مدخل : يبدو لي بادىء ذي بدء بأن هناك مسافة تفارقية بين رقابة و إجرائية المخيلة الواعية وبين المخيلة اللارقيبة التي من شأنها خلق الإبداع ، عبر وسائط مفتعلة لغرض إيقاظ مرحلية كشف المساحة الأهم من حدود توقعات خيالات الكاتب ، وهذه المخيلة نجدها عادة موزعة بين مدركات الحس المخيالي الخلاق ، و أحيانا نجدها في نموذجية أخرى من التخييل ، و كأنها تستقرىء حدود الخلط و العشوائية التي تنتجها بالنهاية محض وظائف إدائية واهنة في الإخراج و التوصيف التنصيصي . نقرأ من خلال تجربة رواية (جمهورية مريم ) للقاص و الروائي وارد بدر السالم ثمة قيمة جمالية نوعية خاصة ، بمعنى ما أن يحيى القارىء المتذوق لهذه التجربة ( السيرذاكراتية ) في حالات دقيقة من الترقب و التوتر و الانعاش و متعة انتظار الجديد و المثير داخل مواطن معايشة وحدات النص السردية .
ــ العلاقة بين مسرودية السارد و خصوصية العلامة الزمكانية .
من خلال قراءتنا لمقاطع و وحدات الفضاء التمهيدي في الرواية ، لاحظنا نشوء علاقة أولية بين ( الشخوص = الذاكرة =المكان =الزمان ) و بشكل جعلنا نعاين انصهار حركية متراصة ما بين طرف المرأة الخمسينية مريم و زوجها الروائي العجوز و بين جملة تداخلات مسارية واقعية تخييلية موثقة ، من شأنها تحفيز إحالات ديمومة و خاصية حياة مريم الشابة ارتدادا كان قد انتجها ذلك الشريط التلفازي الخاص بفريق تلفزيوني ياباني : ( من رجل و شاب و امرأة .. أعاد الذكرى القديمة .. و بثها حية بطريقة تسجيلية حافظت على واقعيتها المأساوية / فأحدث صدمة في روح المرأة الخمسينية و هي ترى بيقين قديم مريم الشابة معلقة على طرفي النار و الماء .. و رجلا جريحا ينتشلها من بين الطرفين .. بروح حب عظيمة .. و يسحبها الى عمق النهر .. و يعوم بها ليلا باردا كاملا في نهر كان و ما يزال يجري جارفا معه ذكريات كثيرة و طويلة مؤلمة .. / ص 9 الرواية) . فالمكان و الزمان إزاء المرسوم على متن شريط الكاميرا و شاشة التلفاز التابع للفريق الياباني ، اضحى لنا بمثابة الديمومة الوظيفية و التبئيرية الخاصة ، التي من شأنها موقعة أبعاد المرحلة الزمكانية في الماضي على روح حسية الأوضاع الفعلية الكامنة في دواخل الشخصية الخمسينية مريم ناهيك عن ما تقتضيه سيميائية الوازع التقاطعي بين دلالة مريم في الأمس و مدلولها الوقائعي الناجز في صيرورة تفاصيل اللحظة الحسية المعاشة حاضرا : ( مريم الشابة : ديمومة اتصال = علامة موقعية = زمن تقاطع الاحداث = مواجهة علاقة زمن و مكان و شخوص = كشف الحدود الفاصلة = الذاكرة القديمة و الجديدة ) و من هنا فإن عنونة الرواية قد جاءتنا بما بما يحل على سردية ضمير المتكلم ، وظيفة التعريف و التخصيص ، لتشملا حلمية المؤلف بالانتقال الموقعي داخل أفق تداعيات ارتدادية محتملة في أجواء و مسار فضاء الحلم و الذاكرة و التأثيث المستعاد مسرودا توصيفيا في النص .
ــ مواقع شخوصية متحركة / مواقع ساكنة .
هناك حالات شخوصية في الرواية ، لا تدخل ضمن موقعية و حافزية المتحرك الذواتي ، كحال شخصية بعض عناصر فريق التصوير الياباني ، كذلك كحال الخادمة في منزل مريم. لعلنا نتنبه في هذا السياق الى أن موقعية حالات الشخوص المتحركة ، ماراح ينطوي بذاته على شخصية المؤلف الياباني هيروشي و شخصية المحور زوج مريم و مريم ذاتها ، أما تلك الشخصيات المستعادة كشبيه غاندي و شخوص أخرى كان لها قرار النسبية الوظيفية من فاعلية القيمة المحورية في الرواية .
1ــ مواقع شخوصية متحركة :
كانت المشاهد المركبة من ذاكرة ذلك الشريط التسجيلي من الفلم الوثائقي ، ما راح يشغل و يهيمن على ثلاث أرباع المسرود المحكي في مسار الرواية ، خاصة بعد عملية زيارة الفريق الياباني الى منزل الخمسينية مريم : ( كانت تنظر الى الرجل الياباني .. و كأنه ساحر .. استقدم ثلاثين سنة ماضية في شريط فيديو رقيق كقشرة البصل .. أنبثقت منه حزمة ضوء مرقشة بالغبار الناعم .. و التصقت بشاشة صغيرة متنقلة وضعتها يوكي على حيز مناسب من جدار الصالة الأبيض . / اجهشت وهي ترى مريمها القديمة مختنقة و هلعة تتمايل بين الموج اللزج . وقد انجدها رجل جريح .. كابد من أجلها كثيرا حتى لا تغرق .. فأيقنت من تلك اللحظة أنه لم يغرق من أجلها فقط .. و من أجلها بقي يتنفس على قيد الحياة .. و على قيد الحي الأخضر حتى الآن . / ص10 ص11 الرواية ) المواقع السردية المتحركة و شخوصها أخذت في النص تحقق لذاتها بما يقارب حالات التساؤل أو النبوءة وصولا الى حقيقة تعييناتها في مؤشرات النسيج التبئيري الكامن في محصلات ثنائية ( الاستباق الخارجي = الاستباق الداخلي ) إلا أن أهم الأشكال التي راح يتمحور من عبرها الاستباق الخارجي في مسار نمو أحداث النص ، هي تلك الأحداث التي كانت تقع في وحدة مثل هذه الفقرات : (كانت مصادفة سياحية و اعلامية بذاكرة رجل عجوز .. تفتحت في لحظة استرخاء .. حينما زار العاصمة مع فريقه التلفزيوني المكون من مصورة شابة .. لا تفارقها كاميرا تلفزيونية صغيرة يرافقهما صحفي شاب يحمل هو أيضا كاميرا بحجم الولاعة . / ص11 الرواية ) أما فيما يتعلق بتقنية خطاب ( الاستباق الداخلي ) فيكون هذا الأخير مقصورا على مسرود مسرود تصويري يظل خارج و داخل اطار حكاية توظيف اللعبة الاستعادية للزمن و المكان و الواقعة المصاغة في مختزلات الحادثة المروية استحضارا آنيا : ( كان العجوز الياباني يتشمم مياه النهر بحاسة شخصية .. كمن يتفقد رائحة ما .. سمها ذات يوم خليط الروائح التي يحملها النهر .. مستعيدا ذكرى ثلاثين سنة مضت حينما كان في بغداد يرسل تقاريره الصحفية الى التلفزيون الياباني بقناته الرسمية في طوكيو في أثناء القتال الطائفي عام 2006 . / ص11 الرواية ) .
ـــ الرواية بين مخيلة الذاكرة و ملفات السرد .
نعاين بجلاء من أن الشريط الذاكراتي راح يؤطر اللعبة الرواية ، مضيفا أليها تكرارية نداء تلك الحادثة المأساوية الجامعة لمواقع زمنية و مكانية و شخوصية متقاربة و متباعدة في الآن نفسه ، إلا أنها في الوقت نفسه أخذت تتوحد جميعها برباط ترتيبية ذاكرة الشخوص من جغرافية هذا المكان أو مقوم ذلك الزمان أو من تلك الجدارية الأرشيفية المعلقة على جدار منزل مريم الداخلي ، حيث كانت تلك الجدارية الأرشيفية محفوفة بعشرات الصور الفوتوغرافية و التواريخ القديمة .
1ــ إضاءة الحدث و صيغ تعدد المنظور في الرؤية :
تتقارب سيرة تناقل الحكاية الروائية عبر ألسن و تفاصيل محكية مختلفة ، حيث راحت تأخذ طابعا ترتيبيا من تقاويم أزمنة الأفعال الاستعادية و اللاأستعادية ، و ذلك بسبب تعدد مواقف و مواقع شاهدية نمط الحوادث في سردية النص . كحال شهادة العجوز الياباني حول تفاصيل حكايته عن تلك الحادثة : ( هيروشي : تتوهج ذاكرته الأربعينية السابقة في زمن الزورق و النهر و حريق قديم .. فيغرق في لحظات الماضي الذي حبسه في رقائق و شرائح ناعمة / يرى هيروشي من العدسة الصغيرة الخرائب القديمة المتروكة .. و بقايا المكان الذي تكوم على بعضه .. و سوادا يصبغ نخلات محترقات .. قال بصوت لم يفهمه رجل الزورق و هو يتأفف : ــ النهر يمضي الى المستقبل .. و يتجدد .. مهما كانت الظروف .. و الناس تموت من دون اسباب في بلدكم العجيب ؟ ! . ص16 الرواية ) .
2ــ تعدد الرؤى و فاصلة إدائية الزمن المعاين :
يأتي الملف اللاحق عن ملاحق النص العنوانية المتعددة تحت عنوان ( الحي الأخضر ) و تتضافر دلالات هذا الملحق الفصلي بصورة بانورامية واقعية حاضرة ، ولكن ضمن جهة موجهات استعادية يقوم الشخوص بأثراءها بمشاهد يتضح من خلالها نسيج تخليقات المنظور الاستعادي المبثوث في ذاكرة تفاصيل عرضية مسرفة في اداة العرض : ( يتطلع الروائي الياباني المخضرم الى مريم بعينيه اللتين غطاهما شعر حاجبيه الأبيض .. فيرى ببصيرة فلمية شيئا بذاكرة لا يمكن ان تخذله في مرأى النهر و الحريق القديم .. ماء و نار؟ .. كان يقول لنفسه .. أنها ثلاثون سنة .. ما أقصر العمر مهما طال بين الماء و النار . / ص18 الرواية ) .
3ــ شيفرة الماء و النار و معادلة الصور الاشارية :
إن الشيفرات و العلامات و الصور في الرواية موضع دراستنا ، جاءتنا جميعها ، لتتركز بوظائفها الظاهرة و الباطنة ، و لأخبارنا حول المزيد من هوية الشخوص بمصائرها الأحوالية و الصياغية و الإيصالية في فضاء ذاكرة النص . و يمكننا إجمال وظيفة الشيفرات لغرض الوصول منها الى كيفيات حكائية خاصة من زمن وقائع تجربة علاقات بنى النص الروائي . فعلى سبيل المثال نعاين بالمتابعة الاشارية نحو مسرودية لقاء الفريق الياباني داخل منزل مريم و زوجها الروائي : ( أنا هيروشي + أعلامي متقاعد + روائي + أنصار البيئة الخضراء = مريم الشابة = السيدة الخمسينية = مؤثرات و تمثيلات = مظاهر اللاشعور بطريقة انساق إيصال فعل قصدية المدلول الفاعل ) .
4ــ التداخل النصي بين رمزية غاندي و شخصية شبيه غاندي :
ولعل اللافت للأنتباه نموذج خاطرية ذاكرة أرشيف منزل مريم في حي الخضراء ، وجود عشرات الصور و الأيقونات كما قلنا سابقا ، و التي كانت تشير بدورها نحو استدعاء رؤية تقاطبية ما ، من شأنها التلويح الى تلك الصورة المعلقة من بين عشرات الصور ، و التي كانت تتمثل بشخصية رجل ذات مغزى بليغ في زوايا ذاكرة المحكي في الرواية : (صور كثيرة متراصفة بعناية .. تشكل سطورا متوازية على مساحات الجدران .. و قصاصات حال لونها تشكلت في أطر زجاجية : نهر و فضاء و مدينة و دخان و بيوت خربة و جسر و أشلاء بنايات و نبات محترق و زوارق و صيادون و وجوه محترقة أو فزعة أو صارخة في ذكريات الصور . / ص27 الرواية ) .
5ــ المقاربة التشكيلية و صيغ الموصوف :
هذا النوع من المسرود الوصفي ما يمكن أن تفسر به تغليب الروائي بدر السالم طرائق توصيف محاور الأشياء كماهية ضبط خطاب الصورة السردية بمقومات اللوحة الفنية ، و خلاصة القول منا نقول أن علامات مسار الوصف تجعلنا بهذا الصدد كالذي جاء أعلاه وصفا مائزا بمعالم التحديد للوحدات السردية في المحكي ، لذا فأننا نجد أغلب فقرات الرواية ، حلت علينا حلولا مؤشراتيا عبر علامات و إيحاءات خصوصية دلالات تشكيلية غامت حدودها في مواطن الاقتصار العلاماتي المؤثر قصديا هذا الأمر ما يتبع قولنا في بداية دراسة مقالنا ، بأن هناك مسافة شاسعة ما بين رقابة المخيلة الواعية و بين تفارقية المخيلة العشوائية في الكتابة ، أي بمعنى ما نود القول بأن عملية الاستقراء في محمولات اللاوعي الحسي تقودنا أحيانا و بالكلية التامة نحو استدلالات مخيلة مسرفة في مدركاتها المخيالية اللامنضبطة قياسيا و موضوعيا . على أية حال نعود الى مجال مباحث دراستنا لنقول أن الدليل الاستقرائي يخرج أحيانا النص و دلالاته من المفترض الخاص الى العام ، ولكننا في رواية وارد بدر السالم في موضع دراستنا ، وجدنا أغلب وحدات النص جانحة نحو النموذج العام ثم الى خصوصية الاستدلال الخواصي بمعنى ما أن ناصية العلاقات الشخوصية (الذواتية) قد جلعت من أفق انطلاقتها البين و أمكانية حصيلة مدلولها ــ عاما و ليس خاصا ــ لذا فأن أغلب ذوات النص الروائية كانت بمثابة المحورية المدلولية الرابطة بين ثنائية (الآخر / الأنا ) وحتى إجرائية صوت السارد كانت بمثابة التشكيل الجماعي المؤشر بموجهاته نحو احتضان و ضم وتفاعل صورة وحقيقة الآخر مع واقعته ذاتها و لذاتها . و بهذا الأمر يمكننا القول بأن رواية ( جمهورية مريم ) ماهي ألا الدليل المعالج و المعادل الآنوي للنص بذاته دون حدود علاقة المؤلف به و مسرح ظهوراته المفتعلة في النص . و على هذا الأمر نود القول بأن مادة رواية ( جمهورية البرتقال ) ما هي إلا مستوى موضوعاتي أخذت تقتطعه كل لغات وحالات الشخوص في الرواية ، بما راح يلائم شكلها (السيرذاكراتي ) و الاستعادي لبنى الزمن و المكان و المظهر السردي و التبئيري الخاص . و على هذا الأمر وجدنا شخصية شبه غاندي في الفصل المعنون بـ ( غاندي ) حيث تصفه الاداة الوظائفية لدى وارد بدر السالم على هذا النحو الملحمي : ( وجوه مرصوفة لرجال و شباب و أطفال يتناوبون للظهور في صورة .. أتخذ اطارها حجما أكبر نسبيا من الصور كلها التي تسندها من الجانبين .. لرجل نحيف يشبه غاندي ببدلته التي لم تتغير في الصور المثبتة كلها على الحائط / وجهه صغير و مثلث .. وشعره أبيض مثلج .. و تحيط به جموع من جماهير من الاتجاهات كلها . ص28 الرواية ) إن أكثر ما يستشعره القارىء بشدة في خضم هذه الوحدات التوصيفية من الحكي ، هو ذلك النوع من الصور الذهنية المثالية حيث يخف أثرها تدخل الراوي الى انتهاز الفرصة مسربا تبئيريا يرتقي الى أعماق و تواريخ و هوية تلك الشخصية الانقلابية المتمثلة برمز غاندي و على أنه هو شبيه غاندي ، فعليه راح الروائي يعلق علبة جذوة الأعماق الشخوصية في الرواية ، أي على أنه المخلص الوحيد يوم حدوث ملحمة واقعة الماء و النار : ( لا يبدو في الصورة زعيما أو نبيا جديدا / وهو ما استوقف الياباني العجوز الذي أخذ يديم النظر إليه / يتذكره على نحو ما .. وهو يحاول أن يستعيد شيئا من تلك المرارة التي كان فيها ذات يوم غريب : حينما كان هذا الغاندي الطويل و النحيف يخرج الناس من الحرب على أختلاف طوائفهم و مذاهبهم في قرية من الصفيح و التنك .. حرص أن تكون على ضفة دجلة .. بعيدا عن الرصاص و صولات الدم التي تمارسها الميليشيات الدينية . ص28ص29 الرواية ) أن حالة المقاربة الواقع بين اختلاف الأزمنة ، أي زمن السلطة السابقة في البلاد و السلطة الحالية في البلاد ، (الميليشيات) هو كل ما يهدف إليه الروائي وارد بدر السالم من وراء موضوعة روايته ، لكننا الآن بصدد قراءة رواية فنية و جمالية ، لذا لا يسعنا الوقت لإقحام موضوع دراستنا بردود أخرى قد تفسد و تعارض حياة المؤلف و مرجعية و دافعية قصدية الرواية ذاتها . على أية حال لا يعنينا هنا سوى قصدية قراءتنا الجمالية للرواية و التقويمية تحديدا ، لذا ترانا نقول أن شخصية شبيه غاندي قد جاءت كما يتبين لنا طرفا كاشفا في مسار موجهات السرد ن وصولا منه الى هذا الحوار : ( : ــ الأستاذ حالة نادرة في ظروف الحرب سيدي :ــ و أين هو الأستاذ ؟ : ــ لا أعرف بالضبط أين هو لكنه يظهر كلما استدعت الحاجة إليه .. وكما لو يقول حقيقة : ــ إنه جسر عراقي للعبور من محنة الى أخرى و يظهر في وقته المناسب . ص38 الرواية ) مخيلة وارد بدر السالم مشحونة بوجود الأجواء الغرائبية و الفنتازية و حكاية ذلك الرجل المنتظر كأنها رموز حكاية شعبية ، وهذا الرجل المناسب أو المنتظر لدى وارد بدر السالم نجده على العكس تماما من صحة توجهات بعض الديانات ورموزها الوهمية و المحتملة ، غير أننا نجد أن شخصية شبيه غاندي هذا قد ارتبط بحقيقة أختلفت حولها طبيعة و سلامة لغة الأحداث في النسيج الروائي ، حتى تبين لنا أخيرا بأنها شخصية لا وجود لها سوى في مساحة شريط الفيديو و جدارية منزل الخمسينية مريم : ( ــ هذا ما كنتم تسمونه الأستاذ .. طاردته الميليشيات .. لأنه قال أنا نبي أو بوذا أو شيئا من هذا الكلام .. كان ينظر الى عيني المرأة السوداوين .. و يشير إلى أحدى الصور : ــ وهذه الصورة كنت قريبا منها ربما أنا مع الحشد المتجمع حوله .. تساءلت المرأة : ــ هل شهدت واقعة مؤلمة هنا ؟ . ص65 / الرواية ) وهكذا يتبين من مسار الأحداث بأن الياباني هيروشي كان من ضمن ثلة الجماهير المتحلقة حول الرجل الشبيه بغاندي ، وصولا الى أصابته بعيار ناري أستقر في ساقه أخيرا .
ـــ تعليق القراءة ـــ
ونحن نعاين أحداث الرواية الأخيرة ، لاحظنا وجود مستوى تحيينات غير مباشرة ، كما هنالك بالمقابل ثمة مستوى بديهي من الأحوال الموضوعية السردية المباشرة ، و التي تصل أحيانا الى حد وهن الدليل الحكائي في مستوى ربط دينامية الحدث في شكله الخاص حيث تتحول بعض فقرات الرواية و كأنها نتيجة مخيلة غير متماسكة و بلا علاقة دلالية فنية . كحال فصل ( مريم .. الرواية المقدسة ) فمقطوعات هذا الفصل تشعرنا و كأننا في صدد قراءة قصيدة نثرية بائسة ، تعتمد في مركبات لغتها ثمة علاقات تذكرنا بأناشيد الغرام و هواة النثر الساذج واقعا . في الحقيقة لا أعلم ما مدى جدارة هذه المقطوعات داخل النسيج الروائي ؟ و ما معنى عنونة الرواية بجمهورية مريم ؟ أعتقد من جهتي الشخصية كوني قارئا لروايات وارد بدر السالم ، بأن هذا الكاتب يواجه صراعا داميا في ترسيم دلالة عنواناته المركزية لرواياته ، و التي تقترب أحيانا من بناء فن القصة القصيرة في أفكارها و أدواتها السردية وحداتها الزمنية و المكانية و الشخوصية . فموضوعة بناء النص القصصي لا يفارق بظله أجواء تجربة الرواية لدى وارد بدر السالم دائما ؟ و على هذا الحال أقول من جهة أخرى ما وجه جمالية و فنية و تقنية خاتمة رواية (جمهورية مريم ) التي راحت تتلمس لذاتها هكذا خاتمة نمطية الى حد وصولنا درجة البكاء و الفزع الأكبر : (ما مضى قد مضى .. هذه جمهوريتك الصغيرة .. جمهورية مريم الحبيبة التي لن يطالها شيء بعد الآن :ــ كانوا الوساخة بعينها .. ضمها من جديد : ــ تحدثنا في ذلك ثلاثين سنة كاملة .. ما رأينا من وثائق فلمية هو تأريخ شخصي .. لكنه ميلاد بلاد .. وعلينا أن نحتفظ به .. لتراه الأجيال المقبلة .. شمته من رقبته بعمق .. فقال لها من بين انفاسها : ــ أنتهى الماضي .. ولن يعود .. صار أفلاما قصيرة .. هيا لنودع الضيوف . ص110 الرواية ) على هذا النحو قرأنا الرواية (جمهورية مريم ) للقاص و الروائي وارد بدر السالم ، يعززها تصوير اللازمة الدرامية الفلمية المستوفية في ظل شروط تفاعلها مع المحيط العلائقي المتمثل بوحدات الزمان و المكان و الشخوص و بالصورة المشهدية و اللقطاتية و المونتاجية التي أخذت تنحو بالمسار السردي منحى جمهورية الفضاء الزمني المستعاد من حلقات سيناريو تشظيات المسرود الروائي الجميل .