22 نوفمبر، 2024 8:15 م
Search
Close this search box.

قراءة في رواية ( الشهداء الخونة ) لحسن كريم عاتي

قراءة في رواية ( الشهداء الخونة ) لحسن كريم عاتي

الرواية تستجوب علاماتها الدلالية المنقسمة

مدخل :
إن جماليات شعرية السرد في رواية ( الشهداء الخونة ) للقاص و الروائي حسن كريم عاتي ، أشربت بحلاوة اللغة المجازية ، لتنبعث في بنيات المشهد السردي ذا كثافة انتاجية متوالدة و حدود إضاءة منظورية المناطق المعتمة في إيقاعات فصول الرواية . فالقارىء لأحداث فصول هذا النص ، لربما سوف يواجه حجم تضاعيف استعانة الروائي باستخداماته الحيوية لأفق ( شعرية الفضاء ) و حوارية مرويات ضمير الشخوص الروائية ، التي من الممكن لنا إدراجها بموجب شرطية تعددية السارد في منظور الوحدة النقلية و الوصفية في الرواية .

ـــ تحولات الأنا الساردة .
إن عملية التغلغل في مقصديات المؤول النصي ، بمعناه الدلالي ، أخذت تتبناه في الرواية حالات كثيفة من المتواليات التفسيرية المتصلة و حدود ملازمات مؤولات التخييل السردي نحو جملة خاصة من خصيصة علائقية المكونات السياقية و الاسلوبية في النص . فهناك في أحدى تراكيب بعض الفصول ، تواجهنا مادة توصيفية حكائية تتم عبر مشاهدات فاعلية الأنا المشاركة ، وصولا منها إلى مستوى مؤشرات الخطاب الارتباطي في السرد و صيغة الدلالة المعينة . فمن خلال فصل ( سأرسم موتي على ثوبها ) نواجه مثل هذا المستهل من زمن بوح السارد المشارك حسن : ( بتأن .. أنسج صورة ( م . . . ) غرزة غرزة .. خشية أن تفوتني غرزة ليست من صنع يدي .. لا أخجل من أن أبوح : بفرح بكيت لما رسمته اليوم و سعيد بما حققته من نجاح بعواطفي . / ص7 ) السارد المشارك لا يفتأ في حدود هذا الفصل و فصول أخرى عن الحديث و البوح الشعري حول سمات شخصية المحبوبة ( م . . . ) و بدقة وصفية فيها لمسات الحس الشاعري الذي راح يقترب من مستوى حلمية الوجود الوجداني الهائم . أما الحالة الختامية لهذا الفصل فقد جاءتنا مقتضبة بجملة حوارية الأم : ( ــ بني حسن .. أنها أول الأودجاع . / ص12 ) و من خلال مستهل دلالة الفصل المعنون ب ( قماشة الجنفاص ) نعاين محكية البوح من قبل السارد المشارك حسن مع كفاءة الفاعل الاستباقي المنفذ : (عند لحظة سريان السم في جسدي في هذا القفر .. لا يتراءى لي سواك .. ولا أراني مجبرا على الاعتراف إلا لك . / ص13 ) إذا وقفنا على كل توافقات الحكي في النص ، لوجدنا بأن مظهرية الفاعل السردي راح يتبع عملية توافق أوضاع البوح من خلال تسجيل متغيرات كفاءة الفاعل الآخر و المتمثل بشخصية ( م . . . ) . و تبعا لمسارية الفعل الأول ــ حسن ــ يتم الانتقال الى مساحة وجوب الفعل الآخر و المتمثل في بوح شخصية ( م . . . ) لحكاية الرواية . إن حضور السارد المشارك في الرواية قد مثل بصورة واضحة حالة الاغتراب التي يعيشها ، و العزلة عما حوله ، لذا نجد بالمقابل مجموعة الشخصيات الساردة في النص راحت تنطلق في سردها ، اعتمادا على الأمكانيات المحورية المتاحة لها في علاقة سببية حضورها الإحالي في أحداث الرواية . أن التراتب الواضح بين نقطة الزمن المستعاد و الشخصية الفاعلة في محورية المسرود ، قادمان من جهات عدة : ( العين الشاهدة ــ اللعب الزمني ــ الاغتراب في الوطن ــ الخوف من الرقيب ) وصولا الى تقنية المونولوج الداخلي المعبر عن حالات و مواقف و تماثلات السارد بوصفه تلك الشخصية التي تقوم بتتابع و نقل الأحداث السردية و المسرودة . و ما يمكننا النظر إليه في فقرات الرواية ، هو ما جعلنا في موضع الرأي الى حالة التجرد من تناقلات مرويات السارد من أرضية التصاعد السردي الواقعي ، وصولا الى وصف علاقات النص كما لو أنها قادمة من خلال مقولة فضاءات الحلم و التداعيات الداخلية : ( تتراقص الأضواء في حفلة التوديع المسكونة بالخوف أن أمسك متلبسا تهريب الوطن المخبوء تحت قميصي .. أو المسكوت عن نحره باتفاق أو من دونه .. لقوة تصرخ بضرورة كتمان ما يدور من نجيع دم لا يتخثر على طاولة العهر السياسي بالمحافظة على سمعة الوطن . / ص17 )
ـــ السرد المختزل و القطع الزمني .
الأمر الذي راح يتضافر هنا مع مكنون فصل ( الشهداء الخونة ) حيث تلك الحدود السردية الجديدة و المتمثلة بشخصية ( م . . . ) الساردة المشاركة في أحداث الرواية ، حيث نعاين من خلال هذا الفصل اكتمالية الترتيب الحبكوي في مسار النص . فمن على لسان رؤية هذه الشخصية تخبرنا الرواية عن مصير الشخصية حسن : ( يخرسني الخوف من القول لها : إنه غادر الى المجهول .. أخبرني صديقه يوسف برسالة شفوية قصيرة .. كأنه ينقل بحرص شديد توقيت سري لثورة ستحدث غدا .. و أوصاني أن لا أنقل الخبر لأحد .. فإن عرفت عيون السلطة فلا تعفي أهله أو واحدا من أصدقائه من الأذى و أكد في محاولته طمأنتي : و أظنه الليلة الماضية عبر الحدود . / ص22 ) إن الحوادث السردية في رواية العاتي تبعث فينا الاحساس بمجريات دواخل الشخوص تعقيدا ببواطن سرية الأمور ، فمن خلالها تواجهنا تارة اللغة الشعرية و تارة أخرى البنية الزمنية السردية الخفية أو المتقاطعة إختزالا إزاء استراتيجية ارتدادات زمن صوت السارد ، وهو يسرد الأحداث ضمن درجة من التوازي / التتابع بين خطية الحدث و تعالقاته اللاخطية . مما يجعلها تبدو لنا كمحض صورة إيهامية قد لا تتناسب أحيانا بالمقارنة مع مكونات سردية البناء الروائي .

ــ الحركة المستحدثة في التنقل بين الخارج و الداخل .
يعتمد المكون السردي في أحداث رواية حسن كريم عاتي على موازاة كاملة لوعي الشخصية الساردة باللحظة التي تحياها مع جميع الأطراف ، ذلك الوعي المتوزع و المنقسم بين حركة ثنائية ( الخارج ــ الداخل ) حيث تبدو من خلالها أفعال الاشارات الدالة في السرد ، و كأنها مكونات وعي شخوصي منقسم بين فضاء الخارج و منظور فضاء الداخل : ( الفضاء الخارجي : الليلة الماضية عبر الحدود / الفضاء الداخلي : فقط أن من بين أناث الأرض ) و هناك العديد من المشاهد في النص ما تؤكد لنا علاقة الخارج بالداخل ضمن مجموعة عضوية من الأحداث في الرواية .

ــ تعددية الأزمنة في حيز المكاني الواحد .
يمكننا إذن أن نلاحظ كيفية تعدد الأزمنة في حيز المكان الواحد ، و ذلك من خلال خلق تصورات الشخصية ذاتها ، حيث تقوم بأرسترجاع مجموعة الذكريات و الأحداث ضمن مخيلة فاعلة من شأنها تجميع العلامات الزمنية المتعددة في حيز الرسم المكاني الواحد : ( قلت في سري : طالما عبر الحدود فهو في أمان / نلتقي في واحة البعد / و نعود الى بيتنا غرباء / و أنا أسمع أنين أمي الذي هطل ناعما / سأغادر الوطن في أية لحظة / فقد سبقه أبي بتجربة قاسية / خشيت اللقاء بها من أن تبوح عيوني بأسراره لها / ما زلنا في أول طريق الفراق الذي لا نعرف مداه ) هكذا تظهر لنا جهات أفعال و أحداث الأزمنة المتعددة على صعيد مستوى قدرة الفاعل الشخوصي على امتلاك حالات وجوده المكاني المتوحد مع ذاته كتغيير لعلاقة الفاعل المنفذ إزاء فعله الواصل بمكونات الملفوظات الأفعالية المسترجعة ارتدادا قبليا و حاضريا من خلال شواهد المكان الواحد .

ـــ كاميرا اللقطة الشعورية و زاوية جهة التحول .
نتحدث هنا عند التحليل ، عن الكينونة وظاهرها المندرج من خلال حقيقة علاقات العناصر الداخلة في المحكي . فهذه القيم كحال كينونة الشعور الذواتي و الحصيلة الظاهرة من جهة الأيحاء بوضعية المعني ، من شأنهما تخليق آليات خاصة راح يتحقق من خلالهما معنى الحس في رؤية الأشياء . فمن خلال مؤديات فصل ( أبواب ) صرنا نعاين نظرة الشخصية المشاركة ، وهي تتوجس برؤية الانطباع المحفوف بقوة التعامل الايحائي و الاحساس بمدى أختلافات كينونة و هوية أصحاب البيوت و الأبواب . لذا نجد الروائي ينطلق من فكرة الوجود الكينوني للأشياء من حدود نظرة و فراسة الهوية الشخوصية الكامنة خلف علامات و عوالم تلك الأبواب : (لكل بيت هويته التي ينفرد بها عن غيره .. تعلنها الأبواب الخارجية للعين الخبيرة فقط .. و إن تشابهت أو كانت من نوع واحد .. فهي عتبة الولوج الى عوالم خاصة جدا .. و تخفي أكثر مما تعلن .. و تغلق صدرها على كل الحكايات . / ص33 ) وهو الأمر ذاته الذي يردنا بالتالي الى أهمية طبيعة تلك الهويات الكامنة خلف تلك الأبواب ، و الأهداف التي يتبناها السارد المشارك ما هي إلا ذاتها المعطيات التي ستؤدي الى وجود كيانات كبرى و أفعال كبرى أخذت تفترضها تلك الأبواب من مساحة دلالية مماثلة لواقع أحاسيس الشخصية في الرواية .

( تعليق القراءة )
يمكننا القول في ختام دراسة مقالنا حول رواية ( الشهداء الخونة ) بأن هذه الرواية أسهمت في خلق تصور مغاير لإيقاع أحداث و شخوص الروايات الأخرى ، حيث أن الطريقة التي تم من خلالها البناء السردي ، جاءتنا و كأنها حلمية شعرية أخذت تسعى لرصد تفاصيل وجهة نظر الرواية جعلت تستجوب علاماتها الضمنية في السرود الروائي ، وصولا الى تقديم إحالات تسمع للقارىء المنتج بتأويلها على النحو الذي يجعلها عبارة عن أحداث مسرودة في بوتقة السارد المشارك لخصوصية فضاءات العلامة الشخوصية و الدلالية المنقسمة و المنشطرة في مسار أيهامات حالاتها العاطفية المأزومة ، حيث نعاين من خلالها ثمة تفاصيل لحكاية السارد المشارك متلبسا في لغة أحباطاته و مخاوفه و اغتراباته الحسية و اللاحسية و الواقعية و اللاواقعية وصولا الى نهاية روائية تجسد لنا أوجه كبيرة من إلتباسية الذات المتوزعة بين تفاصيل شعرية الأنا المنقسمة بين هوية ذاتها و الآخر من ذاتها . من هنا تتكشف لنا إجرائية مدلول عنونة ( الشهداء الخونة ) ضمن حدود مفهومية و فنية في رواية الأحداث : ( باب بيت ــ أم حسن ــ يشكو هيام أبنها حسن بباب بيت أم ( م. . . ) لا أبوح بأسمها خشية على سمعتها / بعد أن عثر على حبيبها حسن مقتولا على الحدود بلدغة أفعى .. في محاولة هروبه الفاشلة من الوطن .. قال عنه حميد أرزوقي : أنه معارض خائن للثورة / و قال عنه داود القصير : شهيد لأنه خرج على ظلم الحكومة . / ص36 ) و تبعا لهذه المستويات الفقراتية المتشاكلة تتبين لنا السمة الأضدادية في تبئيير عنونة (الشهداء الخونة ) ولو من حدود تمفصلات شحيحة في أنساق العلاقة الدلالية الكاملة و الكامنة في مؤشرات السرد الروائي .

أحدث المقالات