18 ديسمبر، 2024 8:58 م

قراءة في ديوان ” الموتى لا يجيدون الحب “

قراءة في ديوان ” الموتى لا يجيدون الحب “

للشاعـرة في ّ السيّاب
لقد كانت أياما ً من العمر …
ولا بد ّ أن يغدر القدر
لا بد ّ أن أرحل وأترك فيك قلبي
يأخذني الطريق الى المعروف المستكين
وأترك خلفي المغامرة ،
ملأى بما كنت أشتهي وأرغب …
تذكـّر أن ّ رحيلي الصـّعب
كان أسهل علي ّ من بقائي الأصعب

 

صمت ٌ يقلب موازين العالم ، يمتص ُ دما ً من روح الزمن ، من المشاعر والتعابير المكبوتة وقد يكون أحيانا ً الصمت سيد الموقف ، كلمات تأخذنا بعيدا ً وتستوطن غرف القلب ، تبحر في زورق الحب بأمواج متلاطمة وتسبح في دوامات الغرق ، يهيج في حشى القلب نبضات الزمن العنيد ، ترهقها الهموم كقلب عاشق أضناه الحنين مع أوراق لم تعد تحمل الحروف ، تلملم حقائب المشاعر لعل يوما ً يهديها الكلام لفك قيد الصمت أو يمضي العمر راحلا ً مع الأيام ..

ما أجدت الحب … وما أتقنت
على رغم سنواتي الثلاثين والخمس … لم أجتز ابتدائية العشق
طيش َ مراهقة كنت
ضعت
بين من استحقني
وبين من استحققت !
وأنا أرفض التنفس مع أشباه الحياة …
سيدي … حبك علمني كيف أموت !
كيف أ ُحِضر أنفاسي في حضرتك …
كيف أختنق وجعا ً …

عن دار جيكور للطباعة والنشر / بيروت صدر للشاعرة في ّ السيـّاب مجموعتها الشعرية ” الموتى لا يجيدون الحب ” / 2017 تعبـّر فيها عن قدرها المحتوم وتفيض هوى وتتعرّى صدقا ً لتشهق من علو ّ نافضة ً غبار الوهم ودثار الزيف الملوّن .

حازت مشكلة الحياة والموت حيزا ً كبيرا ً من تأملاتهم في فنهم” فن الشعر ” فن التعبير عن فهم الانسان للكون وما يتصل به من خلال النفس والوجدان للتعبير عن الألم والأمل بما يحويانه من عمق وترقب لكل دقائق الحياة .

تسبح في بحر الكلمات وفي وسط السطر تحيط بها نبضات القلب ، تهمس بحرارة الشوق وتتجرع لوعة الحنين ويملأ الوجد شجن وآهات حين يطول الأنتظار ، روح تهفو اليه على صفحات القلب لتضمد جراح العشق ..

اشتقت ُ اليه … وهو قريب
اشتقت ُ اليه …
فهو العشق والحب ّ والحبيب
اشتقت ُ يا رب ّ
فهو ّن علي ّ الشوق
فأنت من أدعو وأنت القريب !
أفلا تستجيب !

اذا كان الحب عاطفة أرتبطت بالسعادة والأقبال على الحياة فانها عند الشاعرة في ّ السيـّاب أنسكبت بمياه الحزن والأنين وخاصة عندما تهدي مجموعتها الشعرية ( الى مـُلهمي .. الحزن ُ واخواته ) .

تستنشق عبير سعادتها حين تكتب ، وترقى بحزنها بين أحضان القلم ، للأمل والألم والوجع ،فلا تجد سوى الورق تحيا فيها الروح ، تلك الصرخات الشجية من قلم محترف يحطم جدار الصمت ليخرج من الطوق الذي أ ُحكم حوله ، عندما يسكت القلب عن البوح بما يؤلمه تأتي الصرخات لتعلو وتتحدث عن نفسها وما بداخلها لتعبر عن مشاعر صادقة .

تعالت صرخات الألم …
ونافست رسومـُها الجبال …
ليتنصـّل َ الضباب من أعالي السفوح …
وينحدر َ الندى من أوراق الصنوبر ،
ويبكي ليلا ً فائتا ً بكـل ّ صمت
انه الوفاء المخملي ّ …
وفاء الشجن والمحن … للزمن

يعتبر الألم والموت من الموضوعات التي صاحبت الشعر العربي بل والعالمي منذ نشأته الأولى ، فالشاعرة في ّ السيـّاب في بوحها تعكس ما يخالج نفسها المرهفة من مشاعر يحدوها الأمل ويكسوها الألم وهذا ما نلاحظه من العنوان الذي يطالعنا في صدر الغلاف ، فهذا يرتبط بتجليات تيمة الألم والعنوان الذي يعد ّ بوابة النص ّ ، أما المتن الشعري فلا تكاد تخلو قصيدة من قصائدها من معاني الحزن ودلالاته وأبعاده النفسية والفنية.

كلمات تحكي ألم الجفاء والفراق ، ترحل مع الذكريات وترسم لوحات نهاية حب ، آهات تخرج من القلب ، ينتابها حزن ويبعثرها شوق لا نهاية له وتسكنها وحدة قاتلة وتصارع الأرق ، تشرب الموت ولا تملك للسـقم دواء ، جمر الشوق يكوي والوقت سراب .

كل ما كان لي أنت
والآن حتى الـ ” أنت ”
رحلت … وتخلـّيت عني ّ
وأنا هنا
أعيش وأتنفس
أشرب الموت
أشلربه بهدوء
فالموتى اخترعوا الصمت
جهنم عقابي
الأرضي ّ والسماوي ّ

تبحر في أعماق الذات وتترك لروحها العنان ، تتخطى كل الحدود وتخترق المسافات باحثة عن بحر ٍ يحميها من رهبة الأيام ويبعدها عن المتاعب والهموم ، تبحث عن طريق النجاة وتكتشف بانه مجرد سراب .

أ ُريد بحرا ً أغرق فيه من عقلي
وأ ُدثــّرروحي بفرشاته
وأشرب ملحه سكـّرا
فكل ّ ُما حولي مثير للألم
الا البحر الذي احتضن َ
الأرواح في شجن
تكتب هناك
لأقرأ هنا
وتنام هنا ” وأ ُشير الى قلبي ”
وأسهر هناك ” وأ ُشير الى آخر الأ ُفق ”

هذه أوراقها رسمت فيها مشاعر لقلب عاشق أضناه الحنين عندما يتولد الحب بين الأحرف ، مع نبضات عشق وخوف مثير للأ لم ، تعصف بها رياح الشوق فتصرخ بصوت صامت يخترقه الوجع ، حروفها حزينة وكلماتها تحرق الأنفاس بين السطور ، عزفت أوتار القلب أنشودة الحزن وبدأت الكلمات تنطلق بلا توقف ، تحتقن الروح بالأنين وتغرق في بحار التيه ويطاردها وحوش الأرض عبر جسر الأحزان ..