18 ديسمبر، 2024 9:06 م

قراءة في رواية صخب و نساء و كاتب مغمور

قراءة في رواية صخب و نساء و كاتب مغمور

للروائي علي بدر
( الأنا الروائية في بانوراما الذاكرة الروائية )
مدخل : إن المشاعر الغريبة و الأحاسيس و انحراف بعض الكتاب في كتابة نصوصهم الروائية ، تعطينا ذلك التفسير و التأويل المباشر ، حول ما يكتبوه من نصوص تتسم بطابعية الشواذ و الانحراف الأخلاقي و المجتمعي . أو قد تجعلنا نصوصهم من جهة ما حين فعل مطالعتها و الغور في قاع مداليلها ، لا نستنتج من وراءها سوى بأنها وحدات لا شعورية ، تكفلت بصناعتها مجموعة حالات نفسية محبطة و مأزومة حياتيا و عاطفيا و ماديا . كما وليس من الضروري أن يكون الروائي مصابا بمرض نفسي أو نزوعات شهوانية داعرة حتى يتمكن من كتابة مثل هذه الروايات الإيروسية ، كما و ليس من الضروري أيضا أن يلازم مثل هكذا حالة مرضية شخص المبدع في كل ما يكتبه من أفكار و رؤى ابداعية . بل أننا نرى من جهتنا أن من المنطقية و الإستقرائية السليمة بأن يتحلى هذا الكاتب في مجال تدوين نصوصه الابداعية ، بالتوازن النفسي و السلوكي . و بهذا الشأن نصل إلى إن العمليات اللاشعورية و اللامسؤولية في الكتابة ، قد لا تعطينا بالنتيجة من فكرة سوية ما إلا من ناحية آحادية و قسرية في فهم مجريات الظواهر النسبية و اللامؤثرة في مواطن العمل الروائي ، فيما تظهر مثل هذا النوع من الحالات المرضية و الشواذ النفساني في كتابة النصوص الروائية في شكل لا يمكن تجاوزه مؤخرا من حياة النصوص الروائية الإيروسية . نستخلص من كل هذا بأن الحالة الالتزامية الأخلاقية و الحسية المسؤولة في كتابة النصوص الروائية ما هي إلا شرطية هامة و عفة جمالية لا غنى للنص و سيرة المؤلف منها ، و حتى لو عاش هذا المؤلف فترات قاهرة و عصيبة من تجربة حياته الانسانية و الثقافية في منزل وطنه المظلم . فالفن الروائي ليس فضفضة سردية متحذلقة في وصف الأجساد النسائية وألوان ثيابهن الداخلية ، و التشطر في بلوغ أقصى درجات الحنكة في وصف آهات الممارسة الجنسية و اهتزازاتها اللاشعورية ، و لا هو من جهة أخرى ــ أي العمل الروائي ــ خيالات و فوضويات إيروسية قبيحة تحاول كل جهدها تحريك شرايين و نبضات الذاكرة الاستمنائية السمجة لدى القارىء المراهق . أنما هو المشروع التنفيذي و النافذ جماليا و أسلوبيا و دلاليا إلى مخاطبة قيم جوهر العلاقات الكيفية النادرة التي توفر لنا تلك الحالة التأملية الخاصة في تذوق حالات و حوارية عمق صلات و تماثلات تقنية ذلك الفن الرفيع توقيرا . من خلال هذه المقدمة نود دخول عوالم رواية ( صخب و نساء و كاتب مغمور ) للروائي علي بدر ، و عند قراءتنا لها ، نعاين أن الروائي كان قد أستهل بداية حكايته الروائية بعتبة سردية أولى تتكون من شخصية ذلك المهاجر و صديقته إلى جانب شخصية الكاتب المغمور في أحدى مطاعم بغداد الرفيعة كما تخبرنا الرواية ، فيما تعرف في الوقت نفسه من خلال حال لسان ذلك السارد الشخصية و الذي هو الكاتب المغمور نفسه و الذي كان عاشقا لفكرة الهجرة خارج وطنه فرارا من حياته البائسة و الكالحة و التي لا تتناسب شرطا و قصدا مع ذخيرة طموحاته و أحلامه و مشروعه الروائي المؤجل في مدينة بغداد : ( كنا الثلاثة ذلك المساء .. نتناول عشاءنا بصخب في مطعم فولكلوري صغير يقع بالطابق الثالث من فندق ميليا المنصور في بغداد .. المهاجر العراقي الذي يقطن في لندن منذ عشرة أعوام .. و صديقته الشابة التي وضعت على رأسها قبعة غريبة .. و أنا كاتب الروايات المغمور / قلت له : أريد أن أهاجر بأي سبيل .. أريد أن أغادر إلى الأبد . / الرواية ص 13 ) هكذا و منذ البدء تظهر لنا علامات و نزوعات الشخصية الساردة في الرواية ، و هي تعلن عن مطمحها الحالم في النزوح المهجري . غير أننا و نحن نقرأ جملة تلك الحوارية الدائرة بين ذلك المهاجر و الشخصية الساردة في الرواية نستنتج بأن مؤثثات هذه العتبة الحوارية قائمة على فكرة الرواية إجمالا ، و المحددة بفكرة الرحيل عن الوطن أبدا ، فيما بقية من جهة أخرى عناصر الحوار في هذه المشاهد الأولى ، شبه مفارقة ، خصوصا و أن شخصية ذلك المهاجر و عشيقته ، ليسا من شخوص الرواية بتاتا ، و ليس لهم من العلاقة العضوية التكوينية في المسرود الروائي سوى ذلك الحد من الموقعية العرضية المؤطرة بفكرة دلالة الرواية و في شكلها المنصوص حول علامات الرحيل عن الأوطان . أي ما معناه أن هؤلاء الشخوص المهاجر و عشيقته قد حلوا في النص حلولا إعلانيا و تمهيديا لدخول في أحداث الرواية ، فيما نلاحظ بعد ذلك بأن الرواية راحت تأخذ مجرى آخر في المسرود الذاتي و المسرود العرضي ، و في أفق مساحة زمكانية داخل حدود التقنية الاسترجاعية و التقنية الاستشرافية المباشرة و الغير المباشرة .

ــ المعروض الذاتي و المسرود الذاتي .
إن القارىء لإحداث رواية ( صخب و نساء و كتاب مغمور ) قد يلاحظ كيفية مجرى الأحداث في معظم أقسام و وحدات الحكي السردي في الرواية ، و هي تتبنى طريقة الحكي السردي من خلال موقع مكانية (النافذة / الشارع / المطعم ) أي تلك الأمكنة التي كانت تجسد تنقلات و وقفات السارد الشخصية فيها ، و خصوصا العاملية المكانية المتعلقة في هوية فضاء ذلك الأستوديو التصويري الذي كان يقطنه ذلك السارد الروائي المغمور ، لرصد جملة استرجاعياته الذاكراتية و الاستشرافية في حاضر زمن تلك الوقفات الخيالية لديه ، التي كان من خلالها يطيل صنع و بث ذلك المسرود العرضي و المسرود الذاتي القادمان من قابلية صيغ الخطاب المحكي في مسار زمكانية الأحداث في الرواية . فكان ذلك المغمور الروائي ، و الذي يعد في أحداث الرواية مشاركا شخوصيا فاعلا ، هو من تبنى تلك الصيغة المتماثلة حكائيا في تقديم وحدات السرد المختلفة و الواقعة ضمن إيقاعات زمنية ماضوية و حاضرة و متباينة من جهة الحبك و الشد لأجل بلوغ ناصية الوصف الروائي الدقيق : ( إذا سأتحدث عن الأيام التي قضيتها في الأستوديو الصغير الذي تركة لي جدي في الكرادة .. عن العالم الذي عشته و فسرته .. و هو عالم معجزة لا معجزة من أراد أن يعيش .. إنما معجزة من أراد أن يكتب رواية وهو يعيش في ذلك المكان المحاصر و المنسي .. بغداد و إن كانت الكلمة الأخيرة غريبة على من يسمعها .. فكنت أعرف كم كنا منسيين في هذا العالم الذي يتحرك بمعزل عنا . / الرواية ص19 ) .

1ــ صيغة المعروض الذاتي :
ضمير الأنا الروائي / السارد الشخصية ، في حكيه لوقائع يومياته و ذاكرته ، راح ينم عن شفافية و حزن و خذلانية عظيمة ، فهو يتحدث في النص عبر حال لسان المسرود العرضي ، حول وقائع حياته المأزومة في كافة مواطنها النفسية و المعنوية و المادية و الرغبوية و ركودها العاطفي الكبير ، لذا يبدو لنا حال هذا الكاتب المغمور بادىء ذي بدء كما لو أنه مبهوتا لا يقوى على صنع أي شيء ، سوى أنه يجزم الرحيل عن منزل أسرته لأجل إنعاش أحلام ذاته الواهمة و المؤجلة بحكم كونه ذلك الكاتب الذي كان يطمح إلى أن يكون في مقام ذلك العبقري العظيم : ( أخذت حقائبي من بيت أهلي و توجهت إلى الكرادة .. إلى الأستوديو الذي أورثنياه جدي .. كنت أسير مثل شاحنة مطلقا هورناتي المجلجلة بالشتائم و الصراخ .. بالعبقرية و الهذيان الجميل . / الرواية ص21 ) . و هنا تظهر صيغة المعروض الذاتي ، حيث نرى السارد الشخصية ، يتكلم عن ذاته مخاطبا ذاته ، فيما يبقى المروي له هو ذاته التي يسعى من خلالها و يحاور الأشياء و يلتقط الصور و يسترجع الذكريات و يعيش يومياته من خلالها ، و أحيانا يقوم معها بموقف التساؤل و المساءلة و الحوار الهذياني المتشبث من هنا و هناك ، و هنا تظهر كاميرا الذات بعرض ما مضى من أحداث و شخوص و مواقف عرضا مباشرا و غير مباشر أحيانا ، و هو أيضا من خلالها أي صيغة المعروض الذاتي ، يقوم بسرد تفاصيل حياته و بعض حالاته التي هي على علاقة وطيدة مع حاضر المسرود الروائي الغير ذاتي . فالسارد الشخصية هنا هو الفاعل الأسترجاعي للأحداث و التواريخ و الأسماء الشخوصية و الأمكنة و الأزمنة ، أي تلك المسافات المتماهية بين فعل الشخصية الساردة و بين معروضية دليل الفعل الاسترجاعي الذاتي لشخوص و مواقف الرواية . ينقلنا السارد الشخصية من خلال تذكره من الخطاب المسرود المتخيل ، بعض تفاصيل حياته في المطعم و في الاستوديو : ( كان يمكنني أن أتخيل حجرة نظيفة و زجاج نوافذ عريضا .. و أبوابا مطلية بألوان داكنة . و أن أشم رائحة الإسبرتو النفاذة التي لم تجف بعد من على الصوفا و الأريكة و الطبلات و المكتبة .. و سريرا مريحا .. و في المطبخ : الأطباق و الطناجر و الملاعق .. و في الصالة : الكراسي المنجدة المصنوعة من الخيزران .. و هناك تمثال صغير بروب أحمر .. و يداه تحملان كتابا منقوش الأطراف . / الرواية ص35 ) هذا الحكي بالمعروض الذاتي ، يمنحنا المسافة الحرمانية في منظورات الشخصية الساردة واقعا ، و التي كانت تتطلع نحو حياة مترفة و مرتبطة بكل مظاهر الخروج من قوقعة الحياة البائسة التي كان يعيشها السارد الشخصية تحت سقف ذلك الأستوديو المهجور ، إلا من تلك النافذة التي كانت بمثابة صيغة استدعائية الصور و المشاهد القابعة في رحم الذاكرة و الحاضر و عبر صيغة المعروض الذاتي تحديدا .

2ــ صيغة المسرود الذاتي :
يبدأ السارد الشخصية في بعض مواقف الرواية ، مستخدما صيغة المسرود الذاتي ، وهو الخاصية الحوارية و الوصفية المميزة و التي يتم من خلالها عملية استرجاع ذكرياته الممتدة إلى عقد الخمسينيات و الستينيات ، حيث تتعدد لديه فضاءات الأسترجاع الموضوعية الخصبة ، وصولا بالسرد الذاتي إلى ذكر تفاصيل حكاية العاهرة سعاد التركمانية في فترة شبابها ، و هو ذلك الزمن المستعاد تخيلا من قبل ذاكرة السارد الروائي ، ليتحول إلى زمن مسرود عبر فاعلية الخطاب المتماثل تجسيديا عبر خيالات السارد الغير مباشرة : (مرت في ذهني صورة سعاد التركمانية طرية و ساخنة .. صورتها وهي تسير .. كما رأيتها أول مرة .. بفستانها الضيق المشجر .. بخلخالها الفضي السميك المشدود على كاحلها الأبيض / طق طق .. كانت تسير أما وحدها أو مع أبنتها تمارى .. تمارى السمراء .. ذات المظهر السكسي .. و أرتسمت صورتها في ذهني في تلك اللحظة كما لو كانت صورة محفورة على لوحة خشبية .. أرتسمت صورتها كما رأيتها قبل سنتين عند كشك همبركر أبو يونان .. و تذكرت حركتها السكسية و هي تأكل . / ص 41 الرواية ) يلاحظ القارىء مدى انفتاحية آليات تقنية الاسترجاع لدى السارد الشخصية ، لحياة الشخوص في الزمن القديم من الرواية ، و ذلك في لحظة مقترنة بمكان ( = زمن الحكاية = المسرود الذاتي = زمن القص ) حيث كانت تشكل في المسرد الذاتي بمثابة حلقة الوصل الواقعة ما بين مسافة الوقفة الاسترجاعية و اللحظات الاستشرافية الدائرة في زمن مضارع محفزات مخيلة السارد .

ــ الروائي محدثا مزدوجا .
إن المتابع إلى هوية السارد الشخصية في رواية (صخب و نساء و كاتب مغمور ) لربما يعاين كيف إن الأحداث المروية من قبل السارد الشخصية ، تبدو أحيانا خطية تواصلية منقولة و مندمجة بين صوت الروائي + السارد و تبعا لهذا الأمر يبدو المسرود الروائي الذاتي ، و كأنه مشتركات صوتية أما بصوت الروائي أو بموجب هيئة السارد في الرواية . غير أننا وجدنا في بعض فقرات من الحكي المسرود ، حضورا مزدوجا لصوت و أداة و هيئة الروائي نفسه ، و ذلك نقلا على لسان حال السارد الشخصية : ( كنت جنديا متسرحا .. كاتبا مغمورا .. أعزب مفلسا .. دون نجاح يذكر .. و لكني كنت متفائلا .. بريئا متحمسا .. و مستعدا للتأثير بالآخرين مثل صرخة .. سأكتب رواية .. هل أنا ضعيف ؟ . ؟ ص30 الرواية ) نقطة الضمائر هنا كانت فعل يقوم به ( = انا الروائي = أنا السارد = المروي له = القارىء ) .
1ــ المتلفظ المتماثل سرديا و حكائيا :
تتبنى رواية ( صخب و نساء و كاتب مغمور ) هوية السارد المؤلف المتماثل سرديا (= حكائيا ) حيث يقوم السارد في النص و بالعوض عن المؤلف بروي حياته الماضية أو ما شهده الروائي من أحداث كان قد عاشها في مراحل زمنية حقيقية ، إذ أن المسافة التي تفصل بينه و بين هوية السارد الشخصية ، قد تبدو لنا شبه مفترضة و شبحية أو هي بمسافة المستدعى المتماثل سردا في أحداث رواية المؤلف المتوغل في كل جوانب نصه : ( إذن علي أن أبحث عن الحبكات الحمراء .. حبكات أجواؤها فاضحة .. ساخنة .. فهي وحدها المرغوبة و المشتهاة .. فهي وحدها التي لها هذه الجاذبية التي لا تقهر حتى و إن كانت منفرة .. حتى و إن كانت داعرة .. حتى و إن كانت خيالية .. أو مصنوعة أو قبيحة .. فهي بعد كل شيء نادرة . / ص 110 الرواية ) هذه شهادة من علي بدر ذاته بالإقرار من إن عوالمه الروائية متضمنة لفيوضات الدعارة و الخلاعية و الإيروسية القبيحة ، و أنا شخصيا على هذه الشهادة من علي بدر أحييه شاكرا له على هذه الشهادة الرفيعة ؟؟ . على أية حال كنا قد تحدثنا حول صيغة المتلفظ المتماثل سرديا و حكائيا عند مصطلح أهل النقد . أقول مجددا إن صوت الأنا الروائي قد يبدو متماثلا بالقياس مع زمن مع زمن و مسافة السارد الشخصية بوصفه الناقد المباشر عن الروائي أو هو الروائي نفسه خارج أحداث المسرود الذاتي في زمن الرواية ؟

ــ الأحداث الروائية و بانوراما الواقعة السردية . لأستكمال ملامح الصورة البانورامية في محكيات أحداث الرواية ، نبدأ بهذا القول المباشر لنقول لقد استثمر الروائي في وظيفة أحداث روايته ، حالة من حالات تأطيرية المشاهد و التقاطعات و الوقفة و الصورة في جملة تمفصلات الأفعال المسرودة حاضرا أو هي ضمن خطة استرجاعية مشتركة ، غير أنها قد منحت الأحداث الماضية بعدا زمنيا حاضرا في المفعول الاستشرافي الحاضر زمنيا و مكانيا . و هذا الأمر عثرنا عليه بوضوح في مقولة الروائي المتعاملة مع معنى سقوط الأحداث الماضية في نسيج الصورة الفعلية للواقعة المضارعة في كافة مسارات وحداتها و مجملاتها البنائية الروائية .

1ــ فضاء السيناريو و بنية المشهد السردي :
و نحن نقرأ فقرات المحكي في رواية ( صخب و نساء و كاتب مغمور ) وجدنا ثمة علاقة وطيدة بين حال الوعي السيناريوي في رسم تقطيعية المشاهد و الوقفات الاستذكارية و الاستشرافية و بين حال المادة السردية الروائية المسرودة تداخلا عبر مواطن المشاهد و المواقف و الصور ، ما راح يشكل بذاته حالة من حالات ( المونتاج ) وصولا نحو ( = ثيمة التبئير ) تخبرنا الرواية أن الشخصية سعاد التركمانية ، كانت في زمن الستينيات تعد حكاية نجومية كبيرة في الفن و الدعارة و جذب العشاق ، و بطولاتها المركزية الأغوائية في سحر الضباط و رجال الأعمال ، و حتى نزولا العاملين في مجال تنظيف الشوارع : ( تداخلت حكايات الشيوعيين مع المخرج الذي كانت خليلته .. حكاية الحرس القومي مع صديقتها التي تحولت إلى عاهرة في فنادق الدرجة العاشرة .. عبد الكريم قاسم مع حياة الضابط الذي عاشت معه .. حركة حسن سريع مع قصة الرجل الذي تزوجها وهو والد تمارى و عباس .. حكايات بعيدة أخرى و متناثرة .. حكايات ضابط شهيد .. و تاجر هارب .. لكنها مع ذلك تنشبك و بصورة غريبة و مثيرة و عجيبة مع تاريخ السياسة و المجتمع و الأفراد .. والمحلات و الأسواق و البوتيكات و التجار و الفنادق . / ص42 الرواية ) .
ــ تعليق القراءة ــ
في الحقيقة إن زمن دلالات رواية ( صخب و نساء و كاتب مغمور ) هي رواية الوضعيات النفسية و العاطفية و الإيروسية الساخنة و المأزومة ، هي حكاية روائية كانت محورها الأساس الشخصية سعاد التركمانية و التي قد حلت ضمن استرجاعية المخيلة في شكلها العرضي الذاكراتي أما تمارى و عباس و وليد و عايدة و رائد الطحان فهم بدورهم من بات يشغل كعادة روايات الروائي ، ذلك المدى التوصيفي الكثيف و اللافت للنتباه و المهيج للشهوات الغريزية و بعض من التنويعات في المواقف و الحالات السردية المفارقة كحادثة غياب تلك الفتاة المغربية و حادثة سرقة السجادة و حادثة الشخصية و ليد الذي كان يدعي بهويته اللبنانية ، غير أن الأحداث في الأخير تكشف عن كونه عراقيا ، و هناك الكثير من الأحداث الشيقة في الرواية التي لم نقم بذكرها استشهادا فقراتيا . لا أنكر من جهتي مدى تفوق هذا النص من الناحية الادواتية ، كممارسة روائية رصينة في أيقونة مشغلها السردي الأخاذ ، فهي أحداث روائية متماسكة و مشوقة و شيقة ، من حيث حكايتها و مفارقاتها ، و من حيث وصلات مواقع شخوصها التهكمية . بطبيعة الحال مثل هذا النوع من الروايات ، لا يمكن للكاتب عنا ذكر و إيراد كل حجم تمفصلاتها السردية و المشهدية و الأحوالية المتكونة منها نوعية الأحداث و مواقف الشخوص في حبكة الرواية . و لكننا يمكننا القول عنها بأنها رواية محبوكة جيدا من ناحية دورها الوظيفي و الجمالي و الاسلوبي ، كما أنها رواية راحت تشكل و تضم عبر محاور فضاءاتها التبئيرية المكينة ، أجلى و أوسع البانوراميات المشهدية و الحركية الصورية الدقيقة : ( نعم .. نحن الجيل الأخير من عرقنا .. عشنا في مأدبة كبرى للأخطاء .. نحن جيل الأخطاء .. حلمنا على وسادة أبائنا .. حلمنا بكل شيء .. حلمنا بالحب و بالصخب و بالنساء .. و بما لا أدري أيضا .. لكننا حلمنا بالطريقة الخطأ .. ابائنا خطأ .. تقافتهم خطأ .. دولهم خطأ .. و حتى عاهراتهم خطأ . / الخاتمة : ص215 الرواية ) هكذا تنتهي أحداث الرواية ، من خلال صرخة الروائي بدر في وجه القيم و الأعراف و التقاليد و الوطن و جريرة الأرحام في زمن صار فيه الأبناء هم الضحية . إن علي بدر في رواية ( صخب و نساء و كاتب مغمور ) كان يقدم للتلقي و القراءة ، فصول و مشاهد و صور و شخوص قادمة من آليات ذاكرة حياته الشخصية الواقعة ما بين (أنا الروائي ) و المسافة البانورامية من ذاكرة الرواية ، التي تظهر لنا من خلالها مفارقة الفئات الهامشية في المجتمعات المسحوقة أبان الحرب و سلطة الدكتاتورية ، وصولا إلى زهق أحلام أفرادها بالوهم المتجسد حتى صار الوهم حقيقة ، و الحقيقة بالنتيجة صارت تشكل ذلك الرهان الخاسر بالواقع و الهوية و المصير و الوطن و العمر بأكمله . إن المادة الروائية الحكائية كما سبق لي و إن قلت عنها بأنها لا تختلف عن موضوعات و وضعيات و مواقف شخوص علي بدر المأزومة في جميع رواياته الأخرى . غير أن هذه الرواية جاءت لنا متماسكة و شديدة السبك في محتوى أحداثها المتلاحمة فنيا ، من ناحية زمن الحكاية بزمن مادة الخطاب الروائي المؤثر حتى و إن كان في كل تطوراته ينحو ذلك المنحى السالب في الكتابة الروائية .