16 سبتمبر، 2024 9:50 م
Search
Close this search box.

قراءة في / خطاب المكونات والتوازنات قضية وطنية ام معضلة سياسية

قراءة في / خطاب المكونات والتوازنات قضية وطنية ام معضلة سياسية

لغة المكونات والتوازن طغت على السطح العراقي بعد عام 2003 … انها مشكلة تغليب السمات المذهبية / الدينية والعرقية على اخرى اكثر رقيآ وتطورآ وهي الانسانية والوطنية .. لقد شق التاسع من نيسان التاريخ العراقي الى نصفين احدهما ما قبل هذا التاريخ والاخرة بعده – وكليهما حكاية .. ومادمنا نصف انفسنا باننا واقعيون فان ما يهمنا هنا هو الحكاية الثانية المليئة بالدماء كما الاولى … فمنذ ذلك التاريخ والخطاب السياسي التعبوي يتحدث بالصيغة التالية ( الشعب العراقي بكل مكوناته .. عربا وكردا .. سنة وشيعة .. مسلمين وغير مسلمين … الخ والقائمة تطول ففي البداية فكك الشعب العراقي لغويا ليتحول التفكيك فيما بعد واقعا فعليا انها معادلة صعبة ، فاما التعامل مع هذه المجاميع البشرية على انها (الشعب العراقي) واما (شعب المكونات) وللاسف فقد حققت الاخيرة رواجا كبير في ظل اختلال التوازنات السياسية … وتمتاز المكونات  العراقية العظمى بانها تحتل مناطق نفوذ جغرافيا وهي متصارعة فلسفيا وتاريخيا وتمتلك استعدادا للثأر بعضها من البعض الاخر .. ومع ذلك فاننا لايمكننا ابدآ ان نصرح بان التفكيك الى المكونات قد بدأ من هنا … فالوحدة الوطنية لايمكنها ان تتفكك بهذه السهولة خصوصا اذا كانت متماسكة وذلك يعني ان هذا التفكيك قد بدأ منذ زمن بعيد ولكنه لم يكن ابدآ بمثل هذا الوضوح والاسفار الذي عليه في الوقت الحاضر حيث ان ردود الافعال المكتومة اخذت تتراكم منذ حكم الدكتاتور وسيطرته على السلطة عام 1979عندما اخذت العملية منحى وحشي تمثل القتل والتهجير لمكونات عربية شيعية وسنية وكردية واستطاع نظام التخويف كبس تلك المتراكمات للحفاظ على توازنه دون ان ينجح في الغائها.. وعلى الرغم من التحشيد الجماهيري الذي قامت به القوى الطائفية وبنشاط واضح الا انه لايمكن اغفال دور الولايات المتحدة في زرع مفاهيم الطائفية ابتداءآ من مجلس الحكم .. ومن هذه النقطة التاريخية اصبح التفكيك الى ( مكونات) اكثر وضوح ولم نعد نسمع في الخطاب السياسي بكلمة العراقيين الا نادرا .. ومن المفارقات اننا سمعناها ايام النظام البائد اكثر مما نسمعها الان.. وشكلت اللجان ذات الاهمية لمصير البلد بطريقة المحاصصة ..كالجنة كتابة الدستوروما رافقها من انتهاكات  مثلا واصبحت مفاهيم مثل الكفاءة والنزاهة والوطنية مثيرة للسخرية . لكن هذه العملية برمتها قد اخذت منحى اخطر بكثير ، اذ بدا التحريض ضد الاخر لتكون المليشيات في ما بعد اللاعب الاساسي ولتاخذ دور المدافع عن المذاهب المتصارعة وهنا بدات مرحلة بشعة في حياة العراقيين مليئة بالدماء والقتل اليومي المريع للناس الابرياء وفي هذا المناخ المتشنج كان من الطبيعي ان تجد (القاعدة) لها زد على ذلك ان الارضية قد وفرت مكان ملائم لنمو جماعات تدعي امتلاك الحقيقة سرعان ماتحولت الى تنظيمات عسكرية استطاعات ان تجذب الى صفوفها الالاف من الشباب المسحوقين اقتصاديا اذ حولتهم هذه التنظيمات الى قوة يحسب لها الف حساب وذلك لقدرتها على التدمير والقتل وكم الافواه مما وفر دعم نفسي لاعضائها بعد ان كانوا من المهمشين … اما غلافها الاعلامي والسياسي فهو ليس ببعيد عن التخندق الطائفي .. وفي وسط هذه الفوضى استطاعت فلول الجريمة ان تجدلها مكان في هذا الطرف او ذاك من الاطراف المتصارعة ولا سيما انها تمتلك الكثير من الامكانيات العسكرية والاستخبارية مازاد الفوضى تعقيد وليستمر بالتالي نزيف الدم العراقي والاحتقان الطائفي موغل بالقدم لكن الدكتاتوريات المتعاقبة استطاعت اخماده وهذا ليس مدحا لها بالتأكيد – في الوقت الذي كانت المنابع الفكرية للتهيج مستمرة في اثارة حقد كل طرف على الاخر وللاسف فانها لاتزال مستمرة في ذلك.
ان الاسئلة التي تواجه الخيرين والمثقفين على الاغلب هي متى ستنتهي هذه الاوضاع في تسيير الخطاب التفكيكي ؟ ومتى ستأخذ قوى التيار الديمقراطي والوطني بزمام الامور ؟ ولاشك ان كل ذلك يرتبط الى حد كبير بالوعي والذي يرتبط هو الاخر بجملة من المؤثرات الاقتصادية والاجتماعية وحتى التاريخية ومازال هذا الوعي المجتمعي يتقبل الخطاب التفكيكي (الكيانات والتوازنات) برحابة صدر وبروح انفتاحية شرسة لايهمها حتى لو اصبح العراق ارضا قاحلة وعلينا ان ناخذ بالحسبان تشكيل جبهة واسعة من القوى الرافضة لخطاب التفكيك والعاملة على مبدأ المواطنة والى جرأة وشجاعة لفضح هذه الخطابات المبنية على نهج المحاصصة والتفكيك كبديل عن المواطنة وان خطاب المكونات والتوازنات ادخل ويدخل البلد في ازمة خانقة وتتحمل اطراف هذا الخطاب جزء كبير من المسؤولية وعليها ان تعود الى رشدها وتتذكر ان هناك ارض تعيش عليها وتاكل من خيراتها اسمها العراق ولافائدة من الولاء لغير هذه الارض وهذا المسمى وان التجربة المريرة التي يمر بها العراق الان قد مرت بها شعوب اخرى لكن العبرة تكمن في انتشال شعبنا من هذه الازمة كما فعلت هذه الشعوب بعد نضال طويل وان النظام الديمقراطي قد يكون الشكل الانسب لادارة العراق المتعدد الاعراق والمذاهب وان ترسيخ هذا النظام ليس مستحيلا .. والعراق قد عرفه العالم منذ ازمان طوال مهدآ للبشرية وماوى للحضارات الاولى بكل ما انبثق على اترابه من اعظم المنجزات لايمكن تفسيخه الى ثلاث كيانات وندعو شعبنا كي يعترف بهذا التقسيم البليد وهنا نقول : من يريد ان يبقى مع العراق موحدآ فليعلن عن عراقيته اولا وولاءاته الاخرى ثانيا وثالثآ ومن يريد له وطنا من نوع اخر فليعلن استقالته واننا مقتنعون من يريد العراق اكبر بكثير ممن يرفضونه … وان من يسعى لمستقبل زاهر لكل المنطقة عليه ان يبقى مع العراق في محنته لا ان يغادره برفقة السناتور بايدن او غيره … وان كراهية العراق صناعة امريكية بحتة فقد روجوا لمصطلح المكونات العراقية بدل ( شعب العر اق) وبدل التاسيسي على تماسك المجتمع العراقي راحوا يصنعونه سنة وشيعة وكردا … استهين بكل الاقليات السكانية الاخرى وروجوا للتجزئة اعلاميا على ألسن بعض العراقيين انفسهم من دون اي حياء المتمسكة في السلطة حالياً  وبدا العراق يتلقى السهام والطعنات من كل صوب وصوب على ايدي بعض ابنائه الذين اخذوا يميزون بين الاغلبيات والاقليات.. ويشهرون بين الطوائف والمذاهب والاديان ويزرعون العداء بين ال البيت الاطهار وبين اهل السنة والجماعة الاخيار وناضلوا  بين المتحزبين وغير المتحزبين او بين ابناء الاعظمية والكاظمية .. الخ مالذي سيجنيه العراق من تجزئته غير الحرب والدمار والويلات والهشاشة وهو يعتلي اهم موقع جيوستراتيجي في قلب الشرق الاوسط ؟ كيف سينتهي العنف اذا تم انفصال هكذا اقاليم متداخلة فيما بينها سكانيا عبر التاريخ ؟ من سيتفرغ كي يحمي العراق ان كان العراق سيشيعه ابناؤه الى الابد؟ من يضمن لكم يامروجي التقسيم انكم ستبقون احياء  ترزقون ترحمون أوتتلظون من هذا الطرف من العراق او ذاك في منطقة تعج بالقوى الاقليمية الكبيرة؟ وان كانت دولة قد باركت لكم مشروع التقسيم فهل تقبل ان يطبق مشروع التقسيم عليها؟ ام سيجن جنونها ويتطاير شررها؟ كيف فات عليكم ايها السادة ان لاتميز وحتى الان بين قضية وطن قديم وبين معضلة سياسة مزمنة ؟ ما الذي جعلكم لاتميزون بين عدالة مركزية وبين دكتاتورية بشعة؟ من افهمكم ان تقسيم العراق هو الحل تحت اي شعار او مشروع؟ وهل مجتمعكم منذ قرنيين كاملين في تعايش رائع ام في صراع مرير ؟ واسألكم هل تريدون تأسيس حكومة في كل خي او زقاق ؟ من اعطاكم الحق في ان تؤلفوا ثلاث حكومات على اسس طائفية وعرقية لاغلبيات كي تسحقوا بقية الاقليات ؟ اذ لابد من حكومة تركمانية وحكومة اشورية وحكومة صابئية واخريات يزيدية وكلدانية وسريانية وشبكية وارمنية وروستانتية ناهيك عن كاثوليكية وارثوذكسية بل لابد من حكومة تركمانية شيعية واخرى سنية ، بل لماذا لاتتحدث حكومة لكل قبيلة او عشيرة وتصبح مجتمعا مهلهلا ياكل احده الاخر.. ياكل القوي الضعيف او يبلع الاكبر فينا الاصغروهكذا فان من المخجل حقا ان يكتب التاريخ يوما مايحدث للعراقيين وقد افتقدوا الطبيعية كي يفسخوا العراق على اسس واهية طائفية وعرقية وكانه الوحيد بين دول المنطقة كلها لم يعد مجتمعة بقابل على الحياة واننا ندرك ان الغالبية من ابناء العراق البررة رواد المشروع الوطني ودولة المؤسسات والمؤمنين بالدولة المدنية يعشقون العراق الى حد العظم ولكن الاقدار قد جعلت ولاءات البعض منهم تتقدم بمراحل كبيرة على مشاعرهم العراقية… ان من يريد العراق مقطوعا او مقطوع الرأس والاطراف فهو ليس من العراقيين.. ومن يصنف العراق على اساس اي ولاءات حزبية او دينية او عرقية او كتلوية او طائفية او مذهبية .. فهو ليس من العراقيين .. وان كلمن يبارك مشروعات الاميركين او اي طرف من الاقليميين ويتهم غيره بالعمالة والخيانة فهو ليس من العراقيين وان كل من يصفق لنحر العراق الى ثلاث اجزاء او اكثر فهو من غير العراقيين وان كل من يسحب اثام دكتاتور سابق ليتهم طائفة او قومية او قبيلة بأثامه فهو من غير العراقيين .. وان كل من يسعى لاحادية سلطة او فاشية حزب او دكتاتورية فرد او طائفة … فهو ليس من العراقيين ان العراق كان موحد وسيبقى كذلك لكل العراقيين مهما تغيرت حكوماته وانظمته السياسية سيبقى هو الوطن الى الابد..وان جرجرة الوطن للطائفة والمذهب والعرق هي في مداها الناكص جرجرة الوطن للفئة والتي تجر بالضرورة الى الشخصانية والتوحش في الانا وهذه الجرجرة لاسيما في المكان المتلون مذهبيا ودينيا وعرقيآ.. كذلك فكريا وتعبيريا ، هي استهتار مجنون بحقوق الاخر واستحقاقاته واستبداد بوجوده ومستقبله وتحيز واقعي للانسان المواطن بين : ان يعيش منفيا في وطنه او منفيا في خارجه كما هو الحال بين ان يحيا مستلبا ومقموعا ومزجورا .. وبين ان يفسخ عقد الزواج فينفي ذاته الى اطار خارج وجدانه وحنينه … وان الاخاء بين ابناء الوطن لايمكن ان يقوم على اساس توازن مذهبي وعنصري بل على اساس وطني انساني عميق الجذور… رحب المدى يلف بجناحه كل مذهبوكل عنصر.. ومن يحترم تاريخه يعشق وطنه.. ومن يمتلك الوعي به يخشى عليه من الفواجع والغائبات فعليه بالرؤيا والتمسك بالمشروع الوطني العراقي ومن يدرك قيمته سيفخر به وبكل منجزات اهله من الاباء والاجداد .. وسيعمل على ان يصنع منه ضرورة لهذا العالم حاضرآ  او مستقبلا…

* مركز الدراسات والبحوث العراقي الوطني

أحدث المقالات