية الروائية عبر مرويات الراوي لها .. أو ما يستنتجه من أقوالها و أفعالها أو مما تخبر به الشخصيات عنها .. كما الحال في عوالم روايات الروائي علي بدر نلحظ بأن الراوي هو من غدا يشكل الشغل الشاغل في موحيات و حركيات و أحوال الشخوص و الأمكنة و الأزمنة في صنيع الرواية .. ففي رواية ( لا تركضي وراء الذئاب يا عزيزتي ) نتعرف على سمات ذلك السارد / الشخصية الذي بات يسلك كل مراحل و أصوات و ضمائر و رغبات و أنفاس الشخوص في السرد الروائي .. فيما ينحو هذا السارد المشارك في مواقع ذلك المروي ليشكل تلك الخلاصة التكنيكية الرابطة بين تقلبات فضاء الأحداث و حتى شروق الشمس و أفوالها .. في رواية علي بدر نعاين مجريات وظيفة الراوي و قد انقسمت إلى قسمين : فهناك المنحى التوصيفي الخارجي الذي غدا منه السارد الشخصية منشغلا بوصف ملامح شخوصه الخارجية بدءا من الوجه إلى الجسد و الأصوات وحتى الطول و القصر و العنوانات و هيئات الأمكنة الباطنية و الظاهرية .. فيما هناك منحى آخر راح من خلاله السارد ومن خلفه المؤلف الضمني يصور الوقائع النفسانية الداخلية التي تشتغل باستبطان مديات الدوافع و المحفزات و النوازع و تفسير حالات و أطوار سلوكه الفردي و الجماعي إزاء تلك الشخصيات و إزاء ذاته المتعددة .. وقد يمزج أحيانا الراوي بين الأبعاد الخارجية و الداخلية في الآن نفسه .. في رواية (لا تركضي وراء الذئاب يا عزيزتي ) يتجاوز المؤلف حدود الواقعة السردية إخبارا ليدخلها في مسارات الانفتاح المعالج المترتب خيالا و إيهاما و بومضات وصفية مكثفة و موحية لكنها لا تخلو من النزعة المباشرة في بعض المواقع و الحالات المعاشة في جو الرواية .. فعلى سبيل المثال تواجهنا ثمة مكونات في مشاهد الرواية نجدها تنحو منحى فتوغرافيا هكذا و بلا أدنى درجة من درجات التوعية و الوعي في وظيفة الرمز و الترميز الروائي .. نعم ؟ هكذا واجهتنا تفاصيل المظهر الخارجي و الداخلي في مواقف المسرود النصي و كأنها قطعة أعلانية من شأنها أولا و أخيرا الإشاعة و البوح المفرط عن يافطة رواية جنسية مشوقة في قيم العشق العابر و الممارسة الجنسية الرخيصة و التي تبدو أحيانا للقارىء بلا مضامين حتى .. أنا شخصيا لا أعلم ما مدى أمتيازية تلك المواقع الإيروسية في روايات علي بدر ؟ ولم كل هذا التعويل الفاجع في وصف و ذكر و عرض تلك الحالات المنحرفة من زمن فضاء اللقطات السردية ؟ كما أود القول هنا و بصورة مباشرة للروائي علي بدر: لا أدري هل تجد نجاح تجربتك كروائي متعلقة بعروض تلك اللقطات الدخيلة و المشبوهة و المغلوطة و المؤدلجة سلفا بجانب توافر أغراضها التي بدت لنا و كأنها شوارع طويلة من خليط أصوات القوادين و البغايا و مجموع قناني المخمورات؟ يبدو لي من جهتي بأن مهام و أساليب و تقانات البناء الروائي هدفا جماليا و دلاليا و رمزيا أثيرا لدى مكونات الروائي و بصيغه المتعددة و المتقنة ؟ و إذا كان الوصف الإيروسي في روايتك ما يعني سوى مزيد من الكشوفات الملاذية في حجر الجنس و الخيانات و الاضطرابية الواضحة في أوليات شخصك و انموذجك الإنساني فهذا لا يمنحك كل الحق الكامل على رسم مظاهر متخيلاتك الإباحية في صفحات من السرد الروائي و الفكرة الروائية في شكلها الموقر المعتاد عليه إجمالا .. هكذا يا عزيزي علي بدر قد وجدنا الأغلب الأعظم من عوالم رواياتك محاطة بمكونات المدونة الإيروسية المباشرة و الدخيلة و التي تخلو تماما من روابط التشويقية المتحمسة في متن أفعالها الجنسية الباردة بل أنها بدت في أماكن من روايتك التي هي معرض بحثنا الآن و كأنها أشكال و وسائل ترويجية خاصة .. إذا لا يشغلها من شاغل ما سوى تلك العملية الاستثمارية و التسويقية في مبيعات أسواق الربح و الخسارة و الحسابات الشرائية في دور النشر و التوزيع .

1ــ حكاية النص و اقتطاف الشواهد النصية : أن التحول المفصلي في زاوية الرؤية إلى ذلك الراوي المشارك في رواية ( لا تركضي وراء الذئاب يا عزيزتي ) حيث يكمن الانتقال السردي من داخل تلك الشخصية السردية المتواجدة في الرواية بهيئة و صورة السارد العليم و الذي بات يشكل في ذاته تلك العلامة الحكواتية في سرد علاقات الشخوص و وصف حالات طباعهم و سلوكهم و عاداتهم المعاشة . فيكون السارد في هذا الحيز بمثابة ذلك الدليل المركزي عندما يتخذ من سمة السارد المشارك في الأحداث مقام الموجه لما تحظى به الشخوص و الفضاءات من نقطة ارتكازية مدللة و معرفة من قبل حيز التواشجات و العلاقات الكامنة في متن تلك اللحظات الزمنية و المكانية في مصائر الشخوص الروائية .في بداية الرواية نعثر عادة على تلك الشخصية الساردة الصحفية أو الإعلامية و التي وجدنا لمثلها في رواية ( حارس التبغ ) و رواية ( بابا سارتر ) فيما تهم هذه الشخصية الساردة في الرواية على سرد تفاصيل موقعها داخل وكالة ( أم أي سي ) و قد قامت هذه الوكالة بدورها بتكليف السارد الشخصية بمهمة صحفية خاصة إلى مدينة أديس أبابا حيث يخبرنا السارد الشخصية بأن هذه المرة الأولى التي يقوم فيها بالعمل خارج الوكالة و هنا أترك الحديث للرواية : ( أخيرا و قبل شهرين من الآن هكذا و ببساطة شديدة .. قالوا لي نريد منك أن تكتب لنا تقريرا صحفيا مفصلا مزودا بالصور و الوثائق عن مجموعة من الثوار العراقيين وهم من الماركسيين .. كانوا قد غادروا بغداد صيف أحد أعوام السبعينيات و التحقوا بالثورة العالمية ضد المصالح الغربية و الشركات الكبرى التي اجتاحت ذلك الوقت أسيا و أفريقيا .. و هذا من توجهات الوكالة الأخيرة : إعادة النظر بمشاكل الشرق الأوسط القديمة و لاسيما بعد الإطاحة بنظام صدام / الرواية ) . هذا ما أخبرنا به الراوي المشارك في أحداث الرواية كشخصية مندغمة في سياق الفعل السردي .. ولعل صوت السارد الشخصية في الرواية غدا يستحضر أحيانا أشياءه و حالاته ضمن موقعية الجامع لأحداث النص و بطريقة الترجيعات و الأسبقيات الحدثية وصولا منه إلى البؤرة الابعادية النفسية و الحسية الخاصة به و التي من شأنها تجميع الوقائع الشخوصية من حوله بأسهل السبل إدراجا : ( أن هذا الأمر أشعرني بأنه عمل ثقيل علي أن أقوم به مرغما من أجل إدامة و استمرار عملي في الوكالة ــ على الرغم من صغر الميزانية المحددة لهذا التقرير ــ لا أبدا كان هنالك ما هو ممتع جدا في هذه المهمة .. فهنالك الثوار العراقيون الماركسيون تحديدا الذين حلمت بحياتهم منذ كنت مراهقا و كنت من عائلة شيوعية معروفة و هنالك أفريقيا أيضا / الرواية ) . هكذا تفيد الصفحات الأولى من الرواية .. إذ يروي فيها الراوي الشخصية عن تفاصيل استقطاب جل اهتمامه حول رحلته إلى أفريقيا و كيفية كتابته لذلك التقرير عن أولئك الثوار العراقيون هناك .. ولكن قبل مسيرة رحلته إلى أثيوبيا يطلعنا عن تفاصيل حياته الشخصية خصوصا و أنه متزوج من امرأة أمريكية وله أولاد منها ــ بمعنى ما هناك شخصيات مرتبطا بها قبل شخوص رحلته إلى أفريقيا : ( عشنا أنا و زوجتي ماري ــ أطلق عليها ميمي للاختصار في أماكن متعددة من أمريكا لم تكن حالنا أول زواجنا مثلما هو عليه الآن أبدا فقد تغيرت حياتنا عشرات المرات .. لقد تغيرت مواقعنا مرة أثر مرة .. وكنا نترقى و نتحول من موقع إلى آخر / الرواية ) . إن الروائي في بعض فقرات روايته يضعنا إزاء ظاهرة و مفهوم و مقايسة (تحولات المواقع ) و على صعيد رؤية العالم عبر رؤية الانتقال من خلال الموقع الأدنى وصولا إلى الموقع الأعلى صعودا . في الواقع أن تقديم رؤية المواقع في سياق الرواية راح يكشف لنا عن جملة كيفيات تشاكلية نادرة خصوصا إذا كان الأمر متعلقا بحالات المسكن و المعيشة و الوظيفة و حتى مفهوم الثوري و الثورة و المساجلات السياسية و لكن الشخصية تخبرنا في الوقت نفسه بأنه ترجح مفهوم تحول المواقع حتى بالنسبة إلى حجم حياتها الزوجية و مبرراتها الإيروسية الطامحة إلى سرير العشيقة و هنا أترك القول للرواية : ( ربما و بسبب هذه النظرة المتعامدة و بسبب هذين المكانين المتعاكسين اللذين عشنا فيهما .. كنت أفكر دائما بما يفكر به منظرو الثورات عادة : هل كان الثوريون يفكرون مثلا بهذين المكانين ؟ مثلا شقتنا القديمة ! بينما يعيش الآخرون في ذلك المكان مثلا شقتنا الجديدة / نعم أنها لعبة المواقع / أنا لا أسوق هذا المثال من تفكيري بهذا الأمر لأنني أعمل خبيرا بشؤون الشرق الأوسط في الوكالة فقط أنما من حياتي أيضا من تجاربي من نشأتي من هجرتي من زواجي بماري من علاقتي مع أولادي / من كرهي الشديد لمشهد زيت البطاطس .. و أشياء و أشياء كثيرة أخرى / الرواية ) . و تبعا لهذا تتضح لنا معطيات لعبة و تقانة و فلسفة و سياسة المواقع حيث أخذت تتسع في هذه الرواية بشكل فائق حتى لتصبح المصدر الرئيس لخبرة الشخصية الساردة وصولا منها إلى ملامح رؤية تصاعدية أخذ يتلاقى على حافتها انزياحا واضحا في بناء نزوعات الراوي و من خلفه المؤلف الضمني .. بل أن الأمر بات يحفزه القدوم على المضي بالخطوط الأصوات النائمة في بقاع تكويناته الحقيقية الشخصانية القابعة في زوايا ذاته : ( و هكذا أنتم ترون أن حياتي هي التي فرضت علي بطريقة ما التفكير هكذا / و يا ما قلت لزوجتي أن حياتي هي التي فرضت علي التفكير بالمواقع / الرواية ) . بقدر ما تبدو لغة المواقع في رواية علي بدر لغة يقينية و معيارية أو بمعنى ما لغة أخذت تتناغم مع موجهات موضوعته الروائية .. إلا أنها في الوقت نفسه تحيل مؤشراتها نحو مستويات لا تتناسب و حقيقة السياق المتصل بمنطوق مواضع أخرى من الأنسنة الروائية .. و حتى يتحقق هذا التنوع في حسية الموقع الاجتماعي للشخصية الروائية نجد الراوي يسرد لنا كيفية طقوسية عودته من العمل متعبا حيث لا ينفك منه التفكير مجالا بمصير تلك الثورات : ( شيء عظيم أني انتقلت من ذلك الموقع / الشقة المقابلة لحائط أسود مبقع بالزيت إلى هذا الموقع / و لكن هل سيستمر هذا الأمر هكذا لفترة طويلة ؟ أم أني سأضجر من هذا المكان أيضا و سأطمح إلى تغييره بموقع جديد / الرواية ) .

2ـــ التبئيير الداخلي و الخارجي : أن التبئيير الداخلي و الخارجي في رواية علي بدر هو في أغلبه ( تبئيير ثابت ) لأن أغلب أحداث الرواية يرويها راو واحد وهو السارد المشارك في مسار الأحداث . و قد تباينت مواقع و مواقف الراوي الشخصية في الكتابة الروائية و قد اتخذت لها ضمن حدود التبئير الداخلي المتعدد و التبئير الخارجي المتعدد وجها وظائفيا متكاملا .

أ ــ التبئير الخارجي المتعدد : من خلال حيثيات الصيغة المحورية المتشكلة في مهام ترابطية التبئير الخارجي المتعدد نستخلص ثمة سمات دلالية خاصة في مهمات المحتوى التبئيري المفعول و الفاعل في لحظة التظهير السردي الخارجي و المحمول عادة في مواقع من الأفعال و المسميات و المواقف الخارجية المنعكسة عن الذات الداخلية في النص. و عند الإمعان في مواقع القول الخارجية للنص نعاين وجود جملة تماثلات علائقية خاصة من شأنها الكشف وظائفيا عن وحدات المحتمل الموضوعي من مؤشرات موقعية المبأر داخليا . نحن إذن في بعض أماكن الرواية نجد ثمة مداليل استعادية خاصة في مركب مسار و وضعية التبئير الخارجي المتعدد ــ و أعني بالمتعدد هو ذلك الخطاب السردي المزدوج الذي يضم من النقاط القصوى في واقعة النص الخارجية ما يجعلها تتماشى من خلالها موصوفات اللقطات الخارجية المبأرة نحو الفعل الاندماجي سردا وهنا الحديث للرواية : ( أنا لا أتهم ميمي إطلاقا بأي شيء مسيء أو معيب ولا أعتقد أنها قصرت في يوم معي أو مع الأولاد بل بالعكس أنا أجدها على الدوام طيبة معي ودودة جدا ولا أقول أنها تجبرني على أفعال أنا لا أرغب بها أبدا / الراوية ) . من هذه الجمل الإخبارية / السردية تتبين لنا مديات و مساحة فقرات تبئير خارجية أي محكي الراوي و معرفته بالشخصية الأخرى إذ تشكل هذه المعرفة بذاتها ذلك التبئير الادراكي العيني و الذي يقع خارج حدود سمات المكون الآنوي الداخلي للشخصية المشاركة في النص رويا .. كما و ليس للراوي بالنتيجة أي امتياز في التداخل الخبري / القولي مع أفكار تلك الشخصية التي أخذت طرفا خارجيا لذاتها بالحديث عنها كشاهدا افتراضيا كحال هذا القول من الرواية أنموذجا : ( وربما هي عكس الأمريكيات التقليديات و أن كانت بدينة مثلهن / الرواية ) من هنا نجد الراوي المشارك يقوم بدور الشاهد أو الواصف أو الراصد حيث يكتفي برصد السلوك الخارجي من واقعة ذلك الدليل الظاهر من شخصية الزوجة ودون التوغل منه في الأشياء و الأماكن الأكثر حنينية مع قنوات الأنا المتكلمة و الواصفة . و من علامات حيادية الراوي في هذه المواقع من النص هو رؤيته الخارجية المحدودة قصدا بمتابعة دواخل تلك الشخصية حيث ينحصر مجال الرؤية فيها تحديدا في حركة الأعضاء و المواضع الخارجية .. فهو ــ أي الراوي ــ ينقل ما توصله إليه حواسه الظاهرية حصرا . كأن يتابع الزوجة ميمي بنظرة أو الأولاد أو مديرة القسم في الوكالة في موقع العمل . فإذا غابت هذه الأشياء عن كاميرا رؤيته المراوية اختفت هذه الأشياء بدورها إجمالا و طاب له الصمت في الحديث عنها : و إذا تابعها ضمن أفق ناصية المؤشرات الشهودية أي في وصف مظهرها أو فعلها وهو لا يجهد نفسه في إطلاق المسميات على كل الحالات فإذا لم يكن له بها علم سابق رضي الأشارة أليها بجنسها أو برتبتها أو بما تفعله .. و قد يؤول و لكنه إذا ما أول أو فسر فبالاعتماد على سلوكها الخارجي كحال قول هذه المشاهدة من الرواية : ( قلت ذلك الوقت : أوكي إذا أردت العيش هنا علي أن أرتبط بامرأة تدمج الحقيقة بالمصلحة ! .. و لأنها بيضاء ــ أي أمريكية أصلية ــ من مدينة صغيرة تدعى آبسن في الغرب الأمريكي ــ ترتدي على الدوام الجنز و الكنزة الصوفية و تناقش بشكل فعال في الشؤون الأمريكية .. قررت الزواج منها / الرواية ) . أن لجوء الراوية في أحداث روايته إلى التبئير الخارجي لربما راح يسهل عليه إحاطته بالموصوفات انطلاقا من عمومية صفات الشخصيات المتكاثرة لديه فضلا عن توافر ذلك الكم الهائل من حيز تناقلاته في الأمكنة و الأشكال الزمنية الغير معنونة سرديا سلفا في مؤهلات الرواية الوظيفية .

ب ـــ التبئير الداخلي المتعدد : أن هذا النوع من التبئير لربما هو أكثر ملازمة لروايات علي بدر لأنه أكثر هيمنة في صوت الأنا على مواقع الأصوات الأخرى في الرواية و لربما هو يعني من جهة ما سيطرة صوت الراوي على زمام الإدراك دون الشخصية و تتوافر حالات خاصة في عوالم روايات علي بدر كحال و نوع ( التبئير المزدوج ) حيث نواجه السرد بضمير المتكلم وصولا إلى معرفة الشخصية الساردة ذاتها بذاتها و يكون التبئير انطلاقا منها ــ أي أن تكون مبأرة تبئيرا داخليا ثابتا ــ و في الوقت نفسه تدرك مجالات غيرها أو تبئر على غيرها و القول هنا للرواية : (هل وضعك هنا معقد ؟ قالت صديقتي البولونية التي أخفي علاقتي معها عن زوجتي / وقفت فيفي عند النافذة .. رفعت قدمها قليلا فلمحت انحناءة أحد ردفيها .. رفعت قدمها وهي تحدثني عن نهاية التأريخ أو صراع الحضارات / ثم مدت يدها و تناولت علبة سكائرها والقداحة .. تكلمت بصوت مبحوح .. و تحركت قليلا فتمكنت من رؤية منحنيات ردفيها بالكامل / تدير لي ظهرها العاري الذي تخبلني انحناءاته .. شعرها الكستنائي المنسدل على كتفيها .. مؤخرتها الصغيرة تبرز بشكل شهوي .. ترفع كأسها إلى فمها بهدوء / يا إلهي ليس هناك ما هو أعظم من أن أكون ممددا على السرير شبه عار في شقة فيفي .. لا لأني سأطور أفكاري فقط .. أنما أشعر بأني نجوت من عالم أسود كان يمكنه أن يبتلعني / الرواية ) . فإذا ما فصلنا الشخصيتين عن بعضيهما بعض و نظرنا إلى كل واحدة منهما مستقلة عن الأخرى تبين أن هناك راويا شخصية مبأرا تبئيرا داخليا كما و بالمقابل شخصية ثانية مبأرة تبئيرا خارجيا .. فالراوي الشخصية إذن يدرك ذاته و يروي ما يفعله و ما يحس به . غير أننا لو دققنا في فقرات هذه الوحدات من الرواية لربما لا نجد من رابط ما يربط اطلاقية الراوية الشخصية في جل مقولاته المتثاقفة تحذلقا و مزاجا و بين شكل تأوهاته الإيروسية وهي تعاين بروح الملهوف و المتصحر جنسيا نحو ذلك الجسد الشهوي؟ لا أدري واقعا ما وجه الرأي و الحكمة و التقانة الروائية القادمة من وراء كل تلك الاستعراضية الشهوانية من طرف الروائي مثلا ؟ ولو دققنا كم مرة أعاد الروائي الشخصية هذه العبارات في فقرات الرواية ( زوجتي ميمي أمريكية / و أنا أمريكيا ) و إلى درجة أخذت تحصل معها قرائيا روح و انطباع المكرورية المقيتة التي لا مكان لها في هذا الاطار من دلالة المروي في النص .

( تعليق القراءة )
هكذا و قبل الخروج من زمن موضوعة رواية ( لا تركضي وراء الذئاب يا عزيزتي ) و دون ذكرنا للكثير من تفاصيل و مشاهد و تنقلات الراوي الشخصية في أماكن أفريقيا و حديثه الطويل عن الثورات و الثوار و كيفية ذلك المصير الذي تؤول إليه الثورات هنا و هناك : ( كنت أتساءل كيف انتهت الثورة إلي هذا ؟ كنت أفكر بأسئلة لا تحصى و أنا جالس بشكل مضطرب خلف هذه العاهرة الزنجية التي أركبتني على دراجتها الهوائية العتيقة .. و ما أن ترفع مؤخرتها الكبيرة عاليا فأصبحت مؤخرتها بمواجهة وجهي / الرواية ) . في الواقع أن رحلة علي بدر في روايته هذه تنهض على أسلوب العلاقة بين أصوات المواقع و اللاموقع . فالشكل الروائي في روايته فيه هيمنة كبيرة لموقع الراوي و حياته المتصلة بأفق ذواتية المؤلف بكل إيقاعاتها المزاجية و النفسانية البحتة .. هذا الراوي الذي أخبرنا بروح المؤلف المثقف العارف و المتنور حول مصير تلك الثورات و الثوار : ( ثوار أديس أبابا مثل ثوار العراق يعيشون زمن ما بعد الثورة .. يمضون يومهم الطويل المضجر في الحانات مع شعراء مغمورين مع ندل فقراء مع خادمات في المساء لشرب كأس رخيص و يتقاسمن الحياة معهم على أبسط الأثمان .. في الصباح يغطون في النوم و الكسل و القراءة و في المساء .. عاهرات .. حانات .. يسكرون و يتغوطون بالتناوب / الرواية ) . أن قارىء رواية ( لا تركضي وراء الذئاب يا عزيزتي ) لربما يواجه و بامتياز ما موقعا حكواتيا متقدما راح يترك أثره القرائي في النفس و الذائقة خصوصا و أن موقع الراوي الشخصية في الرواية راح يبرز وجهة نظر المؤلف المتهكمة و الكاشفة لزيف و زيغ المشهدية الثورية لأولئك السكارى من الثوار في أفريقيا و العراق و في العالم بأسره .. في رواية علي بدر هنالك الاقتراب من المقولات السياسية والنظريات الأرشيفية المكدسة في دور المكتبات و خانات الوثائق المتربة مما جعل نصف أحداث الرواية تغطس في علاقة صراعية وثائقية مع موقع الراوي الشخصية ومع ثلة من أولئك الثوار الحثالة . أما النصف الآخر منها ــ أي الرواية ــ فكان عبارة عن شريط ملاحقات كاميرا الراوي وهي تلتقط الصيحات الجنسية في الغرف الرخيصة و في دور مراحيض الحانات الأفريقية .. بل أنها و الأكثر رواية مواقع المؤلف وهو يعبر عن شبقه الشخصي المتوحش بين خطاطة الغواية الإيروسية و مكرورية مواقع المروي السردي و هو في طريقه نحو مسار علاقات الرواية. أما من جهة دليل عنونة الرواية فقد ظل عبارة عن فضاءات متشعبة في الدلالة و الدليل و التعيين المصدري و المؤشري الرصين .

أحدث المقالات